بعد خسارة معسكر البقاء في استفتاء 23 يونيو (حزيران) الماضي، اضطر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للاستقالة من منصبه، وذلك بعد مضي سنة واحدة على الدورة البرلمانية التي بدأت في مايو (أيار) 2015. وتريزا ماي، التي تسلمت منه زعامة حزب المحافظين، وأصبحت رئيسة الوزراء، أعلنت بشكل واضح، خلافاً لتوقعات المراقبين بأنها قد تدعو إلى انتخابات مبكرة للخروج من أزمة «بريكست»، أنها لن تنظم انتخابات قبل موعدها المقرر في عام 2020.
لكن بالأمس، تراجعت 180 درجة، وأعلنت أنها ستجري انتخابات عامة في 8 يونيو المقبل، وأنها ستعرض مشروع القرار على البرلمان للموافقة عليه. وفي إعلانها المفاجئ أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن، قالت ماي التي تستعد للدخول في مفاوضات حساسة حول «بريكست»: «نحن بحاجة إلى انتخابات عامة الآن. أمامنا الآن فرصة لا تتكرر للقيام بذلك (...) قبل بدء المحادثات المفصلة». وشهد الجنيه الإسترليني ارتفاعاً مقابل اليورو والدولار عقب إعلان ماي، بعد أن انخفض في أعقاب «بريكست».
وقد أطلقت بريطانيا عملية «بريكست» الشهر الماضي، إلا أن المفاوضات من المقرر أن تبدأ بعد أسابيع، مما يمنح رئيسة الوزراء فرصة لزيادة الدعم لها في المعارك التي ستخوضها خلال هذه المفاوضات. ويبدو أن ماي قررت الآن الاستفادة من تقدمها على حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي التي أظهرت هامشاً يصل إلى 20 نقطة، مما سيعطيها فرصة زيادة عدد مقاعد حزبها في مجلس العموم، ويقوي يدها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، التي ستكون صعبة للغاية، وهناك شبه إجماع على هذه النقطة.
حزب العمال، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، رحب بخطوة ماي، وقال زعيمه جيرمي كوربين: «أرحب بقرار رئيسة الوزراء إعطاء الشعب البريطاني الفرصة لانتخاب حكومة تعطي الأولوية لمصالح الأغلبية». وتعني موافقة كوربين على خطة الانتخابات أنه من المرجح أن تحصل خطوة ماي التي ستطرحها أمام البرلمان على أغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس العموم بشكل مريح، وهي النسبة المطلوبة في الاقتراع الذي سيجرى، اليوم (الأربعاء)، لتمرير قرار إجراء الانتخابات.
وأضاف كوربين: «إن حزب العمال سيقدم لبريطانيا بديلاً فعالاً لحكومة فشلت في إعادة بناء الاقتصاد (...) إننا نتطلع لإظهار كيف سينحاز حزب العمال لشعب بريطانيا».
واتهمت ماي معارضيها السياسيين داخل حزبها بـ«ممارسة الألاعيب» بشأن الـ«بريكست».
ويعارض معظمهم الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص خطط ماي سحب بلادها من السوق الأوروبية الموحدة. وحذرت ماي من أن «الانقسام في البرلمان سيهدد قدرتها على إنجاح (بريكست)»، خصوصاً أنها تتمتع بأغلبية ضئيلة. وهذا لن يعطيها فرصة تمرير أي صفقة تتوصل إليها مع بروكسل لأن كثيراً من أعضاء حزبها، ممن يفضلون البقاء في الاتحاد، سيصوتون ضد أي صفقة لا تضمن وجودهم في السوق الموحدة. ولكن مع تحديد 2019 موعداً لانتهاء محادثات «بريكست»، واحتمال أن تمتد بعض الترتيبات الانتقالية إلى ما بعد ذلك التاريخ، قررت ماي أن تحسم المسألة مبكراً.
وبررت قرارها بالقول: «لقد توصلت إلى أن الطريقة الوحيدة لضمان الاستقرار والأمن لسنوات مقبلة هو إجراء هذه الانتخابات، والحصول على الدعم للقرارات التي يجب أن أتخذها».
ومن المقرر أن يعقد زعماء دول الاتحاد الأوروبي الـ27 الأخرى قمة في 29 أبريل (نيسان) الحالي، حيث سيتفقون على استراتيجية للتفاوض على خروج بريطانيا، ولا يتوقع أن تبدأ المفاوضات قبل مايو أو يونيو، في أقرب موعد. وقد قالت بروكسل إن الإطار الزمني لن يتغير. وحصلت ماي على دعم البرلمان البريطاني لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة الشهر الماضي، للبدء في عملية الـ«بريكست».
وقال متحدث باسم ماي إن الجدول الزمني لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي لن يتأثر بقرار ماي الدعوة لانتخابات عامة مبكرة، مضيفاً أن العمل على التوصل لاتفاق الخروج مستمر، وأكد للصحافيين، رداً على سؤال بهذا الشأن: «سيتواصل مثلما هو الحال الآن تماماً. يواصل المسؤولون العمل، ويواصل وزراء الخارجية العمل على هذا». وأشار إلى أن كبار وزراء الحكومة البريطانية أيدوا ماي في قرارها أثناء اجتماع صباح أمس، وأن رئيسة الوزراء تحدثت مع الملكة إليزابيث، أمس (الاثنين).
إلا أن المتشككين والمؤيدين للاتحاد الأوروبي يستعدون لخوض المزيد من المعارك حول تفاصيل المفاوضات، ويجادل كبار أعضاء حزب المحافظين مع ماي منذ أشهر لزيادة أغلبية الحزب التي لا تتعدى 17 مقعداً في مجلس العموم، البالغ عدد مقاعده 650. وذكر مصدر أوروبي، الثلاثاء، كما جاء في الوكالة الفرنسية، أن ماي ستكون في موقف أفضل لدخول المفاوضات، وتقديم «التنازلات»، في حال كان وضعها أقوى في البرلمان. وقال مصدر آخر: «لدينا بعض الأمل في أن يؤدي ذلك إلى وجود قائد قوي في لندن، قادر على التفاوض معنا، بدعم قوي من الناخبين».
ومواعيد إجراء الانتخابات البريطانية منصوص عليها في القانون، ولا يمكن تغييرها إلا بالحصول على غالبية الثلثين من أصوات مجلس العموم. وأظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي التي جرت خلال عطلة عيد الفصح تقدم حزب ماي المحافظ على حزب العمال، حزب المعارضة الرئيسي، بفارق كبير. فقد حصل حزب المحافظين على نسبة تتراوح بين 38 و46 في المائة، بينما لم يحصل حزب العمال سوى على 23 إلى 29 في المائة، بحسب الاستطلاعات التي أجرتها مراكز «يوغوف» و«كومريس» و«اوبنيوم». وكان كوربين، الاشتراكي المخضرم، قد فاز بزعامة الحزب في سبتمبر (أيلول) 2015.
وستجري الانتخابات العامة في جميع مناطق بريطانيا الأربع، وهي إنجلترا وويلز واسكوتلندا وآيرلندا الشمالية، التي توترت علاقاتها الدستورية بسبب الـ«بريكست». وأثار احتمال فرض ضوابط حدودية جديدة مع آيرلندا توتراً في آيرلندا الشمالية، بينما تطالب اسكوتلندا بالتصويت على استقلالها. وقالت رئيسة وزراء اسكوتلندا نيكولا ستيرجن، في تغريدة على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن قرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إجراء انتخابات عامة مبكرة يعد مسعى من جانب حزب المحافظين «للتحرك ببريطانيا صوب اليمين، والدفع بقوة عبر مفاوضات شاقة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وفرض مزيد من التخفيضات في الإنفاق العام».
يذكر أن هناك أيضاً خلافات بين كل من ماي وستيرجن حول الخطط الرامية لتنظيم استفتاء ثان بشأن استقلال اسكوتلندا عن بريطانيا. وقال أنجوس روبرتسون، زعيم المجموعة البرلمانية للحزب الوطني الاسكوتلندي في البرلمان البريطاني، في تغريدة له على حسابه في «تويتر»، إن الانتخابات المبكرة ستكون «اختياراً واضحاً في اسكوتلندا بين حزبه وحزب المحافظين»، وأضاف: «سيحدث ذلك مهما حدث للتصريحات (ليس الوقت مناسباً الآن)، مشيراً إلى تصريحات ماي السابقة بأنه لن تكون هناك انتخابات مبكرة.
رئيسة وزراء بريطانيا تدعو إلى انتخابات قبل موعدها بثلاث سنوات
ماي تراهن على ضعف المعارضة لزيادة مقاعدها وإطلاق يدها في مفاوضات «بريكست»
رئيسة وزراء بريطانيا تدعو إلى انتخابات قبل موعدها بثلاث سنوات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة