السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

بعد تفجير محطة مترو سان بطرسبرغ

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة
TT

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

لم يكن التفجير الذي وقع في مترو (قطار الأنفاق) بمدينة بطرسبرغ، ثاني أهم وأكبر المدن الروسية، مجرد عمل إرهابي انتحاري أودى بحياة أبرياء. ذلك أنه، فضلا عن نتائجه المأساوية إنسانياً، شكل صدمة نوعاً ما لمؤسسات الدولة الروسية المعنية بمكافحة الإرهاب، ناهيك بالصدمة التي خلفها في أوساط المجتمع الروسي. التفجير – كما هو معلوم – وقع في واحدة من أكثر المنشآت حساسية هي شبكة النقل عبر المترو، التي تشكل فضاء محصوراً نوعاً ما، يحتشد فيه دوماً أعداد كبيرة من الناس وبكثافة عالية في المكان، ما يعني أن أي تفجير من الممكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية.
حتى الآن لم يتضح للسلطات الأمنية الروسية التي تحقق في تفجير مترو (قطار أنفاق) مدينة بطرسبرغ قبل بضعة أيام كيف تمكن المشتبه به من الوصول ومعه حقائب فيها عبوات ناسفة إلى داخل شبكة المترو. لكن الأمر الأكيد أن أجهزة الأمن الروسية ستعيد صياغة منظومة الأمن على المواصلات، آخذة بالحسبان دروس مأساة مترو بطرسبرغ.
من جانب آخر يضع التفجير في المترو عمليات التكامل الاقتصادي بين روسيا وحلفائها في آسيا الوسطى أمام امتحان معقد. فمنفذ التفجير واحد من أبناء آسيا الوسطى كان قد انتقل للعيش في روسيا، لأسباب اقتصادية على الأرجح. ومن ثم فإن منع تكرار مثل تلك الأعمال، من دون أن يترك ذلك أثراً سلبياً على العمالة الوافدة من آسيا الوسطى إلى السوق الروسية، يتطلب تدابير عالية الدقة وتعاوناً وثيقاً بين مؤسسات الأمن في الفضاء السوفياتي السابق.

يوم الحادث
في الثالث من أبريل (نيسان) بدأ كثيرون في مدينة بطرسبرغ، يومهم كما أي يوم طبيعي، ولم يكن هناك ما ينذر بمأساة. ولكن في تمام الساعة 14:40، ظهيرة ذلك اليوم، انفجرت عبوة ناسفة في عربة من عربات مترو المدينة بينما كان يسير بسرعة، كما جرت العادة، متجهاً من محطة تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت (المعهد التقني) إلى محطة «سينايا بلوشاد». وخلال الساعات الأولى، كانت الأنباء متضاربة حول ما جرى وأعداد الضحايا، فبداية أعلنت مصادر أمنية روسية عن تفجير أودى بحياة عشرة مواطنين. وبحلول مساء ذلك اليوم أكدت وزارة الصحة الروسية سقوط 14 قتيلا ونحو 50 جريحاً نتيجة التفجير.
أيضاً، في الساعات الأولى قال الأمن الروسي إنه يدرس كل الاحتمالات الممكنة لما جرى، بما في ذلك احتمال «عمل إرهابي». واللافت أن هذا كله جرى في بطرسبرغ، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ابن بطرسبرغ - موجوداً في المدينة، ما يعني أن الإجراءات الأمنية، كما هو مفترض، يجب أن تكون «فوق مشددة» في المدينة بشكل عام.
وبعد ساعات على التفجير في المترو، أقرت السلطات أن ما جرى عمل إرهابي، وأشارت إلى مشتبه به بين الضحايا، ما يعني أنه عمل انتحاري. وفي الوقت ذاته أعلنت الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب عن العثور على عبوة ناسفة يدوية الصنع في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وقال أندريه برجيزدومسكي، مدير المكتب الصحافي الهيئة في حديث لقناة «روسيا - 24»، إن الأمن عثر في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» في بطرسبرغ، على عبوة ناسفة يدوية الصنع وقام بتعطيلها.
وبينما كانت لجان التحقيق تواصل عملها للكشف عن ملابسات ما جرى أعلنت سلطات مدينة بطرسبرغ الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا تفجير المترو. وقالت محافظة المدينة في بيان على «تويتر»: «بموجب أوامر محافظ بطرسبرغ غيورغي بولتافتشينكو، يُعلن الحداد في المدينة ثلاثة أيام». ونقلت وكالة «تاس» عن اللجنة تأكيدها أن «الاستخبارات والمؤسسات الأمنية تواصل عملياتياً إجراءاتها الرامية إلى الكشف عن أي تهديد إرهابي وإحباطه».

هوية الجاني
وفي اليوم التالي أعلنت لجنة التحقيق الفيدرالية الروسية أنها تمكنت من تحديد هوية الشخص الذي يعتقد أنه نفذ التفجير في مترو سان بطرسبرغ، إذ قالت سفيتلانا بيترينكو، المتحدثة الرسمية باسم اللجنة إن الشخص الذي يتوقع أنه نفد التفجير اسمه أكبرجون جليلوف، وأنه من مواليد مقاطعة أوش في جمهورية قيرغيزيا (قيرغيزستان) بآسيا الوسطى عام 1995. وتابعت المتحدثة القول إن المحققين عثروا على أشلائه في العربة الثالثة من القطار. ويرجح المحققون أن جليلوف حمل العبوة الناسفة التي فجرها داخل حقيبة، كان يضعها على ظهره لحظة الانفجار.
كذلك أشارت التحقيقات إلى أن جليلوف نفسه هو من وضع عبوة ناسفة في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وحسب كلام بيترينكو، فإن إن تحاليل الحمض النووي وتسجيلات كاميرات المراقبة تشير إلى أن الشخص الذي فجر نفسه في عربة المترو أثناء توجهها من محطة «تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت» إلى محطة «سينايا بلوشاد» هو ذاته الذي وضع في محطة «بلوشاد فوستانيا»، حقيبة فيها عبوة ناسفة معدة للتفجير.
ومن ناحية أخرى، أكد مصدر في الاستخبارات القيرغيزية إن المشتبه به في التفجير هو أكبرجون جليلوف من مواليد مقاطعة أوش. وأوضحت السلطات القيرغيزية إن جليلوف انتقل مع أسرته للعيش في بطرسبرغ، وحصل على الجنسية الروسية.

اتجاهات التحقيق
بعد تحديد كل تلك المعطيات اتجه مسار التحقيق نحو تحديد ما إذا كان جليلوف قد نفذ العملية بمفرده، أم أنه فعل ذلك ضمن ارتباطات مع تنظيمات إرهابية ما. لذلك دوهمت شقة كان استأجرها جيلوف في المدينة، وأخذ الأمن منها 9 بكرات شريط لاصق ومواد أخرى تفيد في التحقيق. كذلك قام بدراسة تحركاته يومها وأظهرت لقطات سجلتها كاميرات المراقبة قرب المبنى نفسه جليلوف، وهو يغادر المنزل حاملاً حقيبة وحقيبة ظهر، يُتوقع أن الأولى كانت فيها العبوة التي وضعها في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» والثانية، حقيبة الظهر، كانت فيها العبوة التي فجرها في عربة المترو.
وفي السياق ذاته أعلن الأمن الروسي عن توقيف ثلاثة أشخاص، يُعتقد أنهم شركاء لجليلوف. وذكرت وكالة «إنترفاكس» للأنباء نقلاً عن مصدر أمني أن «ثلاثة أشخاص تم اعتقالهم في مبنى يطل على شارع توفاريشسكي في بطرسبرغ، ويحقق الأمن حالياً في احتمال صلتهم بالانتحاري جليلوف». ووفقاً لمصادر الأمن القيرغيزي فإن أكبرجون جليلوف، من شعب الأوزبك لكنه مولود في منطقة أوش القيرغيزية. وتضيف أنه ربما قام بتنفيذ التفجير الانتحاري بعدما وقع تحت تأثير جماعة «التوحيد والجهاد» التي تقاتل راهناً - حسب المصادر – في سوريا. وتقول الاستخبارات القيرغيزية أيضاً إن مئات الأوزبك - وهو الشعب التركي المسلم الأكبر تعداداً في جمهوريات آسيا الوسطى - بمن فيهم شبان من الأوزبك من أبناء منطقة أوش القيرغيزية يقاتلون اليوم في صفوف تلك الجماعة المتطرفة.

الصلة مع سوريا
والحقيقة أنه حاول البعض ربط التفجير في المترو بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض بغضب شديد هذه الأحاديث. وللعلم، كان تنظيم داعش الإرهابي قد دعا إلى ضرب روسيا بعد تدخلها المباشر بنهاية سبتمبر (أيلول) عام 2015 في سوريا لدعم قوات النظام السوري. ومنذ ذلك الحين وقعت هجمات عدة في روسيا، لكنها كانت بصورة رئيسية في جمهوريات القوقاز. وتعلن قوات الأمن الروسية بصورة شبه يومية عن عمليات في تلك المنطقة، تقوم خلالها إما بقتل أو بإلقاء القبض على إرهابيين، بينما تعلن اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب عن توقيف أشخاص ينشطون بتجنيد الشباب في الجماعات الإرهابية، بما في ذلك أعلنت خلال الأشهر الماضية عن عمليات توقيف مماثلة لمواطنين من جمهوريات آسيا الوسطى، خلال عمليات في العاصمة موسكو وريفها.

روسيا... مهددة
ويقول مراقبون إن روسيا كانت مهددة بوقوع أعمال إرهابية كثيرة وخطيرة، لولا جهود السلطات الأمنية في التصدي مبكراً لكل أشكال التطرف، وملاحقة أي شخص يشتبه بميوله الإرهابي أو علاقته بتنظيمات إرهابية.
ومن أهم العمليات الأمنية التي نفذتها هيئة الأمن الفيدرالية وقوات الداخلية والحرس الوطني الروسي، اعتقال أعضاء خلية سرية تابعة لتنظيم داعش في جمهورية داغستان (القوقازية ذاتية الحكم داخل روسيا الاتحادية) في الخامس من مارس (آذار) الماضي. وقالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في بيان رسمي إن عناصر هيئة الأمن الفيدرالي (كي جي بي سابقاً) ومعهم عناصر وزارة الداخلية الروسية تمكنوا من اعتقال أعضاء الخلية، وإنهم «مجموعة من أربعة أشخاص، من سكان داغستان، كانت لديهم نيات بارتكاب جرائم بحق ممثلي مؤسسات السلطة وعناصر المؤسسات الأمنية». وحسب المعطيات المتوفرة لدى اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فإن الأشخاص الأربعة أعضاء فيما يُطلَق عليه «خلية نائمة» مرتبطة بتنظيم داعش، وشاركوا جميعهم في هجمات مسلحة على السكان المحليين.
فضلاً عن ذلك أسهمت العمليات الأمنية في مختلف مناطق روسيا بإحباط عمليات إرهابية جرى التحضير لتنفيذها في العاصمة موسكو، وأيضاً في مدينة بطرسبرغ وجمهورية إنغوشيا (الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز)، فضلاً عن عمل إرهابي بالقرب من السفارة الفرنسية في موسكو. وحسب معطيات الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب، أمكن عام 2016 القضاء على 140 مقاتلا إرهابياً، و24 عصابة مسلحة، وتوقيف أكثر من 900 إرهابي ورجل عصابات، ومتواطئين معهم. كذلك نجحت الأجهزة الأمنية بضبط ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ودمرت 50 ورشة ومختبراً لصناعة الأسلحة، وعطلت 199 عبوة ناسفة يدوية الصنع. هذا فضلا عن القضاء في مدينة بطرسبرغ، نفسها، على ثلاثة من قادة المجموعات الإرهابية النشطة في جمهورية قبارديا (أو القبرطاي والبلكار، الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز).
وفي شهر مارس أيضاً ألقت قوات الأمن في روسيا القبض على إرهابي من «داعش»، قالت إنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية خلال الاحتفالات في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة «يوم المرأة» (يوم 8 مارس). ونقلت صحيفة «إزفستيا» عن مصدر أمني روسي قوله إن عناصر الأمن في واحد من مطارات موسكو ألقوا القبض على مواطن طاجيكي اسمه عظة الله (بالغ من العمر 23 سنة) كان قد وصل في مطلع مارس آتياً من إسطنبول، وخلال التحقيق حطم عظة الله هاتفه الجوال، وحاول بعد ذلك الانتحار لتفادي ترحيله إلى طاجيكستان عندما أخذ مقصاً وغرسه في رقبته، إلا أن عناصر الأمن تمكنوا من استعادة المقص، وبادروا لنقله إلى المشفى. وبعد ذلك أقر المواطن الطاجيكي الآتي من إسطنبول (وفق التقارير الأمنية) أنه أتى إلى موسكو لتنفيذ عمل انتحاري خلال الاحتفالات بـ«يوم المرأة» في موسكو. واتضح أنه كان قد شارك قبل ذلك في القتال ضمن صفوف «داعش» في سوريا.
وذكر المصدر الأمني للصحيفة الروسية أن فرق التحقيق تواصل عملها حالياً للكشف عن الأشخاص الذين كانوا سيقدمون المساعدة للانتحاري الطاجيكي بعد وصوله إلى موسكو، وتحديداً تزويده بالمواد المتفجرة كي ينفذ عمليته. وبعد الانتهاء من التحقيقات قامت السلطات الروسية بتسليم عظة الله لقوات الأمن في طاجيكستان.

