قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أمس إن الاقتصاد العالمي بدأ يكتسب زخماً بعد 6 سنوات من معدلات نمو محبطة ومخيبة للآمال، مؤكدة أن «الزخم سيؤدي إلى توفير كثير من الوظائف وزيادة الدخل، وارتفاع الرخاء بالمستقبل». وبينما هاجمت سياسات الحمائية التجارية، توقعت المسؤولة الاقتصادية البارزة أن تسهم الدول الناشئة والنامية بنحو 75 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2017.
وتزامنت تصريحات لاغارد مع صدور تقرير لمنظمة التجارة العالمية أمس توقعت فيه أن التجارة العالمية تتجه لنمو نسبته 2.4 في المائة هذا العام، لكنها حذرت من أن هناك «عدم تيقن عميق» بشأن التطورات الاقتصادية والسياسية؛ ولا سيما في الولايات المتحدة.
وفي خطابها أمس أمام اجتماع عقد في بروكسل، قالت لاغارد إن التوقعات بشأن الاقتصادات المتقدمة تشهد تحسناً، خاصة مع قوة النشاط الصناعي، وذلك بالرغم أن بعض الدول لا تزال تعاني من الديون المرتفعة. فيما ترى أن آفاق الاقتصادات في الدول النامية تبشر بالخير، وأوضحت أن تلك الدول أسهمت في الانتعاش العالمي في السنوات الأخيرة.
وعن المخاطر التي تهدد النمو العالمي، أكدت لاغارد أن حالة عدم اليقين السياسي والحمائية الاقتصادية وتشديدات الأوضاع المالية العالمية أبرز تلك التهديدات. وتابعت أن ضعف الإنتاجية تمُثل أكبر المخاطر العالمية في وجه النمو، وترى أن ذلك يرجع إلى تباطؤ التجارة وضعف الاستثمار الخاص منذ عام 2008.
ورغم إشارتها للزخم الاقتصادي الحالي: «حيث يأتي التعافي الدوري مبشرا بتوفير فرص عمل أكثر ودخول أعلى ورخاء أكبر في الفترة المقبلة»، إلا أن لاغارد شددت على أنه في الوقت ذاته: «نرى بالمثل - على الأقل في بعض الاقتصادات المتقدمة - بدء التشكك في مزايا الاندماج الاقتصادي، في صميم (البنيان المعماري) الذي قام عليه الاقتصاد العالمي لأكثر من سبعة عقود».
وفي إشارة «رمزية» لانتقادها النهج المتصاعد للحمائية، استعارت لاغارد عبارة لهيئة تحكيم جائزة بريتزكر، التي تعادل «جائزة نوبل» ولكن في العمارة، حين منحت شركة مغمورة في كتالونيا الإسبانية جائزة العام الشهر الماضي، حيث قالت اللجنة: «هناك أعداد متزايدة من الناس تخشى فقدان قيمنا المحلية، وفننا المحلي، وتقاليدنا المحلية بسبب التأثير الدولي... وبفضل الفائزين بهذه الجائزة، نرى أن بإمكاننا الجمع بين الاثنين - جذورنا الراسخة في موقعها وأذرعنا المفتوحة لبقية العالم». وقالت لاغارد إنه «نظرا لاهتمامنا بتصميم البنيان الاقتصادي والمالي العالمي، ينبغي أن تكون هذه الكلمات مصدر إلهام لنا».
وحول المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، أوضحت لاغارد أن على رأسها «عدم اليقين السياسي، بما في ذلك ما تشهده أوروبا؛ وسيف الحمائية المسلط على التجارة العالمية؛ وزيادة ضيق الأوضاع المالية العالمية الذي يمكن أن يؤدي إلى خروج التدفقات الرأسمالية بصورة مربكة من الاقتصادات الصاعدة والنامية... ووراء هذه القضايا قصيرة الأجل يكمن اتجاه عام من الإنتاجية الضعيفة يشكل عقبة كؤود أمام تحقيق نمو قوي واحتوائي، وهو ما يرجع في الأساس إلى شيخوخة السكان، وتباطؤ التجارة، وضعف الاستثمار الخاص منذ الأزمة المالية لعام 2008».
