«هاري» مكماستر جنرال ومفكر سياسي

أحد أبرز راسمي الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة في عهد ترمب

«هاري» مكماستر جنرال ومفكر سياسي
TT

«هاري» مكماستر جنرال ومفكر سياسي

«هاري» مكماستر جنرال ومفكر سياسي

طوت واشنطن صفحة سياسة الرئيس باراك أوباما، بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وكان واضحاً قبل أن يتسلم ترمب مهام منصبه رسمياً خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه سيتعاطى مع الشؤون الدولية والسياستين الخارجية والدفاعية بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي اتبعها سلفه خلال ثماني سنوات. وكان الجانب الأبرز هنا إعادة النظر في توجه أوباما ليس فقط نحو تبريد التوتر مع إيران، بل التعامل معها بصفتها شريكا في منطقة الشرق الأوسط. وللعلم، هذا دور قديم جديد راود مخيلة حكام طهران منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي عندما كان إبان «الحرب الباردة» يسعى إلى أن تكون إيران «شرطي الخليج» والقوة الإقليمية الأكبر في شرق المتوسط. التغير في تعامل واشنطن في عهد ترمب بدأ سياسيا في سلسلة مواقف متشددة من غيران، وعسكرياً بتعيين عدد من القادة العسكريين في مواقع مؤثرة سياسيا، لعل أبرزهم الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع الجديد، والجنرال هربرت مكماستر، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي.
الجنرال هربرت ريموند مكماستر، والشهير باسم «هاري»، ليس عسكرياً وفق النظرة الكلاسيكية المحدودة للقائد العسكري، بل هو شخصية مثقفة سياسيا، ومتعمقة بشؤون الأمن والدفاع، وبين أهم إنجازاته خارج ميادين القتال إعداده أطروحة دكتوراه متميزة صدرت عام 1997 مفصلة ومنقحة في كتاب عن حرب فيتنام بعنوان «التقصير في تأدية الواجب»، وكيف قصّرت القيادات العسكرية الأميركية في إدارة تلك الحرب وإعطاء النصح اللازمة للقيادة السياسية؛ ما أنتج أسوأ نكسة عسكرية استراتيجية للولايات المتحدة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية. ومن ثم، يرى متابعو المشهد السياسي أن تعيينه مستشاراً لشؤون الأمن القومي خلفاً لجنرال آخر هو مايكل فلين، يثبت مدى جدية الرئيس الأميركي الجديد في إحداث نقلة نوعية بتعاطي واشنطن مع الأزمات العالمية، ومنها، بطبيعة الحال أزمات الشرق الأوسط التي تراكمت وتفاقمت في عهد سلفه.

بطاقة هوية
ولد هربرت ريموند «هاري» مكماستر يوم 24 يوليو (تموز) عام 1962 في مدينة فيلادلفيا: «مهد الاستقلال الأميركي» وكبرى مدن ولاية بنسلفانيا بشمال شرقي الولايات المتحدة. وأنهى تعليمه الثانوي في أكاديمية فالي فورج العسكرية الشهيرة عام 1980، ومن ثم تخرج ملازماً من الأكاديمية العسكري الأميركية في ويست بوينت عام 1984، وفيما بعد حصل على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في التاريخ الأميركي من جامعة نورث كارولينا – تشابل هيل، وكما سبقت الإشارة كانت عن الاستراتيجية الأميركية الفاشلة في حرب فيتنام.
كانت أولى المهام التي أسندت إليه في خدمته العسكرية مع فرقة المدرعات الثانية في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، ثم عام 1989 نقل مكماستر للعمل في الكتيبة الأولى التابعة للفوج المدرع الـ66 في بامبرغ بألمانيا، حيث خدم حتى عام 1992، وشملت خدمته في ألمانيا في تلك الحقبة مشاركته في «عملية عاصفة الصحراء».
إبان «عاصفة الصحراء» عام 1991 كان مكماستر برتبة نقيب أسندت إليه مسؤولية قيادة «مجموعة العقاب» التابع لفوج الخيالة المدرع الثاني في معركة الدبابات المعروفة بـ«معركة 73 إيستينغ» بجنوب شرقي العراق ضد قوات الحرس الجمهوري العراقي. ولإنجازاته في تلك المعركة التي تغلبت فيها قوته الصغيرة على قوة عراقية أكبر منها بكثير دباباتها سوفياتية الصنع، منح مكماستر وسام «النجمة الفضية».
بعد هذه المحطة الميدانية المهمة، ابتعد مكماستر لبعض الوقت إلى الأجواء الأكاديمية؛ إذ مارس (آذار) تدريس التاريخ الأميركي في ويست بوينت بين عامي 1994 و1996. وشملت المواد التي درسها للطلبة العسكريين بعض المعارك التي خاضها. ثم في عام 1999، تخرج في كلية الأركان والقيادة للجيش الأميركي، في خطوة كبرى أخرى نحو القمة.

في «القيادة الوسطى»
وعاد العسكري – المؤرخ في ذلك العام ليقود السرية الأولى في فوج الخيالة الـ66، وتولى حتى عام 2002 مناصب عدة في القيادة الأميركية الوسطى (سنتكوم)، منها مسؤوليات متصلة بالتخطيط وتنفيذ العمليات في العراق. وفيما بعد ترقيته إلى رتبة مقدم (الفتنانت كولونيل) ثم عقيد، عمل مكماستر مع القيادة الوسطى ضابطا تنفيذيا مساعدا للفتنانت جنرال جون أبو زيد. ومن ثم، بعد ترقية أبو زيد إلى رتبة جنرال بأربع نجوم وأسندت إليه قيادة القيادة الوسطى - التي تشمل منطقة الشرق الأوسط – عيّن مكماستر مديراً للمجموعة الاستشارية للقيادة.
الخطوة التالية، بعد فترة زمالة من كلية الجيش الحربية أمضاها في معهد هوفر بجامعة ستانفورد خلال عام 2003، انتقل مكماستر في العام التالي 2004 ليقود فوج الخيالة المدرع الثالث، الذي لم يلبث أن نشر للمرة الثانية في العراق. وكلف يومذاك بتأمين مدينة تلعفر، القريبة من مدينة الموصل بشمال البلاد.
خلال تلك المهمة في شمال العراق، قاد مكماستر قواته للتغلب على المسلحين المقاومين في تلعفر. غير أنه اختار عام 2006 أن يبتعد مرة أخرى عن الميدان، ويعود إلى مجال الأبحاث. وبالفعل، التحق بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العاصمة البريطانية بصفة كبير باحثين، وكان من اهتماماته المباشرة اعتماد سياسات وتكتيكات أفعل في مواجهة الإرهاب.
لقد فضل مكماستر في تلك الحقبة (بين 2006 و2007) أن تفوته فرصة ترقيته إلى رتبة عميد (بريغادير جنرال) على الرغم من السمعة الطيبة التي اكتسبها في الأوساط العسكرية الأميركية خلال خدمته الميدانية في العراق. ولكن في أواخر 2007 بعد عودة الجنرال ديفيد بترايوس من العراق قدّر الأخير كفاءته، وكان ضمن كوكبة من الضباط الذين حصلوا على الترقية. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال سنة كاملة بين أغسطس (آب) 2007 وأغسطس 2008 كان مكماستر أحد أفراد نخبة من الضباط الأميركيين الذين عملوا مستشارين لبترايوس، الذي كان قد عين قائداً للقيادة الوسطى (تولى لاحقاً إدارة وكالة الاستخبارات المركزية «السي آي آيه»)، في مسائل مكافحة التمردات المسلحة.
المهمة التالية لمن غدا الآن «الجنرال» مكماستر كان منصب مدير تطوير المفاهيم والتجارب في مركز تكامل قدرات الجيش بقاعدة فورت مونرو العسكرية في ولاية فيرجينيا. وفي هذا المنصب كان من مهامه بلورة المفاهيم والخطط المستقبلية المتعلقة بالقوات المسلحة، وتحديداً القوات البرية.
وواصل مكماستر من هذا المنصب صعوده الوظيفي. وعام 2010 التالي، اختاره هيئة الأركان الأميركية ليكون نائباً لقائد قوة «إيساف» المتعددة الجنسية في أفغانستان لشؤون التخطيط. وبعد ذلك في مطلع عام 2012 رقي إلى رتبة لواء (ميجور جنرال)، وأسند إليه منصب آمر مركز مناورات التميز التابع للجيش في قاعدة فورت بنينغ بولاية جورجيا.
ثم في فبراير (شباط) رقي إلى رتبة فريق (لفتنانت جنرال)، وأسند إليه منصب نائب رئيس التدريب وفلسفة القيادة في مركز تكامل قدرات الجيش.
خلال هذه المرحلة كان الضابط الكفء والمتعدد المواهب قد أصبح نجماً حقيقياً داخل القوات المسلحة وخارجها، لدرجة أن مجلة «تايم» اختارته عام 2014 ضمن الشخصيات المائة الأكثر تأثيراً في العالم. كما كتب عنه جنرال أميركي متقاعد بتقدير كبير، واصفاً إياه بأنه «مهندس مستقبل الجيش الأميركي».
بعد فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية متغلباً على المرشحة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، في نوفمبر، الماضي، كان كثرة من المراقبين يتوقعون منه أن يسند مناصب مهمة إلى عدد من الشخصيات العسكرية. وكان ذلك التوقع مستنداً إلى خطبه الانتخابية، ومنها بصفة خاصة، ترداده عبارة «العمل على جعل أميركا قوة عظمى من جديد». وكان ترمب في هذا التوجه يخالف بالمطلق سياسة المهادنة التي اتبعها سلفه.
وبالفعل، كان بين التعيينات المبكرة التي لفتت المتابعين اختيار الرئيس الجديد الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، وجنرال آخر هو مايكل فلين مستشاراً لشؤون الأمن القومي. إلا أن فلين، صاحب الشخصية المثيرة للجدل، سرعان ما وجد نفسه يغرق في وحول السياسة.
ووسط عاصفة الاتهامات حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة المرشح الجمهوري، كشف الإعلام النقاب عن أن فلين أجرى اتصالات غير معلنة مع السفير الروسي في واشنطن. وكانت هذه السقطة كافية، لخروجه من فريق ترمب، مفسحاً المجال أمام شخصية مختلفة أكثر حصافة وكياسة في التعامل مع السياسة والسياسيين.
وهكذا أشرعت الأبواب أمام «هاري» مكماستر...



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.