هاجس آسيا الوسطى
أيضاً، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016 أعلن الأمن الروسي عن إلقاء القبض على أربعة إرهابيين أعضاء في مجموعة تخريبية، في مدينة موسكو وريفها، تضم مواطنين من جمهوريتي طاجيكستان ومولدوفا الأعضاء في «رابطة الدول المستقلة» (للجمهوريات السوفياتية السابقة). ووفق هيئة الأمن الفيدرالي أن المجموعة كانت تنوي استخدام عبوات ناسفة يدوية الصنع بقدرة تفجيرية عالية جداً في هجمات إرهابية خطط أفرادها لها. وزعمت وكالة «إنترفاكس» - نقلاً عن الأمن الروسي - إن الموقوفين كانوا يعدون العدة لتنفيذ عمليات إرهابية مدوية في العاصمة الروسية بتعليمات مباشرة من مواطن موجود على الأراضي التركية ويمثل تنظيم داعش. وسبق ذلك عمليات توقيف مماثلة جرت في موسكو لمجموعات اتهمتها السلطات بالتعاون مع «داعش»، غالبية أعضائها من أبناء جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً.
هذا، وعلى الرغم من أن المجتمع الروسي أظهر تماسكاً بعد التفجير في مترو بطرسبرغ، ولم تظهر أي علامات خلل في نظرة المواطنين الروس إلى آلاف الشبان من آسيا الوسطى الذين يعملون في المدن الروسية، غير أن تكرار عمليات كهذه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة في الداخل الروسية نحو أولئك الشبان. هذا الأمر يمكن أن يضع السلطات الروسية أمام تحديات جدية، وقد تضطر من أجل تفادي ظهور أزمة في العلاقة نحو المواطنين من آسيا الوسطى إلى تعاون وثيق مع الجهات الأمنية في جمهوريات آسيا الوسطى، فضلاً عن إطلاق عمل «تربوي اجتماعي» لا بد منه في الداخل الروسي. وتجدر الإشارة، إلى أنه بعد كل عمل إرهابي في روسيا أو خارجها، يحرص المسؤولون الروس على التأكيد بأنه لا هوية وطنية أو دينية للإرهاب.