وأكدت رئيس صندوق النقد أن «هذه القضايا ستكون في أذهان وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من 189 بلدا عضوا في الصندوق حين يلتقون في واشنطن الأسبوع المقبل بمناسبة اجتماعات الربيع». وأضافت أن القادة الماليين حول العالم «سيقومون بتقييم حالة الاقتصاد العالمي... وكما جرت العادة، سنصدر تقرير (آفاق الاقتصاد العالمي) قبل الاجتماع بأيام قلائل».
وقالت رئيسة صندوق النقد إن الاقتصادات المتقدمة كانت لتنمو بنحو 5 في المائة أكثر مما هي عليه الآن «إذا حافظت على مسار الإنتاجية المسجل قبل الأزمة المالية في 2008»، موضحة أن هذه الوتيرة تعادل إقامة دولة ذات إنتاج يفوق ما تقدمه ألمانيا للاقتصاد العالمي... ومع ذلك تابعت: «نرى أن الاقتصاد العالمي تمكن من المضي قدماً والاستفادة من خيارات السياسة السليمة في كثير من البلدان خلال السنوات الأخيرة».
وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى تباطؤ شديد في نمو الإنتاجية التي يمكن اعتبارها مقياساً للابتكار، حيث تباطأت في البلدان المتقدمة إلى 0.3 في المائة من المستوى المسجل قبل الأزمة عند واحد في المائة.
كما أوضحت لاغارد أن ارتفاع أسعار السلع الأولية أدى إلى انفراجة في كثير من البلدان منخفضة الدخل. غير أن هذه الاقتصادات لا تزال تواجه كثيرا من التحديات الصعبة، بما في ذلك الإيرادات التي يُتوقع أن تظل أدنى بكثير مما كانت عليه في سنوات الانتعاش. «وبالنظر إلى كل ذلك معا، نرى اقتصادا عالميا سريع الخطى - يستفيد من خيارات السياسة السليمة في كثير من البلدان خلال السنوات الأخيرة».
وشددت رئيسة صندوق النقد على أن كل هذه الأمور «تعني أنه لا يوجد مجال للتراخي بشأن السياسات الاقتصادية. إننا بحاجة للبناء على السياسات التي حققت للعالم الكثير. وفي الوقت نفسه، يجب أن نتجنب زلات السياسات - أو (جراح الذات) كما وصفتها في السابق».
موضحة أنه من أجل تحقيق تلك الأهداف، فإن السياسات الاقتصادية يجب أن تركز على ثلاثة أبعاد، هي: دعم النمو مع التركيز على الإنتاجية، وتوزيع الثمار بمزيد من العدالة، والتعاون عبر الحدود من خلال الإطار متعدد الأطراف الذي حقق للعالم الكثير.
كما أشارت لاغارد إلى أن الأرقام الدولية توضح أن متوسط الدين العام في الاقتصادات المتقدمة يبلغ اليوم مستوى مرتفعا بالنسبة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو 108 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. «ولذلك نحتاج إلى أطر قوية ترتكز عليها سياسات المالية العامة، وجهود أكبر لإعادة الدين العام إلى مستوى آمن، وخصوصا في المجتمعات الشائخة».
وعن دور صندوق النقد الدولي في معالجة قضايا الاقتصاد العالمي، قالت لاغارد إن «سبب وجود الصندوق، كما تعلمون، هو توثيق هذا التعاون الدولي. ونحن نواصل التركيز على تقديم دعم مخصص لكل من بلداننا الأعضاء من خلال المشورة بشأن السياسات والإقراض عند الحاجة وتنمية القدرات. هذا العمل هو (مصدر عيشنا) الذي نحرص باستمرار على تحسينه ليستمر تركيزه على البلدان الأعضاء وتلبيته لاحتياجاتهم».
كما أوضحت أنه «في الوقت نفسه، نواصل التأقلم مع المجالات الجديدة ذات الصلة بالاقتصاد الكلي لمساعدة بلداننا الأعضاء على معالجة عدم المساواة المفرط في توزيع الدخول وغيره من الآثار الجانبية الأخرى للتكنولوجيا والتجارة في القرن الحادي والعشرين. وسواء من خلال زيادة التحليل المالي - الكلي، أو التركيز على دور السياسات المعنية بالمساواة بين الجنسين لتحقيق النتائج الاقتصادية الكلية، أو تقوية شبكة الأمان المالي العالمية، فإن هدفنا هو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمساعدة على بناء اقتصاد عالمي أقوى يعمل لصالح الجميع».
وتزامن خطاب لاغارد مع صدور بيان لمنظمة التجارة العالمية أمس، قالت فيه إن التجارة العالمية تتجه لنمو نسبته 2.4 في المائة هذا العام؛ لكنها حذرت من أن هناك «عدم تيقن عميقا» بشأن التطورات الاقتصادية والسياسية ولا سيما في الولايات المتحدة.
وأضافت المنظمة أن نطاق النمو هذا العام جرى تعديله إلى ما بين 1.8 و3.6 في المائة، من 1.8 و3.1 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، مشيرة إلى مخاوف من «اختناق» أنشطة التجارة بسبب عدم وضوح السياسات الحكومية.
وقال روبرتو أزيفيدو، المدير العام للمنظمة: «ينبغي أن ننظر إلى التجارة كجزء من الحل للمصاعب الاقتصادية لا كجزء من المشكلة». موضحا أن «هناك تفاؤلا حذرا بوجه عام، لكن نمو التجارة يظل هشا، وهناك مخاطر تراجع كبيرة. جانب كبير من عدم التيقن سياسي»، وشدد على أن على العالم «الاستمرار في مقاومة إقامة حواجز جديدة أمام التجارة»، بحسب «رويترز».
وعدلت منظمة التجارة تقديراتها الأولية مرارا على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة بسبب توقعات التعافي الاقتصادي التي ثبت أنها كانت مغرقة في التفاؤل. ونمت التجارة العالمية بمعدل «بطيء معتاد» بلغ 1.3 في المائة في 2016. وهي أقل وتيرة منذ الأزمة المالية، لتعجز حتى عن مضاهاة التوقعات المعدلة لمنظمة التجارة الصادرة في سبتمبر الماضي، وكانت لنمو قدره 1.7 في المائة.
وقال أزيفيدو إن «الأداء الضعيف على مدى العام الماضي يرجع بدرجة كبيرة إلى التباطؤ الكبير في الأسواق الناشئة، حيث حل الركود بالواردات في العام الماضي ولم تسجل أحجامها نموا يذكر».
ومن المتوقع في 2018 نمو التجارة العالمية بين 2.1 و4 في المائة وفقا لأحدث تحليلات منظمة التجارة العالمية.
وفي سياق مواز، كانت لاغارد نشرت قبل يومين، تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ذكرت فيها أن التجارة تعد المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي، إلا أنها تحتاج إلى سياسات محددة للتخفيف من آثارها السلبية. وأضافت في تغريدة أخرى أنه من الممكن تحقيق تجارة أكثر شمولا من خلال هذه السياسات التي تركز على أسواق العمل النشطة، وعلى تعليم أفضل يستمر مدى الحياة. داعية إلى تعزيز التجارة لرفع الإنتاجية والمعايير المعيشية للأفراد كافة.
الاقتصاد العالمي يكتسب زخماً بعد 6 سنوات محبطة... لكن المخاطر مستمرة
لاغارد: الدول الناشئة والنامية ستساهم بنحو75 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2017
الاقتصاد العالمي يكتسب زخماً بعد 6 سنوات محبطة... لكن المخاطر مستمرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة