اتسعت شكاوى سكان المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي وصالح، ومنها العاصمة صنعاء، إزاء تدني القوة الشرائية لديهم وعدم تسلم موظفي الدولة رواتبهم للشهر السادس على التوالي. ورافق ذلك اتساع دائرة الرفض الشعبي للميليشيات وتقليص مساحات المؤيدين لها.
وقال أحد سكان العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» معلقًا على هذا الوضع: «يوماً بعد يوم، الجوع يفتك بنا بسبب ميليشيات الحوثي وصالح ونهبها لأموال المؤسسات والوزارات في القطاع العام، وللشهر السادس لم نتسلم رواتبنا، مما زاد من معاناتنا اليومية وعدم استطاعتنا توفير أبسط متطلبات العيش، وليس أمامنا سوى التضرع لله ليخلصنا من هذه الميليشيات».
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قد أفاد في خطته للاستجابة الإنسانية لعام 2017، بأن 18.8 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية، بينهم 10 ملايين طفل، وهناك 7.3 مليون شخص لا يعرفون من أين يحصلون على وجبتهم المقبلة، وأن 3.3 مليون شخص، بينهم 2.1 مليون طفل، يعانون من سوء التغذية.
وفي العاصمة صنعاء، يتزايد تفاقم الوضع الإنساني في ظل استمرار الميليشيات في بيعها المساعدات الإغاثية لتمويل جبهاتها القتالية، ويجري توزيع جزء من ذلك على مناصريهم من سكان العاصمة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هناك منظمات محلية تعمل على مساعدة الميليشيات في توزيع المساعدات الإغاثية عبر تكليف منظمات محلية تتبع الميليشيات بعملية التوزيع.
وقال الباحث الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أزمة إنسانية كبيرة ناتجة عن تأخر صرف المرتبات، حيث يقترب الموظف من دخول الشهر السابع دون أن يتسلم مرتبه، وهذا يتسبب بكارثة إنسانية كبيرة على ملايين الأسر التي تعتمد على المرتبات». وفي وقت سابق، توقفت أيضًا مخصصات الرعاية الاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فقير، وهذا كله ضاعف من الحالة الإنسانية ووضع تحديات كبيرة أمام الأسر، لا سيما لدى المعلمين الذين يشكلون تقريباً ثلث موظفي الدولة، وهؤلاء يواجهون كارثة حقيقية فيما يتعلق بتوفير الغذاء الأساسي.
وتزايدت مناشدات المواطنين ومنظمات المجتمع المدني إلى المنظمات الدولية لتسريع إغاثتهم جراء الوضع الإنساني المتفاقم الذي وصلوا إليه إثر الانقلاب على الشرعية، وأصبحوا يعيشون أوضاعاً بالغة السوء ومعاناة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والغاز المنزلي، في ظل عدم وجود نظام صحي قائم ومستشفيات تعمل دون رقابة.
وقال عرفات الرفيد، مدير برنامج اليمن في المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مقرها القاهرة)، لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع الحقوقي والإنساني لا يزال سيئًا ويزداد سوءاً، حيث عصفت الحرب بكيان الدولة وتهشمت أركانها، وأكثر من يتأذى بذلك هم المدنيون». وأضاف: «بينما ذكرت منظمات حقوقية أن انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني حتى نهاية العام الماضي طالت 12 ألف مدني بسبب النزاع، لا تزال أماكن اعتقال الموقوفين قسراً غير معروفة، وتعرض بعضهم للتعذيب وسوء المعاملة». وتابع: «سكان صنعاء ليسوا وحدهم من يعانون من تدهور الوضع الإنساني أو الفقر، بل إن معظم سكان المناطق الساحلية الذين يمتهنون الصيد فقدوا مصدر رزقهم نتيجة المخاطر التي يتعرضون لها، فاليمن يعاني من الانهيار شبه الكامل للاقتصاد». وكانت تقارير أممية قد تحدثت عن تعرض 19 محافظة يمنية لأزمة الغذاء وتعرض 14.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج الذين يعانون من انعدام الأمن الشديد المقدر عددهم بنحو 7.6 مليون إلى مساعدات غذائية فورية. وأصبح أكثر من نصف سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر.
