احتدام المعارك بين «داعش» و«النصرة».. والأخيرة تحيل قياديا في «الحر» إلى المحكمة الشرعية

مقتل العشرات ونزوح الآلاف من دير الزور جراء الاقتتال الداخلي

صورة وزعت أمس لمقاتلين في الجيش السوري الحر خلال استراحة من عناء القتال في حي شيخ نجار بحلب (رويترز)
صورة وزعت أمس لمقاتلين في الجيش السوري الحر خلال استراحة من عناء القتال في حي شيخ نجار بحلب (رويترز)
TT

احتدام المعارك بين «داعش» و«النصرة».. والأخيرة تحيل قياديا في «الحر» إلى المحكمة الشرعية

صورة وزعت أمس لمقاتلين في الجيش السوري الحر خلال استراحة من عناء القتال في حي شيخ نجار بحلب (رويترز)
صورة وزعت أمس لمقاتلين في الجيش السوري الحر خلال استراحة من عناء القتال في حي شيخ نجار بحلب (رويترز)

أعلنت «جبهة النصرة»، أمس، امتثالها لأوامر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بوقف القتال في سوريا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وذلك، بعد أربعة أيام من اشتباكات دامية بين الطرفين في دير الزور أدّت إلى مقتل نحو 62 شخصا وفرار نحو 60 ألف شخص.
وفي امتداد للصراع القائم بين الفصائل السورية المسلحة والتنظيمات الإسلامية، أقدمت «جبهة النصرة» على اعتقال القائد العسكري في درعا أحمد النعمة وعدد من الضباط، وأحالتهم إلى المحكمة الشرعية.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان اعتقال جبهة النصرة النعمة وضباطا بينهم قائد «فوج الفرسان الأول»، والعقيد الطيار أيسر الخطبا، عند حاجز اليرموك جنوب درعا، وأحالتهم إلى المحكمة الشرعية.
ومن جهته، أشار رامي دالاتي، عضو المجلس الأعلى للقيادة العسكرية في الجيش الحر، إلى أن النعمة كان «محور أشكال كبير» في الفترة الأخيرة بين الكتائب العسكرية على الأرض في منطقة الجنوب. ورجح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تكون إحدى كتائب «الجيش الحر» اعتقلته، مع عدد من القادة المناصرين له، وسلمته إلى «جبهة النصرة». وكشف أنه في اليومين الأخيرين كانت قيادة الأركان تبحث إمكانية إقالته من منصبه جراء ارتكابه «تجاوزات وتصرفات فردية».
وأعرب دالاتي عن اعتقاده بأن إقدام النعمة قبل أيام على الإعلان عن تشكيل «جبهة ثوار جنوب سوريا»، كان «لاستباق قرار كهذا»، مضيفا: «هذا الإعلان أثار حفيظة عدد من الكتائب الفاعلة على الأرض، ومن بينها جبهة النصرة التي تحظى بنفوذ واسع، إضافة إلى انقسام بين القادة العسكريين، بين مؤيد لهذه الخطوة ومعارض لها».
وكانت «النصرة» أصدرت بيانا، إثر تشكيل النعمة الجبهة، حذرت فيه الفصائل المنضوية تحتها، مؤكدة أن كل فصيل يضع نفسه تحت اسم الأخير، سيكون «هدفا لمطاردة مقاتلي جبهة النصرة، وسيتعرض أفراده للمحاسبة».
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان، أمس، أن «جبهة النصرة سوف تحيل النعمة مع القادة إلى المحكمة الشرعية بتهمة تسليم بلدة خربة غزالة بدرعا، مسقط رأس رئيس فرع الأمن السياسي اللواء رستم غزالة، إلى القوات النظامية التي شنّت عليها حملة عسكرية العام الماضي، ضمن ما سمتها معركة جسر حوران». إلا أن دالاتي عد الأمر مبالغا فيه، ونفى المعلومات التي أشارت إلى أن «النعمة كان اتفق مع غزالة على تسليم البلدة إلى قوات النظام، وتقاعس عن تقديم الدعم العسكري والذخيرة إلى المقاتلين».
وحسب المرصد، عمل النعمة قبل أيام على توحيد الكتائب المقاتلة في محافظة درعا، وتحدث في أحد المجالس عن ضرورة توحيد العمل، وأن «الجيش الحر المنظّم الذي يؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية هو الذي سيحكم سوريا وصولا إلى صناديق الاقتراع، وليس المتطرفين الذين يسوق لهم بالخارج».
وفي دير الزور، سيطرت جبهة النصرة بعد معارك عنيفة مع «داعش» على بلدة أبريهة، فيما قالت مجموعة مراقبة إن الاقتتال بين الطرفين أجبر أكثر من 60 ألف شخص على الهروب من ديارهم، وتسبب في إخلاء قرى ومقتل عشرات المقاتلين. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: «تشهد بلدة البصيرة التي يقطنها أكثر من 35 ألف مواطن وقرية أبريهة التي يقطنها أكثر من 12 ألف مواطن، وقرية الزر التي يقطنها نحو 15 ألف مواطن حالة نزوح شبه كاملة بسبب الاشتباكات الجارية في المنطقة»، مشيرا إلى أن مقاتلي النصرة أحرقوا الكثير من المنازل في البصيرة، بينما قام تنظيم الدولة بالعمل نفسه في قرية أبريهة.
وبينما لم تتوقّف المعارك بين «داعش» و«النصرة» في دير الزور، أعلنت الأخيرة التزامها بـ«أوامر الظواهري» لجهة إيقاف قتالها ضد «داعش». وقالت، في بيان نشرته، أمس، مواقع إلكترونية جهادية، إنها «لن تبادر بالهجوم، لكنها سترد على اعتداءات (داعش) عليها وعلى المسلمين».
غير أن مصدرا في الجيش الحر، استبعد لـ«الشرق الأوسط»، أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، لا سيما أن «النصرة» أعلنت أنها ستبقى في موقع المدافع. وأوضح: «معظم الهجمات كانت تنفذ من قبل (داعش) وليس (النصرة)، وبالتالي لا أعتقد أن الأمر قد يتغير كثيرا على الأرض».
وجاء في البيان الموقع من الجبهة والموزع من «مؤسسة المنارة للإنتاج الإعلامي»: «إننا نعلن الامتثال لأمر الشيخ الدكتور أيمن الظواهري (حفظه الله) بإيقاف أي اعتداء من طرفنا على جماعة الدولة مع الاستمرار بدفع صيالهم حيثما اعتدوا على المسلمين وحرماتهم». وأضاف: «في الوقت الذي تعلن جماعة الدولة وقف عدوانها على المسلمين، فإن إطلاق النار من جهتنا سيتوقف تلقائيا».
كما أعلن البيان الامتثال لأمر الظواهري في شأن إنشاء محكمة شرعية للبت في الخلافات بين الطرفين اللذين يخوضان قتالا بينهما منذ أشهر في مناطق سوريا عدة. وأضاف: «نعلن عن رضوخنا لها (المحكمة) فور تشكيلها». ووافقت «النصرة» على دعوة الظواهري «الكف عن التراشق في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي».
وكان الظواهري أمر في تسجيل صوتي الجمعة الماضي «جبهة النصرة»، التي تُعدّ ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، بوقف المعارك ضد الجهاديين الآخرين.
ومنذ يناير (كانون الثاني) كانت مواجهات عنيفة اندلعت في بعض المناطق السورية بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وكتائب من المعارضة المسلحة، أبرزها «النصرة»، أدت إلى مقتل نحو أربعة آلاف شخص لغاية الآن. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت القيادة العامة لتنظيم القاعدة تبرؤها من «الدولة الإسلامية»، ودعتها إلى الانسحاب من سوريا، مؤكدة أن «النصرة» هي من تمثلها في سوريا، علما بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» يعدّ ذراع تنظيم القاعدة في العراق.
وتتهم فصائل عدة من المعارضة المسلحة «داعش» بأنها تعمل لصالح النظام. كما تأخذ عليها تطرفها في تطبيق الشريعة الإسلامية، وإصدار فتاوى تكفير عشوائيا، وقيامها بعمليات خطف وإعدام طالت العديد من المقاتلين.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.