أعلنت هيئة الانتخابات الإيرانية جدول المناظرات التلفزيونية بين سداسي المعركة الانتخابية غداة التراجع عن قرار مثير للجدل يحظر النقل المباشر للمناظرات قال فيه المتحدث باسم الداخلية سلمان ساماني إن قرار المنع صدر بناء على هواجس «بالغة الدقة» في إشارة إلى تجربة النسختين الماضيتين من الانتخابات الرئاسية وفي أول مواجهة مباشرة الجمعة المقبل ستتناول الملف الأكثر إشكالية في المشهد السياسي الإيراني هذه الأيام وهو الملف الاقتصادي بعدما وضعه المرشد الأعلى علي خامنئي على رأس أولويات البلد خلال العام المقبل. بموازاة ذلك أخذت الحملات الانتخابية نسقا تصاعديا، وانحصر اليوم الثالث في الانتخابات بين الرئيس حسن روحاني وخصومه في المثلث المحافظ ففي أمس انتقل روحاني من الدفاع للهجوم متهما خصومه الذين يتحدثون عن قرب ظهور المهدي المنتظر بالسعي لإعادة شبح الحرب إلى إيران.
وأصدرت هيئة الانتخابات الإيرانية أمس جدول المناظرات التي تتناول ثلاث قضايا أساسية بين المرشحين وستشهد أيام الجمع في الأسابيع الثلاثة المقبلة مناظرات وفي الأول يناقش المرشحون القضايا الاجتماعية والاقتصادية وفي الجمعة الثاني ستكون الحصة للبرامج السياسية قبل أن تختتم المناظرات بما بدأته حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية وكان المتحدث باسم الداخلية الإيرانية سلمان ساماني أعلن أول من أمس، نقل المناظرات التلفزيونية مباشرة «مع أخذ بعض الملاحظات بعين الاعتبار» في تراجع عن قرار سابق حول تسجيل المناظرات بدلا من النقل على الهواء.
وبحسب ساماني فإن قرار منع النقل المباشر للمناظرات كان نتيجة اجتماع ناقش هواجس «بالغة الدقة». وذكر ساماني أن هيئة الانتخابات تعكف على البحث عن حلول تتناسب مع الهواجس مشددا على ضرورة التوصل إلى «أساليب تأخذ الهواجس بعين الاعتبار».
وكان وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي قال أول من أمس إن قضايا تتعلق بالأمن القومي تقف وراء قرار تسجيل المناظرات التلفزيونية بدلا من نقلها المباشر.
رغم إعلان وزارة الداخلية الإيرانية التراجع عن قرار منع نقل المناظرات التلفزيونية وترحيب التيارات السياسية لكن أوساطا إيرانية أعربت عن قلق من الإطار المحدد الذي قد يفرض على المرشحين خلافا للدورتين السابقتين.
وبدأت إيران تطبيق المناظرات التلفزيونية منذ 2009 وكانت أولى المناظرات بين الرئيس السابق أحمدي نجاد وكل من المرشحين الإصلاحيين مهدي كروبي ومير حسين موسوي شهدت تلاسنا غير مسبوق واتهامات متبادلة بين كبار المسؤولين الإيرانيين على الهواء مباشرة مما شكلت شرارة احتجاجات امتدت لفترة ثمانية أشهر بعد إعلان فوز أحمدي نجاد في فترة رئاسية ثانية.
وفي 2013 ضمن روحاني فوزه على عمدة طهران محمد باقر قاليباف عندما امتدت المناظرة بينهما إلى تبادل الاتهامات حول الوقوف وراء قمع الحركة الطلابية في صيف 2009 وكان روحاني حينذاك يشغل منصب أمين عام مجلس الأمن القومي وقاليباف قائدا للشرطة الإيرانية. ورد روحاني حينها التهمة عن نفسه بتذكير قاليباف بأنه طالب بتطبيق تكتيك «الكماشة» في مواجهة الطلاب المتظاهرين وهو ما اعتبر تسريبا لأسرار النظام في مواجهة الاضطرابات كما تسبب روحاني في اقتران اسم قاليباف بـ«الكماشة».
وفي ثالث أيام حملات الانتخابات الرئاسية قرر الرئيس الإيراني حسن روحاني الابتعاد عن منطقة الدفاع إلى الهجوم وكانت البداية بوضع يده على نقطة ضعف منافسه المحافظ محمد باقر قاليباف بانتقاده سياسة بلدية طهران في بناء المجمعات السكنية بهدف الاستيلاء على مناطق واسعة في إطار مشاريع توسيع الطرق السريعة والغابات. واتهم روحاني خلال خطاب له بمؤتمر دولي في قزوين ضمنيا منافسه بانتهاك حقوق المواطنين والأجيال القادمة عبر سلوك طرق غير مشروعة لتوفير نفقات المشاريع التي تنفذها بلدية طهران.