وذكر الرفيد أن الحوثيين «سخروا عائدات الدولة المتبقية لصالح مجهودهم الحربي وبعيداً عن دفع الرواتب لموظفي القطاع العام أو توفير الخدمات العامة، في حين أن أبرز عوائق التنمية في اليمن خلال العقد الأخير كانت التمردات المحلية والنزاعات الداخلية وغياب الأمن وسلطة القانون في أنحاء البلد وكذلك الفساد المستشري في كل مستويات قطاعات الدولة». وأكد أن انتهاكات الميليشيات «توسعت مع سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، وشنهم حملة قمعية على المعارضين لهم من الإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان، إضافة إلى إغلاق عشرات المنظمات غير الحكومية».
وبسبب إفلاس البنك المركزي في صنعاء، تسببت الأزمة أيضًا في نقص السيولة النقدية من العملة المحلية التي انعدمت من الأسواق، ومع عدم تسلم موظفي القطاع العام رواتبهم، تفاقم الوضع الإنساني والمعيشي، الأمر الذي أدى إلى انتشار عمليات السرقة والنهب وابتزاز المحلات التجارية من قبل الميليشيات تحت اسم دفع المجهود الحربي.
وأغلق عدد من الشركات التجارية والمصانع والمحلات التجارية أبوابها، مما تسبب في خسارة مئات آلاف اليمنيين أعمالهم، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الشرائية في اليمن تنحدر تدريجيًا بسبب الارتفاع الشديد في تكاليف الاستيراد في بلد يعتمد على الاستيراد الخارجي بنسبة 90 في المائة من متطلباته الغذائية.
ولتعويض ذلك، أعلنت حكومة الانقلاب عما سماه البعض «خدعة الخروج من مأزق الراتب»، وذلك بتبديل الراتب بـ«البطاقة السلعية»، حيث أعلنت وزارة الصناعة والتجارة في حكومة الانقلاب عن البطاقة السلعية الخاصة بالموظفين الحكوميين بديلاً عن استحقاقات صرف الرواتب. ووجهت مذكرة أصدرتها وزارة المالية في حكومة الانقلاب بتطبيق نظام البطاقة السلعية لجميع موظفي الدولة في القطاعين العام والمختلط ومنتسبي المؤسستين الأمنية والعسكرية، من خلال شراء مواد غذائية بشيكات آجلة (تخصم لاحقاً من مرتباتهم أقساطاً شهرية) وتصدر الشيكات للتجار.
وحول جدوى هذه المبادرة الجديدة، قال مصطفى نصر لـ«الشرق الأوسط» إن «البطاقة السلعية تجربة فاشلة لا سيما أن الإشكال الحقيقي هو موضوع عدم توفر السيولة، وأعتقد أنها ستضاعف المشكلة ولن تخففها. أولاً لعدم إمكانية تعميمها على كل موظفي اليمن، والأمر الآخر ستضاف عمولات جديدة ونفقات جديدة، وهذا سيتحمله الموظف». وأضاف أن «الاحتياجات الكبيرة للموظف تجعله ليس بحاجة فقط إلى القمح الذي سيتم التعاقد مع التجار لتوفيره، وإنما بحاجة لتكاليف أخرى. أضف إلى ذلك هناك مشكلة التعامل مع التجار وعدم قدرتهم على الاستيراد بتحويل هذه البطاقات إلى عملة صعبة، وبالتالي صعوبة الاستيراد، إذ إن أكثر من 90 في المائة من الغذاء يتم استيراده من الخارج». وخلص إلى أن «البطاقة السلعية مجرد مسكنات ولن تحل المشكلة بشيء».
من جانبه، وصف الصحافي كامل الخوذاني، المقرب من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بسخرية، ما قامت به حكومة الانقلاب، على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به، بالقول: «كيف سيتم استخدامها (البطاقة السلعية) بغسل الأموال وكيفية تحويل الأموال للشركات وكيف سيتم استخدامها لتدمير وسحق كثير من تجار السلع والمستوردين وخلق شركات وتجار ومستوردين؟». وأضاف: «شركات وبيوت تجارية أخرى حديثة النشأة صنعت خصيصاً لتحصل على كل التسهيلات والإعفاءات والعقود والاحتكار والحماية، هكذا يتم تحطيم التجار والبيوت التجارية، وهكذا يتم سحق المواطن المغلوب على أمره فوق ما هو مسحوق».
تفاقم المعاناة الإنسانية في مناطق الانقلابيين
استياء من تورط الميليشيات في «بيع المساعدات الإغاثية» وتحويل العائدات إلى «المجهود الحربي»
تفاقم المعاناة الإنسانية في مناطق الانقلابيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة