«نور»... فيلم روائي لبناني يطلق صرخة إنسانية تحبس الأنفاس

يتصدى لمشكلة تزويج القاصرات ناقلاً معاناة الطفولة المسروقة

فانيسا أيوب في دور «نور» الفتاة القاصر التي أجبرت على الزواج برجل أكبر منها
فانيسا أيوب في دور «نور» الفتاة القاصر التي أجبرت على الزواج برجل أكبر منها
TT

«نور»... فيلم روائي لبناني يطلق صرخة إنسانية تحبس الأنفاس

فانيسا أيوب في دور «نور» الفتاة القاصر التي أجبرت على الزواج برجل أكبر منها
فانيسا أيوب في دور «نور» الفتاة القاصر التي أجبرت على الزواج برجل أكبر منها

مشكلة تزويج القاصرات بعيدا عن القانون، يعالجها فيلم «نور» لخليل زعرور، مطلقا من خلاله صرخة إنسانية في وجه مجتمع أخرسته التقاليد.
هذا الفيلم يروي «حدوتة» لبنانية طويلة جمعت في طياتها قصصا واقعية صغيرة استنبطها كاتبها من بحث مضن قام به شخصيا على مناطق لبنانية نائية، للوقوف على أحداثها عن قرب، فشرح بشفافية معاناة فتاة قاصر (نور) تبلغ من العمر 15 سنة، بعدما أُجبرت على تنفيذ قرار ذويها بالزواج برجل مغترب يكبرها بأعوام كثيرة. وكانت حجتهم أن هذا الارتباط يصب في مصلحتها لأن العريس ميسور وبمثابة «نصيب لا يمكن تفويته»، كما تصفه والدة الفتاة في الفيلم (جوليا قصار).
وعلى الرغم من حفنة الحزن التي يعيشها المشاهد في القسم الثاني من الفيلم بدءا من لحظة سرقة الطفولة من نور، وإجبارها على الزواج برجل لا تعرفه بعمر والدها، مرورا بمشاهد مؤثرة ينقلها إلينا المخرج عن «ليلة الدخلة» ووحشية تلك اللحظة التي قلبت أحلام نور رأسا على عقب، وصولا إلى قبولها في النهاية بالأمر الواقع بعد أن تحولت إلى امرأة مقطعة الأوصال تلفظ أحزانها وحيدة على نافذة غرفتها، فإن المخرج نجح في الجزء الأول من العمل في أخذنا برحلة طفولية بامتياز، مظهرا التناقض الكبير بين براءة تلك المرحلة والقسوة التي تطالعنا بها الحياة على حين غرة. وفي هذا الجزء يستمتع المشاهد باسترجاع ذكرياته الطفولية بين أحضان طبيعة القرية اللبنانية الخلابة، (صورت مشاهد الفيلم في بلدة يحشوش الكسروانية وعلى ضفاف نهر إبراهيم شمال لبنان) التي تبث فيه الشعور بالحنين لتلك الجلسات مع أصدقاء الطفولة وهم يمارسون ألعابا قديمة («زي عروستي»)، بعيدا عن العالم الافتراضي، وعندما يتشاركون الطعام (البيض المطهو مع النقانق) في غياب وجبات «الديليفري» المملة، ويحيكون المقالب الطريفة بعضهم لبعض فيضحكون وكأن الهموم لا يمكنها أن تلامسهم.
وبدت فانيسا أيوب التي تطل لأول مرة بصفتها فنانة (اكتشفتها إليسا أيوب المشاركة في كتابة سيناريو الفيلم)، ملائمة تماما لدور الفتاة القاصر؛ إذ نجحت في تقمص شخصيتها القائمة على طبيعتين متناقضتين، فأخذتنا بملامح وجهها الطفولي والنضر معا إلى أحلى لحظات البراءة والرومانسية الناعمة اللائقة بتلك المرحلة، لتقفز بعد زواجها إلى مقلب آخر من العلاقات المفروضة عليها، فانطبعت ملامحها بالخوف بعد أن فقدت حيويتها. كما نجحت فانيسا في تجسيد شخصية المرأة التي بترت طفولتها بين ليلة وضحاها، وصارت حياتها سجنا خانقا وأعمالا منزلية، وهي التي كانت الدنيا بأكملها لا تتسع لها. فهذا الرباط الزوجي الذي أقدمت عليه رغم أنفها، حرمها أبسط حقوقها؛ إن في متابعة دراستها أو في تحقيق طموحاتها الفتية.