وبدأ الطرفان الاستعداد للمعركة الانتخابية منذ أشهر. ففي أغسطس (آب) ردت مواقع مقربة من روحاني على تسريب وثائق حول رواتب مسؤولين في الحكومة عرفت بفضيحة الرواتب الفلكية، بنشر وثائق تظهر تورط قاليباف ومقربين منه في مجلس بلدية طهران وعدد من المسؤولين ببيع والحصول على عقارات حكومية أقل من السعر الحقيقي وهي ما عرفت بفضيحة العقارات الفلكية.
في هذه الأثناء، وجه 14 من أعضاء مجلس بلدية طهران الإصلاحيين رسالة إلى وزير الداخلية يعربون عن قلقهم إزاء استغلال إمكانيات وأموال بلدية طهران في حملة عمدة طهران محمد باقر قاليباف كما طالبت الرسالة بمنع استخدام مؤسسة «همشهري» للإعلام التابعة لبلدية طهران لصالح حملة قاليباف وفق ما أوردت وكالة أنباء «إيرنا» الرسمية.
لكن روحاني في ثاني خطاب له وسط أنصاره الذين رفعوا أعلاما باللون البنفسجي في قزوين بدأ بالهجوم على الشعارات العقائدية التي يرفعها خصومه حول التهميد للمهدي المنتظر وقال روحاني إن «انتظار ظهور المهدي يعني أياما مليئة بالأمل». واعتبر روحاني الهدف من وراء الحديث عن انتظار المهدي التصعيد مع المجتمع الدولي وإعادة شبح الحرب إلى البلاد في حين أنه يريد التعاون مع المجتمع الدولي.
كما تساءل روحاني عن جدوى الأجواء الأمنية في البلد وذلك في إشارة ضمنية إلى مخاطر عودة أحد من المحافظين إلى كرسي الرئاسة قائلا إن «النقاش حول ما إذا كنا نريد إعادة الأجواء الأمنية إلى الجامعات أو لا؟ هل نريد انفتاحا في المجتمع أم التضييق».
وتوعد روحاني من يعرقلون برامجه السياسية «بكشف الحقائق للشعب الإيراني خلال الأيام المقبلة».
إيران سفينة بلا ربان
في المقابل، قال المنافس الأول لحسن روحاني، رئيس الهيئة الرضوية خلال لقاء بعدد من نواب البرلمان إن «البلد بلا برنامج كأنه بلا ربان» وطالب رئيسي بإصلاح النظام البنكي الإيراني كشرط للنمو الاقتصادي. وأشار رئيسي إلى المشكلات التي تواجه بلاده حاليا موضحا أنها مشكلات «بنيوية وضعفا في القوانين وضعفا في الإدارة الاقتصادية» وفقا لوكالة «فارس».
ومن دون أن يتطرق لتفاصيل سجله في الثمانينات بما فيها إعدامات طالت آلاف المعارضين قال رئيسي إنه في تلك السنوات عمل على «مكافحة المفاسد الاجتماعية والتصدي للمخلين بالنظام العام وإبعاد خطر الإرهاب عن الشعب».
من جهة أخرى، توجه محافظ طهران محمد باقر قاليباف إلى مدينة ساري مركز محافظة مازندران في شمال البلاد. وفي حين أعرب قاليباف عن رضاه تجاه أوضاع إيران السياسية والعسكرية في المنطقة لكنه هاجم بصورة واسعة إدارة روحاني وقال إن «الأزمة الاقتصادية تسببت في تذمر وإحباط الشعب» بسبب «سوء الإدارة والتدبير». مشدداً على أن 96 في المائة من الاقتصاد بيد 4 في المائة من الإيرانيين.
وقال قاليباف: «فيما مضى وقف رجالنا بوجه اعتداء الأعداء لكن اليوم رؤوسهم تنحني وينهارون داخل الأسر وهذا لا يليق بالشعب». وعزا المشكلات الاقتصادية الحالية في البلاد إلى إقصاء الشعب من المشاركة في النشاط الاقتصادي، وقال: «ثورتنا ثورة المستضعفين لكننا كلما يمضى الوقت فإن الفقراء يزدادون فقرا والأثرياء أكثر ثراء». وتابع قاليباف أن «سوء الأوضاع بلغ مستويات أن الطبقة المتوسطة تواجه مشكلات في إدارة شؤونها اليومية».
