العين... هل تفكر حقاً؟

مؤلف {التفكير بالعين} يعتقد أنها أكبر من مكتبة وأوسع من مُتحف

من أعمال الفنانة رانيا عقل
من أعمال الفنانة رانيا عقل
TT

العين... هل تفكر حقاً؟

من أعمال الفنانة رانيا عقل
من أعمال الفنانة رانيا عقل

صدرَ عن «دار الوطن» بالرباط كتاب جديد يحمل عنوان «التفكير بالعين» للفنان والناقد التشكيلي المغربي سعيد العفاسي. وبما أنّ الكاتب قد درَس الفن والفلسفة وتخصّصَ في علم الاجتماع فلا غرابة أن يستعين بالمقاربات الفلسفية في قراءة الصورة التشكيلية، وتحليلها، وتفكيك عناصرها المُتشابكة التي قد تستعصي على «القارئ» العادي الذي لا يتمترس خلف خبرات بصرية متراكمة.
يتألف الكتاب من أربعة فصول يُشكِّل فيها الفصل الأول ثلث الكتاب لأنه يتمحور على الثيمة الرئيسية فيه وهي «التفكير بالعين». تُرى، هل تفكِّر العين؟ وإذا كانت كذلك فما الذي يفعله العقل؟ وما الذي تقوم به البصيرة في أعماق الكائن البشري الذي يُبجِّل الصورة ويُوقِّر ملَكة التفكير؟
يعتقد العفاسي أن العين «المُدرّبة» هي أكبر من مكتبة، وأوسع من مُتحف، وأنها بتآزرها مع اليدّ «باتت الأساس في غالب ما نفعله وننتجهُ ونفكر فيه» (ص18). يتوقف العفاسي عند كتاب «المُتحف المُتخيّل» لأندريه مالرو ليطرح أسئلة كثيرة عن جوهر الفن وماهيتُه لكن يظل السؤال الأبرز هو: مَنْ الذي يصنع الفن، أهو الفنان أم المُتحف؟ لا شكّ في أن هذا السؤال يتعلق بالعين تحديداً، مثلما تعلقت عين مالرو بالفن التشخيصي وأهملت الفنانين التجريديين عموماً بطريقة توحي بتفاديه للفن الإسلامي بينما انصبّ جُلّ اهتمامه على فنون فرعونية أو آسيوية قديمة. كما يستعرض المؤلف كتاب «العين والروح» لموريس مرلو - بونتي مُشدِّداً فيه على أن التصوير التجريدي لم يستطع أن يغفل «مسألة الكائن» من الناحية التشخيصية. يتوقف الناقد عند مادة «عين» في «لسان العرب» ودلالاتها ومشتقاتها الكثيرة التي يمكن العودة إليها في المعجم لكن الأهم فيها هي الأفعال المرادفة والقريبة مثل «أبصر، رأى، ونظر» التي «تجمع بين حاستي البصر والعمل العقلي على الأشياء» (ص28). يفرِّق العفاسي بين نوعين من الرؤية وهما الرؤية الخارجية والرؤية الداخلية وإذا كانت الأولى بصرية فإن الثانية تأملية حيث تنتمي الأولى إلى «القوّات الحسيّة» الخمس، كما يسمّيها المؤلف، وهي «الشمّ والطعم واللمس والسمع والبصر»، بينما تنتمي الثانية إلى «القوّة الخيالية» التي نستدل بواسطتها إلى «معرفة الحقّ» ورؤية الباري عزّ وجل من خلال إطراق النفوس. وبما أن «للعين ذاكرة تباشر بها المرئيات» (ص39) فلا وجود إذن للعين البريئة البدئية، بل هناك عين مسبوقة دوماً، كما يذهب كلود مونيه، «فهي النافذة التي تقدّم للعقل العلامة أو الصورة لكي يتمّ تفكيكها ودراستها وبالتالي التعبير عنها في ظرف وجيز جداً» (ص43).
يسعى العفاسي في الفصل الثاني إلى رصد مفهوم الجمال وتعريفه، فالإغريق كانوا يرون فيه «كل ما يثير الإعجاب والتقدير سواء في ميدان الحواس أو الخواص الروحية» (ص69) وقد ربطوا الجمال بالخير، والقُبح بالشرّ، كما اعتبروا «الكمال» شرطاً أساسياً من شروط «الجمال».
وعلى الرغم من أن الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون قد أحاط هذا المفهوم بهالة من الغموض حينما قال: «إنّ جوهر الجمال يبقى سرّاً من الأسرار» (ص75) فإن المفكر الألماني ألكسندر غوتليب بومغارتن هو الذي اجترح مفهوم الاستاطيقا مُفرِّقاً إيّاه عن بقية المعارف الإنسانية وقد وضعنا في دائرة التجلّي حينما قال إن «الفن هو أعلى درجات التواصل الكوني بين البشر» (ص81) بغض النظر عن إدراكه سواء أكان بالعقل والمنطق أم بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية المرهفة.
يكرِّس الناقد الفصل الثالث من الكتاب للفنانة الفلسطينية رانية عقل ليدرس من خلال أعمالها ثنائية الوجود والغياب مستعيناً بالكوجيتو الذي يتقرر بمقتضاه وجود الأنا «أنا أشك إذن أنا موجود» ليصبح «أنا حاضر إذن أنا غائب»، فالغياب يقارب الوجود، والشكّ يجاور التفكّر ليصل في خاتمة المطاف إلى الاستنتاج القائل: «أنت تشك في وجودية شخص غائب، إذن هو موجود بفعل قوة الغياب القاهرة» (ص115).
لا تحتاج الأعمال الفنية لرانية عقل إلى جهد نقدي كبير لتأويلها فهي بسيطة شكلاً ومضموناً لكنها لا تخلو من بعض الرمزية التي تتعلق بثنائية الغياب والحضور ويمكن للمتلقي المُدرّب قليلاً أن يفهم رمز «طائر السنونو» أو إشارة «الثوب» أو علامة «الحرف العربي» ولعل عناوين بعض اللوحات الصريحة تكشف عن مضامينها الواضحة مثل «الوطن» و«الحرية» و«حق العودة» وما إلى ذلك.
يستغرق العفاسي في الفصل الرابع بالتنظير لعدد من الحركات الفنية مثل الواقعية، والتجريدية، والتعبيرية، والتكعيبية، والبنائية، والبوب آرت، والفن البصري في محاولة لقراءة الظاهر المرئي للعمل الفني لكن تركيزه انصبّ على الواقعية والتجريدية أكثر من بقية التيارات والمذاهب الفنية المعروفة وتوصّل إلى نتيجة معقولة مفادها أن جدارية «الغورنيكا» لبيكاسو هي عمل واقعي قدر ارتباطه بروح العصر وتعبيره عن المأساة الإنسانية. ويضيف بأن اللوحة الواقعية لا بد أن تتكئ على شيء تجريدي ولا يمكن تصوُّر لوحة تجريدية من دون واقع محسوس تنطلق منه، وتؤسس جانباً من ثيمتها عليه. وأنّ هذا التفريق بين الواقعية والتجريد إنما ورثناه، كما يعتقد الناقد، من الفكر والفلسفة في القرن التاسع عشر حيث ذهبا إلى انفصال المادة عن الروح، وتباين الواقع مع الذات، ومثلما ترتبط الواقعية بالمادية فإن التجريدية قد ارتبطت بالمثالية، ولهذا اعتبر النقاد الفن الواقعي أكثر أهمية من التجريد لأنه يرتبط بالواقع اليومي ويؤرخ له، بينما اعتبر نقاد آخرون أن التجريد أكثر أهمية من الفن الواقعي لأنه يعكس عالم الروح بكل تجلياتها وينأى بنفسه عن المادة التي تقيّده باشتراطاته المعروفة سلفاً.
ثمة مقاربة نقدية أخرى يرصدها العفاسي بأن الفن اليوناني أو الأوروبي عموماً هو فن واقعي وأن الفن العربي زخرفة وتجريداً هو فن لا واقعي حيث لعبَ هذا التقسيم دوراً عنصرياً يقدّم فيه الأوروبيون الفن الواقعي بينما لا ينجح العرب إلاّ في تقديم الصيغ والأشكال التجريدية المحرّفة التي دمغت الفن الشرقي بالروحانية والتجريد، بينما أغدقت على الفن الغربي بالواقعية. يتساءل العفاسي في خاتمة الفصل الرابع والأخير من الكتاب إن كان فن الرسم في طريقه إلى الزوال، خصوصاً وأن المدارس النقدية الحداثية قد انحرفت به إلى مسارات غير مألوفة، كما أن «فن الأداء» والفن الأرضي Land Art قد ذهبا بمعطياته إلى فضاءات وتكوينات جديدة وكأنها قد ضاقت ذرعاً بأطر الرسم التي تظل محدودة مهما اتسعت.
حظي كتاب «التفكير بالعين» بمقدمتين، الأولى بعنوان «جوهر العين وسلطة التفكير» للفنان محمد بن كيران وهي مقدمة عامة لم تلامس مضمون الكتاب إلاّ من مسافة بعيدة.
أما الثانية فقد جاءت تحت عنوان بليغ وهو «العين المُفكرة والعقل الرائي» للدكتور الناقد سعيد أصيل، الذي قرأ الكتاب جيداً واعتبره «مقدمة» لمشروع نقدي قد يرى النور لاحقاً لكنه يحتاج إلى مزيد من الشرح والتحليل والأمثلة المستفيضة التي توضح لنا «آلية التفكير بالعين» فقد أثار هذا الكتاب النقدي بعض الأسئلة لكنه لم يقدّم لنا إجابات شافية وافية عن الموضوع البكر الذي لا يخلو من مفاجآت مدهشة.
ختاماً لا بد من الإشارة إلى أن غالبية الهوامش والإحالات المتعلقة بالفنانين والفلاسفة والحركات الفنية منقولة حرفياً أو مع بعض التعديل من موسوعة ويكيبيديا الحرة بينما كان يُفترض بالمؤلف أن يُعيد صياغتها في الأقل كي لا يقع في «مطبّ» الانتحال أو سوء الظن.



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.