وكعادتها، قدمت لنا جوليا قصار التي لعبت دور والدة الفتاة القاصر (نور)، أداء حِرفياً بامتياز، لشخصية الأم العادية المحدودة التفكير التي سحبت من ابنتها حقوقها الطبيعية في ممارسة مراهقتها، لاقتناعها بأنها تعرف مصلحتها أكثر منها. وبذلك تكون قد نقلت إلينا عقلية النساء القرويات المتشبثات بأفكارهن المتخلفة التي تربين عليها، فكن هن أيضا ضحاياها وطبقنها بدورهن على بناتهن.
ولعل تجسيد المخرج خليل زعرور لدور الزوج المتعجرف «ابن أمه» التي لا ترفض له طلبا، والمنطوية شخصيته على خطوط عريضة مشبعة بالذكورية، كان خيارا موفقا وفي محله، فهو من كتب النص وبحث في خفاياه وعاش تفاصيل قصص لفتيات قاصرات تشبه تلك التي عاشتها بطلة فيلمه (نور)، فكان من البديهي أن يكون الأفضل لترجمتها تمثيلا أمام الكاميرا وإخراجا وراءها. واستخدم زعرور خلفيات بصرية من الطبيعة لإيصال رسائل مبطنة إلى المشاهد (عندما تسبح «نور» إثر اغتصاب زوجها لها في بحيرة متسخة)، فكانت بمثابة صور سوريالية تمثل معاناة فتاة قاصر وقعت في مطبات حياة رسمها لها أشخاص مقربون منها فتحكموا بمصيرها.
أما الممثلتان عايدة صبرا (مدبرة المنزل لدى أهل الزوج) وإيفون معلوف (والدة الزوج)، فقد أديتا دورين نابعين من شخصيات نسائية قروية قد نصادفها في المدينة أيضا. فاستطاعت الأولى بملامح وجهها القاسية أن تذكرنا بتلك التي كان يعتمدها المخرج البريطاني ألفرد هيتشكوك في أفلامه، لشخصيات نسائية عابسة تكمن الشر لغيرها، ولو أنها حاولت كسر هذا الانطباع لدينا من خلال مواقف خيرة تستعملها قناعا تخفي وراءه نواياها السيئة. فيما تمكنت الثانية زوجة «البيك»، من ترجمة مفهوم الطبقية والفوارق الاجتماعية التي تسود عادة أجواء القرى المنقسمة على نفسها بعد أن أبقت على تمسكها بمبدأ «ابن السيد» و«بنت الجارية» لتشعر بمكانتها.
وعلى الرغم من أن طبيعة الفيلم تدور حول قضية إنسانية بحتة تحاول معالجة مشكلة زواج القاصرات، فإنه لا يمكن إدراجه في خانة الأفلام الكئيبة. فصحيح أن مشهد حفل زفاف نور ودخولها غرفة النوم مع زوجها يترك لديك إحساسا بالإحباط، لما يحيط به من تفاصيل تدور في فلك الخوف والاختناق ونبضات القلب السريعة التي شكلت مجتمعة عناصر التشويق في الفيلم، إلا أنك تخرج منه وقد سكنتك ملامح الطبيعة اللبنانية الخلابة وذكريات الطفولة على الرغم من الغصة التي تحملك إياها أحداثه في أعماقك.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.