هجمات إرهابية... بالجملة
> التفجير الانتحاري في مترو بطرسبرغ الأول من نوعه خلال العام الحالي الذي يقع في مدينة وسط روسيا، أو بصورة أدق في مدينة بعيدة عن منطقة القوقاز. ولكن روسيا شهدت هجمات إرهابية كثيرة، بعضها متصل بالحرب في الشيشان والبعض الآخر متصل بالتطورات الدولية الراهنة، لا سيما ظهور «داعش» الإرهابي. وكان «داعش» قد تبنى هجوماً شنته مجموعة من المسلحين يوم 25 مارس على قاعدة للحرس الوطني الروسي في الشيشان، وأودى الهجوم إلى مقتل ستة عسكريين روس.
أما العمليات الإرهابية المرتبطة بالحرب في الشيشان، فهي كثيرة. منها على سبيل المثال:
- سيطرة مسلحين شيشانيين على مشفى بوديونسك عام 1995، وكان في المشفى حينها نحو 1600 مريض. وانتهت العملية بانسحاب المسلحين بعد مواجهات مع الأمن وأخذوا معهم رهائن على متن الحافلات، أطلقوا سراحهم لاحقاً. وسقط حينها قرابة 130 قتيلاً.
- وقع تفجير في مبنى سكني في مدينة بوينسك بجمهورية داغستان عام 1999، أدى إلى سقوط 64 قتيلا وإصابة 150 بجروح.
- في العام ذاته فجر الإرهابيون في موسكو مبنيين سكنيين ما أدى إلى سقوط 224 قتيلاً.
- في عام 2002 اقتحمت مجموعة من الانفصاليين الشيشانيين مبنى مسرح «نورد إست» في موسكو واحتجزوا كل الموجودين داخله رهائن، وطالبوا السلطات الروسية بسحب قواتها من الشيشان. وسقط خلال تلك العملية أكثر من 120 من الرهائن، فضلاً عن مقتل المهاجمين كلهم.
- في الأول من سبتمبر عام 2004 احتجز إرهابيون 1200 شخصا في مدرسة بيسلان (جمهورية أوسيتيا الشمالية الذاتية الحكم التابعة لروسيا). وسقط نتيجة الهجوم 334 قتيلاً بينهم 186 طفلاً.
- في خريف عام 2011 انفجرت عبوة ناسفة في مطار دوموديدوفا في موسكو.
- في أغسطس (آب) 2007 وقع تفجير استهدف تفجير قطار «نيفسكي إكسبرس». وأدى إلى وقوع إصابات دون ضحايا، بينما خرج القطار عن السكة وانقلبت بعض عرباته.
- في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009 انفجرت عبوة ناسفة على السكة الحديدية أثناء عبور قطار «نيفسكي إكسبرس» للنقل السريع بين موسكو وبطرسبرغ، وأدى التفجير إلى مقتل 27 مدنياً وإصابة 150 بجروح.
كذلك تعرضت روسيا عام 2013 لهجمات إرهابية انتحارية مزدوجة أسفرت عن مقتل 34 شخصاً وأثارت حالة من القلق حيال أمن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي. حينها أدى انفجار قنبلة في محطة السكك الحديد الرئيسية في مدينة فولغوغراد الجنوبية إلى مقتل 18 شخصاً بينما استهدف اعتداء آخر حافلة ركاب، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً. كما سبق أن وقعت تفجيرات إرهابية في محطات المترو في مدن روسية. ففي فبراير (شباط) عام 2001 انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة في محطة مترو «بيلاروسكايا»، مما أدى إلى إصابة 20 شخصا بينهم أطفال بجروح. وفي يوم 6 فبراير عام 2004 وقع تفجير إرهابي في عربة المترو بين محطتي «أفتوزافودسكا» و«بافيليتسكايا» على الخط الأخضر من شبكة مترو موسكو. وسقط نتيجة ذلك التفجير الإرهابي 41 قتيلاً. وفي 31 أغسطس عام 2004 قامت انتحارية بتفجير نفسها في محطة مترو ريجسكايا في موسكو وقتل نتيجة ذلك 9 أشخاص، وأصيب 50 بجروح، وأعلن شامل باسايف مسؤوليته عن تلك العملية. وفي 29 مارس عام 2010، قامت انتحاريات بتفجير في محطتي مترو «بارك كولتوري» و«لوبيانكا» القريبة من المقر الرئيسي لهيئة الأمن الفيدرالي. ووقع التفجير في ساعات ذروة الازدحام في المترو صباحا. وسقط نتيجة التفجيرين 40 قتيلاً.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.