تسببت سياسات الانقلابيين في تسارع انهيار العملة المحلية في اليمن أمام العملات الأجنبية، إذ انخفض الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي عن السعر الرسمي بنحو 33 في المائة. وكان البنك المركزي حدد سعر الدولار بـ250 ريالا يمنيا للشراء، و250.5 ريال للبيع، وفق النشرات الرسمية المعلنة أمس، لكن التداولات الحرة في السوق هجرت هذا السعر منذ أشهر، وصولا إلى 332 ريالا للشراء و343 ريالا للبيع مقابل الدولار الواحد في الأشهر الثلاثة الماضية، قبل أن يتهاوى الريال مجددا في الأيام القليلة الماضية، ليخسر 10 في المائة من قيمته أثناء التداولات اليومية للمصارف والسوق السوداء، قياسا بالأسعار السائدة في الربع الأول من هذا العام.
ومن المرجح استمرار حالة الوهن في ظل استمرار الصرف من العملة المطبوعة التي لم يتوفر غطاء لها حتى الآن، ما جعل المصارف والسوق السوداء تحدد أسعارا تختلف جذريا عن السعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي.
وهوت العملة اليمنية بسبب بقاء إيرادات المناطق غير المحررة تحت تصرف الانقلاب الذي صنع مشكلة تراجع العملة مسبقا عندما تعمد تصفية الاحتياطي النقدي الموجود في البنك المركزي الذي يواجه صعوبات حقيقية في فرض السياسة النقدية الرسمية على جميع المناطق، لا سيما المناطق غير المحررة. وبحسب بيانات صرف العملة في اليمن أمس، وصلت قيمة الدولار إلى 373 ريالا للبيع و370 ريالا للشراء في صنعاء، مقابل 345 ريالا للبيع و342 ريالا للشراء قبل شهر، فيما وصل متوسط سعر الريال السعودي إلى 99 ريالا للبيع، وما يعادل 98.2 ريال للشراء أمس، مقابل 90.3 ريال للبيع، و93.3 ريال للشراء قبل شهر.
وأمام هذه التطورات، أكد عبد السلام محمد، رئيس مركز «أبعاد» المتخصص في الدراسات الاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن الإشكالية الأساسية التي تسببت في انهيار سعر الريال اليمني بشكل متتال، تتمثل في ظروف الحرب التي يمر بها اليمن، وتصفية الانقلابيين للاحتياطي في البنك المركزي الذي أسهم في عدم وجود أي غطاء للعملة وبالتالي استمرار انخفاضها.
ولفت إلى أن بقاء إيرادات المناطق غير المحررة في أيدي الانقلابيين، التي تصل إلى مليارات الريالات، وعدم إيداعها في حسابات الدولة تسبب في تعطيل سير الدورة المالية بشكل سليم، وهي الدورة التي من شأنها، لو تمت بصورة صحيحة، أن توفر غطاء لمنع انهيار العملة.
وقال عبد السلام محمد: «عندما يتم تسليم الرواتب من العملة المطبوعة فقط دون الاستفادة من إيرادات الموانئ والمطارات وشركات الاتصالات وشركات النفط وغيرها من المصالح الحكومية الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، فإن ذلك ينعكس سلبا على العملة اليمنية، وبالتالي كلما أرادت الدولة صرف رواتب للموظفين لا تجد غطاء من العملات، ما يؤدي إلى نقص سعر الريال اليمني». وأضاف أن اليمن طبع عملات في روسيا من أجل إيجاد سيولة بعد أن سحب الانقلابيون السيولة من البنك المركزي في صنعاء، ولكنها واجهت صعوبة في صرف رواتب الموظفين، نتيجة عدم وجود غطاء للأموال التي طبعت، وبالتالي زاد انهيار العملة وتفاقم وضعها الضعيف وازدادت حالة الوهن التي تواجهها.
وعن الإجراءات الواجب اتخاذها لإيقاف انخفاض سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية الأخرى، شدد عبد السلام محمد على أهمية الضغط على الانقلابيين لإدخال إيرادات المناطق التي تحت سيطرتهم في حسابات الدولة، ليتسنى تسليم المرتبات بشكل طبيعي، وإلا فإن الاستمرار في تسليم الرواتب من خلال العملة المطبوعة دون غطاء سيزيد من انخفاض العملة اليمنية، ويضطر الحكومة في نهاية الأمر إلى التوقف إجباريا عن تسليم الرواتب. وأكد أن على الحكومة الشرعية أن تعيد هيكلة المنافذ المالية في المناطق المحررة، إضافة إلى مسارعة المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بإعطاء غطاء مالي بقيمة أربعة ملايين دولار على أقل تقدير للبنك المركزي في عدن.
وعن أهمية تحويلات المغتربين اليمنيين، رأى رئيس مركز «أبعاد»، أن تحويلات المغتربين لم تعد ذات جدوى في القيمة الاقتصادية للدولة، لأنها أصبحت تغطي الضروريات الأساسية لعائلاتهم، ولا تذهب للاستثمار أو الدورة المالية التي تحرك البنك المركزي، إضافة إلى أن التحويلات المالية انخفضت في فترة الحرب، خصوصا أن الدول التي يوجد بها المغتربون اليمنيون انعكست الحرب سلبا عليها، وحتى اليمنيون المستثمرون في الخارج بدأت استثماراتهم تضعف، وهذه حالة طبيعية ناتجة عن تأثير الحرب على الجوانب الاقتصادية.
إلى ذلك، قال مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدم إدارة العملات الأجنبية بشكل مدروس وواع قد يؤدي في نهاية الأمر إلى سحق العملة المحلية وجعلها تتهاوى بحثا عن قاع جديد في ظل التدهور المتسارع لقيمة العملة المحلية. وأشار إلى أن عدم قدرة السلطات المالية الرسمية على فرض السياسة النقدية في مختلف المناطق يعد أمرا طبيعيا في ظل وجود مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ووجود مناطق أخرى تقع تحت الحكم الصريح للتمرد الحوثي.
وشدد على أهمية إدارة النقد الأجنبي في اليمن، وذلك لضمان عدم انفلات الأسعار عبر الاستفادة من الحوالات الواردة إلى اليمن، التي يبعثها المغتربون إلى ذويهم، داعيا إلى الاستفادة من النفط والغاز والمساعدات الواردة من المنظمات والدول في دعم سعر العملة المحلية، ما يعني أن الحالة التي تمر بها العملة اليمنية قابلة للعلاج إذا تم التعامل معها بذكاء للوصول على أقل تقدير إلى مرحلة تخفيف ضغط سعر صرف العملة ومنع استمرار تدهورها.
سياسات الانقلابيين تهوي بالريال اليمني
سياسات الانقلابيين تهوي بالريال اليمني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة