تونس: تشكيل لجان لمحاصرة الاحتجاجات الاجتماعية

نقابة العمال و{حركة النهضة} تحذران من بوادر أزمة سياسية

يوسف الشاهد
يوسف الشاهد
TT

تونس: تشكيل لجان لمحاصرة الاحتجاجات الاجتماعية

يوسف الشاهد
يوسف الشاهد

قرر يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، تشكيل مجموعة من اللجان الحكومية أطلق عليها اسم «لجان الإصلاحات الكبرى»، أوكل إليها مهمة النظر في تحقيق الأولويات التي رسمتها «وثيقة قرطاج» لحكومة الوحدة الوطنية، خصوصا قضية مقاومة الفساد والتهريب ومكافحة الإرهاب.
ومن المنتظر أن تكون هذه اللجان جاهزة خلال بداية الأسبوع المقبل، وستكون مهمتها الأساسية إعداد كشف دقيق عن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ورسم خطط فعالة لمجابهة التحديات الكبرى المرتبطة بهذين الملفين، على أساس مشروع المخطط التنموي بعد تعديله وتحيينه، ووفقا للأولويات والتوجهات التي تم التوافق حولها في تلك الوثيقة.
ووفق ما أوردته الحكومة من معطيات حول هذه اللجان، فإنها ستعمل على إعداد برنامج حكومي عاجل لدفع وتيرة النمو الاقتصادي وتسريعه، والتحكم في التوازنات المالية لتحقيق مشاريع التنمية وخلف فرص عمل جديدة.
وتضم لجان الإصلاحات الكبرى ممثلين عن الأحزاب والمنظّمات الوطنية في إطار رؤية تشاركية وتوافقية لهذه الإصلاحات، هدفها الأساسي خفض حدة التوتر الاجتماعي، ومحاورة الفئات المحتجة والإسراع في تنفيذ المشاريع المعطلة.
وحسب متابعين للوضع السياسي والاجتماعي في تونس، فإن هذه الخطوة جاءت نتيجة الانتقاد الحاد الذي وجهه الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، أبرز منظمة اجتماعية وطنية مساندة لاتفاق قرطاج، للائتلاف السياسي الحاكم، واتهامه بعدم الالتزام بوثيقة قرطاج التي تشكلت بمقتضاها حكومة الوحدة الوطنية. وكذلك من خلال موقف حركة النهضة، الشريك الأساسي لحزب النداء في الحكم، من الاحتجاجات الاجتماعية وتعبيرها عن تفهمها لها ومساندتها.
وكان اتحاد الشغل قد ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال تحذيره من أزمة سياسية، قال: إنها الآن في طور التشكل، وهو ما يستوجب إحداث مبادرة لمنع السقوط مجددا في التجاذبات السياسية، وتحميل كل طرف مسؤولية التوتر الاجتماعي لبقية الأطراف المشاركة في الحكم.
وكان يوسف الشاهد قد اتهم في حوار تلفزيوني أطرافا سياسية لم يسمها بمحاولة إسقاط الحكومة، عبر توسعة رقعة الاحتجاجات التي انطلقت في منطقة تطاوين (جنوب شرقي تونس) لتصل إلى عدة مناطق أخرى، من بينها القصرين وزغوان. وعلى الفور سارعت حركة النهضة (حزب إسلامي) إلى نفي هذه المحاولات، وأكدت على أهمية التوافق السياسي لإنجاح المسار الانتقالي في البلاد.
وبعد لقاء جمع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بنور الدين الطبوبي، رئيس نقابة العمال، قال الطبوبي إن الاتحاد يساند حق الجهات الفقيرة والمحرومة من التشغيل والتنمية، وأكد وقوفه إلى جانبها، محذرا من مغبة الركوب على تلك الاحتجاجات الاجتماعية بهدف بث الفوضى لصالح شبكات الفساد ومراكز النفوذ المشبوهة على حد تعبيره.
واعتبر الطبوبي أن «خيار مقاومة الفساد والتهريب» من أولى المهام العاجلة أمام حكومة يوسف الشاهد، داعيا إلى «محاورة جدية للمحتجين تفضي إلى حلول عملية ملموسة»، وإلى الإسراع بوضع استراتيجية استباقية للنهوض بالجهات المحرومة والمهمشة، وعدم انتظار الاحتجاجات للاستجابة إلى المطالب الاجتماعية حتى لا يبقى دورها «مجرد إطفاء الحرائق وتقديم الوعود».
وفي السياق ذاته، عبرت حركة النهضة عن تفهمها لمطالب وتحركات المواطنين في عدد من الجهات، ودعت في بيان حمل توقيع راشد الغنوشي رئيس الحزب، حكومة الشاهد إلى التفاعل الإيجابي مع هذه المطالب، وذلك عبر فتح حوار يفضي إلى حلول واقعية تراعي المطالب وإمكانيات البلاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».