أمام باب منزلها في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وقفت أم شادي تسأل جاراتها الواحدة تلو الأخرى عما إذا كانت لدى إحداهن مياه إضافية لغسيل الأواني التي تكدست في مطبخ بيتها، بعد أن فرغت المياه من خزانات غالبية المنازل بسبب انقطاع الكهرباء لأكثر من 18 ساعة متتالية.
ويعتمد سكان القطاع على الكهرباء لتشغيل مولدات المياه الموجودة في منازلهم وضخها إلى الخزانات التي تعلو الأسطح، ومع اشتداد أزمة الكهرباء في الأيام الماضية وتجددها بعد 3 أشهر من التحسن المحدود، بات السكان يعانون بشدة بسبب انقطاعات التيار التي تصل في بعض المناطق إلى 20 ساعة.
ومثل آلاف غيرها، تشكو أم شادي من أن انقطاع التيار الكهربائي يؤثر كثيراً على أعمالها المنزلية، ويسبب لها متاعب؛ لانقطاع المياه وعدم قدرتها على شراء مياه الصهاريج. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «مع بداية الأزمة كنا لا نرى الكهرباء لنحو 17 ساعة... ولا يوجد جدول توزيع ثابت من قبل شركة الكهرباء».
وتؤكد شركة الكهرباء، بدورها، أنها تحاول تطبيق خطة طوارئ تستطيع من خلالها تثبيت جدول واضح لتوزيع ما يتوافر لديها من الكهرباء بإنصاف. لكن كثيرين باتوا يدركون أن عليهم تنظيم حياتهم على إيقاع وصول الكهرباء وانقطاعها، حتى وإن كان غير منتظم.
وقالت أم شادي: «أبدأ أعمال البيت مع ساعات الفجر حين وصول الكهرباء، وأبقى حتى الصباح لأن الكهرباء ستنقطع بعدها». وأضافت بلهجة عامية بسيطة: «كل أعمالنا معتمدة على الكهرباء، من دونها ما فيه حياة ولا عيشة»، مشيرة إلى أن ساعات وصول الكهرباء تكفي بالكاد لإنجاز بعض أعمالها المنزلية، وأنها تؤجل بعضها وتقوم فقط بالأهم ثم الأقل أهمية.
وتوقفت محطة كهرباء غزة الأسبوع الماضي عن العمل بعد نفاد كميات الوقود التي وفرتها قطر لمدة 3 أشهر. وتتهم سلطة الطاقة في القطاع وزارة المالية في رام الله بفرض ضرائب باهظة على الوقود الذي يتم إدخاله للمحطة، وهو ما لا تستطيع توفيره مع ارتفاع سعر اللتر بنحو 4 شواقل (دولار وربع) عن سعره الأصلي. أما وزارة المالية في رام الله فتقول إن حركة حماس التي تسيطر على الشركة في غزة تجبي الأموال ولا تحولها إلى رام الله.
ومع هذا الصراع السياسي يدفع الناس مزيداً من الأثمان. وتقول سعاد جواد إن أزمة الكهرباء تطال جميع مناحي الحياة، سواء في المنازل أو المتاجر أو المصالح الحكومية. ولفتت إلى أن الكهرباء تصل إلى منطقتها في غرب غزة أقل من 4 ساعات كل 12 أو 16 ساعة؛ ما يجعل الحياة صعبة.
وأضافت: «تمر علينا أيام لا نستطيع التسوق لأكثر من حاجاتنا لليوم الواحد، خشية فساد الأغذية لعدم توافر الكهرباء وحفظها في الثلاجة... كمية كبيرة من الخضراوات تلفت بعد الأزمة، لانقطاع الكهرباء ساعات طويلة جداً». وأشارت إلى أن زوجها «يضطر منذ بداية الأزمة في بعض الأيام إلى شراء المياه المحلاة من الصهاريج المتنقلة بهدف إنجاز الأعمال المنزلية». وأوضحت أنها في بعض الأوقات تضطر إلى غسل الملابس على يديها، وإعداد الخبز على موقد النار.
وتؤثر أزمة الكهرباء على تشغيل أقسام الخدمات في البلديات لآبار المياه، ما يعطل وصولها إلى السكان الذين يحذرون من كارثة تتهدد حياتهم. وقال عبد الله أبو يوسف لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأوضاع لم تعد تطاق، ولا بد من حلول جذرية لهذه الأزمة والمعاناة». ودعا «كل المسؤولين إلى التطلع برحمة وشفقة تجاه حياة الناس الذين يعانون من ضيق الحال في غزة، وتأتي أزمة الكهرباء لتضاعف من أزمات الحياة لديهم».
ويشكو الشاب حمزة عبد ربه من أن الأزمة الحالية أثرت أيضاً على توافر خدمات الإنترنت، مع إعلان الشركات عدم قدرتها على توفير الكهرباء باستمرار في أقسام الشبكات التابعة لها. وقال: «حتى مع تشغيل مولدات ودفع أثمان باهظة لإنارة بيتك، لا تجد الإنترنت الآن».
وأعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية احتمال توقف خدماتها في بعض الأحيان بسبب أزمة الكهرباء، مشيرة إلى «جزء من الواقع الصعب الذي يعيشه قطاع غزة في ظل عدم وجود حلول واضحة لأزمة الكهرباء».
وانتشرت أخيراً مولدات كهرباء كبيرة في شوارع القطاع، يستطيع من خلالها الأهالي الاشتراك بمبلغ محدد ثم يتم احتساب ما يستخدمونه من كهرباء، ما يدر على أصحاب هذه التجارة الخاصة مبالغ كبيرة، خصوصاً أن الاشتراكات التي يحصلونها باهظة.
ويقول فريد النجار الذي يدير محلاً صغيراً للحياكة، إن الاشتراك في مثل هذه المولدات يكلفه كثيراً. وأضاف: «نعيش ظروفاً قاسية جداً، ولا توجد لدينا بدائل لتوفير الكهرباء لإنجاز أعمالنا، خصوصاً أن ما نستطيع تحصيله يومياً من عملنا لا يكاد يصل إلى 20 شيقلاً في اليوم الواحد»، أي ما يعادل 8 دولارات. وتساءل: «ما أحصله لا يكاد يكفي لتوفير متطلبات عائلتي، فكيف أدفع إيجار مولد كهربائي لتشغيل آلات الخياطة التي تحتاج كميات كبيرة من الكهرباء؟!».
ولا تؤثر عمليات انقطاع الكهرباء لوقت طويل فقط على المنازل والحياة العامة، بل تشمل القطاع الصحي الذي يتأثر بشكل كبير، ما يدفع الوزارة في غزة إلى إعلان حالة الطوارئ، بهدف توفير الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء لإنقاذ المرضى. وتحتاج مستشفيات ومرافق وزارة الصحة في غزة إلى ما يقارب 700 ألف لتر من السولار شهرياً، ولا تملك الوزارة القدرة على توفيرها بسهولة في ظل الحصار الخانق على غزة.
وترك انقطاع التيار الكهربائي أثره المباشر على خدمات صحية كثيرة، منها عمليات غسيل الكلى التي يحتاجها 476 مريضاً من مرتين إلى 3 مرات أسبوعياً، كما أنها تؤثر على 113 طفلاً يرقدون في حضانات الأطفال، وعلى غرف العمليات، وأقسام العناية، وبنوك الدم والفحص، وثلاجات الأدوية وتطعيمات الأطفال، وجراحة القلب والمناظير وغيرها.
حياة الغزيين تحكمها الكهرباء
الانقطاع الطويل للتيار يعمق أزماتهم ويربك إيقاع أيامهم
حياة الغزيين تحكمها الكهرباء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة