حالة طوارئ ومجلس دفاع يكملان «تقليعات» الحوثيين السياسية

حالة طوارئ ومجلس دفاع يكملان «تقليعات» الحوثيين السياسية
TT

حالة طوارئ ومجلس دفاع يكملان «تقليعات» الحوثيين السياسية

حالة طوارئ ومجلس دفاع يكملان «تقليعات» الحوثيين السياسية

لم يجد محللون ومهتمون بالشأن اليمني، أبلغ من لفظة «تقليعة سياسية»، لوصف سلسلة إجراءات اتخذها انقلابيو اليمن منذ استيلائهم بالقوة على السلطة في البلاد، وحتى اليومين الماضيين، إذ شكل الحوثيون مجلسا أعلى في صنعاء، ليشرف على ما أطلقوا عليه «حالة الطوارئ»، التي دعا إليها زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي.
المراقبون وصفوا أيضا خطوات الانقلابيين منذ أكثر من عامين، بأنها «مرتبكة»، فبعد الانقلاب شكلوا ما سميت «اللجنة الثورية العليا»، وما لبثوا حتى شكلوا ما سمي «المجلس السياسي الأعلى»، وهو صيغة تحالف بين الحوثي وصالح. وفي ضوء هذه الصيغة أعلنوا عن سعيهم لتشكيل «حكومة إنقاذ»، كما وصفوها، ولم تشكل تلك الحكومة إلا بعد شهرين من نشر الإعلان، ليكملوا عقد تقليعاتهم بمجلس وحالة طوارئ.
وقد أثار سعي الحوثي إلى إعلان حالة الطوارئ استغراب المراقبين، فمنذ انقلاب ميليشيات الحوثي وصالح على الشرعية واحتلالهم للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، وما تلا ذلك من أشكال الانقلاب بالسيطرة على مؤسسات الدولة واعتقال المعارضين ووضع الرئيس وحكومته وكبار رجال الدولة قيد الإقامة الجبرية، ومن ثم الإعلان الدستوري المزعوم، الذي ولد ميتا؛ لم يعمد الانقلابيون إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، حتى بعد انطلاق «عاصفة الحزم»، إبان اجتياح الميليشيات للمحافظات الجنوبية والشرقية والغربية من البلاد.
ويعتقد مسؤولون يمنيون أن الميليشيات الانقلابية تعاني من حالة تشبه التفكك الداخلي لجبهتها، إثر الخسائر الميدانية التي منيت بها الميليشيات في كثير من جبهات القتال، التي كانت آخرها معركة «الرمح الذهبي» المتواصلة في الساحل الغربي للبلاد.
أيمن محمد ناصر وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أرجع سعي الانقلابيين إلى تشكيل الكيان الجديد إلى عدة عوامل: الأول خارجي، وهو الفشل الذريع الذي منيت به سياستهم الخارجية وانكشاف حقيقة أمرهم أمام بعض الدول الذي كانت تنخدع بمناوراتهم، إضافة إلى صرامة الموقف الدولي مؤخرا وتجديده التأكيد على الحل السياسي المرتكز على القرارات الدولية وأهمها 2216، والمرجعيات الثلاث وهو ما جعلهم يتخبطون داخليا في البحث عن تجديد تحالفات طرفي الانقلاب التي تصدعت مؤخرا، بحسب كثير من الشواهد ليس المجال هنا لحصرها، ثم يردف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأنه «على الرغم من محاولة الظهور بمظهر الطرف المتماسك، فإنه بات واضحا للعيان غياب القيادة السياسية الموحدة التي إن كانت موجودة لظهرت في وحدة الأداة السياسية الخارجية».
ويُعتقد أن اقتراح الحوثي أو توجيهه بإعلان حالة الطوارئ وما أعقب ذلك من حديث عن تشكيل مجلس للدفاع، جاء متزامنا مع بدء قوات الجيش اليمني الوطني وقوات التحالف طرق أبواب وسواحل مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، ويرى ناصر إعلان تشكيل مجلس الدفاع أنه «يعني لنا أنه لم يتبق لديهم من أوراق سياسية للمناورة ولا رهان خارجي، إلى جانب الانكسارات العسكرية التي منيوا بها، في الأيام الأخيرة، كل ذلك كبّلهم في زاوية ضيقة دفعتهم للإعلان عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني كرسالة للمجتمع الدولي بأنهم سيقاتلون حتى النهاية، بغض النظر عن حجم الخسائر في الأرواح والمنشآت، وهو ما تحرص عليه الحكومة الشرعية ودول التحالف، إذ يتوخون من ذلك الضغط على الحكومة الشرعية ودول التحالف للتراجع عن تحرير الحديدة وإيقاف التقدم تجاه العاصمة صنعاء».
ويجزم ناصر بأن «هذا المجلس لن يغير من وقائع انتصارات الجيش الوطني، إضافة إلى أن القبائل وكل أبناء الشعب اليمني صاروا أكثر وعيا ولم تعد تنطلي عليهم الخطابات التي جرتهم للتعبئة في حرب لا مصلحة لهم فيها، حرب تخدم الاستبداد والتسلط وتمنع بناء دولة يمنية حديثة طالما كانت محل أحلام وأهداف كل الوطنيين منذ أكثر من 60 عاما».
وفي المحصلة، يرى المراقبون أن إعلان حالة الطوارئ وتشكيل مجلس الدفاع الوطني (وهو هيئة كانت سائدة إبان حكم المخلوع صالح وظلت إلى فترة بعد رحيله عن السلطة)، مسألتان مترابطتان، وهنا يعتقد المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن حالة الطوارئ «باتت تعبر عن أزمة حقيقية داخل تحالف الانقلاب وسلطة الأمر الواقع التي أسسها في صنعاء، خصوصا أن هذا التحالف يعيش مواجهة معلنة، بين جناحيه، المؤتمر الشعبي العام والميلشيات المسلحة المدعومة من إيران»، ويقول التميمي، لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن اعتبار التوجه نحو إعلان الطوارئ، تكريساً لسلطة المرجع الأعلى للانقلاب التي يحاول عبد الملك الحوثي فرضها على الجميع، ويستهدف بها المخلوع وأنصاره الذين يمرون بحالة غير مسبوقة من الشعور بالخذلان»، ثم يؤكد أن «الانقلابيين لم يكونوا في وضعية مريحة حتى يعلنوا حالة الطوارئ، لذا فإن ما يجري يندرج في إطار تصفية الحسابات مع العمق الداخلي للانقلاب، وليس مع أي طرف آخر».
ويأتي الإعلان عن هذا المجلس، في وقت اشتدت فيه الخلافات بين طرفي الانقلاب في صنعاء (الحوثي - صالح)، وظهرت تلك الخلافات إلى العلن، إذ لم تعد خافية، وأبرز تجلياتها الصراع الدائر بين الطرفين على مؤسسات الدولة المغتصبة من جانبهما.
وحتى اللحظة، يبدو فريق الحوثي هو المتقدم في مضمار السباق للسيطرة الكاملة وإقصاء الطرف الآخر، عبر استخدامه العنف والتهديد والوعيد والإهانات للقيادات المحسوبة على المخلوع صالح، الذي انبرت، مؤخرا، كثير من الأصوات من داخل حزبه، تندد بتصرفات الحوثيين وتلعن اللحظة التي تحالف معهم صالح فيها وسهل لهم الدخول إلى صنعاء واحتلال المحافظات.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.