ولم ينه قاليباف كلامه من دون التطرق إلى أزمة البطالة، مكررا وعده بتوفير خمسة ملايين فرصة عمل إذا ما نجح في تشكيل الحكومة. ودعا الإيرانيين إلى أن يكون 19 مايو (أيار) موعد «تسليم السلطة التنفيذية إلى أشخاص بإمكانهم الاستفادة من طاقات البلد والتقدم بالاقتصاد».
أول بيان رسمي لأحمدي نجاد بعد الإقصاء
وفي أول رد رسمي بعد إقصائه من السباق الرئاسي أصدر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بيانا أعلن فيه أنه لن يؤيد أيا من المرشحين في الانتخابات المقررة 19 مايو (أيار) المقبل. وقال أحمدي نجاد في بيانه المشترك مع مساعده التنفيذي حميد بقايي الذي أقصي بدوره من المعركة الانتخابية «نعلن بوضوح أننا لم ولن ندعم أي مرشح في الانتخابات المقبلة».
وأعلنت هيئة الانتخابات الإيرانية الخميس الماضي موافقة لجنة «صيانة الدستور» على أسماء ستة مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية من أصل 1636 تقدموا بطلبات الترشح.
في غضون ذلك، أثار خروج أحمدي نجاد جدلا في إيران بسبب عدم إعلان أسباب رفضه. وكان تقدم أحمدي نجاد بطلب الترشح مفاجأة مدوية في إيران بعدما أوصاه المرشد الإيراني علي خامنئي بعدم الترشح للانتخابات لتجنب انقسام البلد إلى قطبين متصارعين.
وذكر أحمدي نجاد ومساعده أنهما تقدما بطلب الترشح «تلبية للمطالب الشعبية وللدفاع وصيانة مصالح الشعب الإيراني».
لكن أحمدي نجاد تراجع عن بيانين خلال الأشهر الستة الماضية قبل أن يفاجئ الجميع بتقديم طلب الترشح خلافا لرغبة المرشد الإيراني ففي فبراير (شباط) الماضي أعلن أحمدي نجاد أنه لن يدعم أي مرشح أو تيار سياسي في الانتخابات لكنه تراجع بعد شهر بإعلانه ترشح مساعده التنفيذي حميد بقايي مؤكدا دعمه بعدة خيارات في حال رفض طلب ترشحه وذلك خلال مؤتمر صحافي حمل كبار النظام ضمنيا مسؤولية قمع احتجاجات 2009. وقال أحمدي نجاد قبل أيام إن تغيير بعض الحسابات دفعه للتراجع عن قراره السابق وهو ما أثار شكوكا حول إمكانية تغيير موقف المرشد الإيراني علي خامنئي. لكن التهديد الضمني من كبار الجهاز القضائي بملاحقة أحمدي نجاد ومساعده بقايي بدد تلك الشكوك.
وجاءت رسالة أحمدي نجاد لتغلق الباب بوجه التكهنات حول إمكانية استئناف القرار بتقديم طلب الترشح. وبحسب قانون الانتخابات الإيراني فإن المرفوضين بإمكانهم أن يقدموا طعنا ضد القرار أو يصدر حكم مباشر من المرشد الإيراني.
وبإعلان رفض طلب أحمدي نجاد فإن الشائعات لم تتوقف حول مستقبله. أحدث الشائعات تشير إلى تحرك بعض الشخصيات المتنفذة للتوسط بتقديم الطلب لخامنئي لإصدار حكم ينقض قرار لجنة «صيانة الدستور» ويعيد أحمدي نجاد إلى دائرة المنافسة.
في هذا الصدد، نفى مكتب عضو لجنة «صيانة الدستور» محمود هاشمي شاهرودي أمس صحة ما تناقلته مواقع إيرانية حول تحركه من أجل الحصول على حكم من خامنئي لعودة أحمدي نجاد إلى السباق الرئاسي وقال هاشمي شاهرودي أمس إنه لم يرسل رسالة إلى خامنئي بخصوص أحمدي نجاد متهما جهات معادية بنشر تلك الأنباء للنيل من عزم الإيرانيين في الانتخابات وفق ما نقلت عنه وكالة «مهر»الحكومة.
بدوره، نفى المتحدث باسم لجنة «صيانة الدستور» عباس كدخداي أن تكون وصية خامنئي لأحمدي نجاد بعدم الترشح في الانتخابات لعبت دورا في رفض طلب ترشحه كما استبعد أن يصدر المرشد الإيراني حكما لإعادة أي من المرشحين المرفوضين للتنافس الانتخابي.