بعد أن دانت لمقاتلي تنظيم داعش السيطرة على الموصل قبل أكثر من عامين، ودمروا قطعا من آثار بلاد الرافدين لا تقدر بمال في متحف المدينة، توصلوا إلى استخدام عملي لمبنى المتحف، إذ حولوه إلى «ديوان الزكاة».
كان العالم الخارجي قد علم بمصير المتحف في البداية من مقطع مصور نشره التنظيم بعد ذلك بشهور ظهر فيه مسلحوه وهم يحطمون آثارا آشورية وأكادية وبابلية وفارسية ورومانية كان كثير منها يرجع إلى ألفي عام أو أكثر. وكان مرادهم أن يدمروا أي مظهر من مظاهر التاريخ لا يتفق مع تفسيرهم المتشدد.
واستعادت القوات العراقية المتحف من المتشددين الذين تركوا مجموعة معروضاته الشهيرة من الآثار في حالة يرثى لها، الشهر الماضي، فلم يتبق تقريبا سوى بقايا تمثال آشوري لثور مجنح وبعض التوابيت الحجرية المنحوتة وكتلتين سوداوين عليهما كتابات بالخط الإسلامي. وتتناثر على الأرض قطع أصغر من آثار أخرى.
وبسبب استمرار المعارك بين القوات العراقية و«داعش» في الموصل القديمة على بعض بضع مئات الأمتار، لا يزال المتحف المليء بالركام بعيدا عن متناول خبراء الآثار لتقييم ما لحق به من أضرار.
وبخلاف الجنود المرابطين لحماية المتحف، تقف قطة ضالة وهي تقضم بقايا مقننات الجنود الملقاة من الطعام، فتبدو وكأنها الساكن الوحيد في المبنى. وترددت عن بعد أصداء نيران مدفع رشاش وقذائف مورتر بينما كان صحافيون في طريقهم لدخول المتحف.
وفي حجرة بالدور السفلي تحت قاعات العرض الرئيسية، تكومت مجموعة من المظاريف التي كانت تستخدم في إصدار الأوامر لدفع الزكاة والتي كانت من مصادر التمويل الرئيسية عند التنظيم، بحسب تقرير لوكالة «رويترز». وبجوار «إيصالات الزكاة» المطبوع عليها علم التنظيم باللونين الأبيض والأسود، كانت توجد مطبوعات خضراء عليها آيات قرآنية تخص الإدارة ذاتها في محافظة نينوى التي تعتبر مدينة الموصل عاصمتها.
ثارت ضجة عالمية بسبب المقطع الذي نشر عام 2015، وظهر فيه مسلحو «داعش» وهم يلوحون بالمطارق لتحطيم التماثيل المعروضة في المتحف التي اعتبروها أصناماً. كما نهبوا القصر القديم في مدينة نمرود الآشورية جنوب الموصل. ونشر التنظيم مقطعا آخر ظهر فيه مسلحون يستخدمون جرافات وأجهزة الحفر التي تعمل بالكهرباء لتدمير جداريات وتماثيل في تلك المدينة أيضاً.
وكان متحف الموصل الذي بني في عام 1952 يضم أكثر من ألفي قطعة أثرية. غير أن روايات المسؤولين تضاربت في شأن عدد القطع المعروضة فيه عندما اجتاح مقاتلو التنظيم المدينة. فقد شهد المتحف بعض أعمال النهب بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.
وقال المحاضر بجامعة الموصل، نبيل نور الدين، الذي هرب بعد مجيء «داعش» ويعيش الآن في تركيا: «الدمار كارثة. هذه قطع لا تقدر بثمن». وأضاف أن مدى الدمار الكامل الذي حاق بالآثار لن يتضح إلا عندما يتمكن الخبراء من التحقق من البقايا المتبقية ومقارنتها بنسخ من القطع الأصلية مخزنة في متحف بغداد.
وأشار ضباط في الشرطة الاتحادية إلى أن المتشددين فتشوا المبنى تفتيشا منهجياً، بحثا عن أي أشياء ذات قيمة، بل وحفروا في أرضيته بحثا عن أقبية ربما تضم بداخلها قطعا أثرية يمكن بيعها.
وبخلاف الزكاة، كانت مبيعات النفط وتهريب الآثار والفديات التي يتم تحصيلها من عمليات الخطف من مصادر الدخل لدى التنظيم. وفي يوليو (تموز) 2015، سلمت السلطات الأميركية العراق مجموعة من الآثار التي قالت إنها ضبطتها من «داعش» في سوريا.
وأظهرت أعمال حفر تحت مسجد قديم في موقع آخر في الموصل تم الكشف عنها مؤخرا بعد تقهقر المتشددين، أنهم احتفظوا بالقطع الأثرية فيه لاحتمال تهريبها للخارج.
وفي المتحف ترك المتشددون خلفهم كثيرا من القطع التافهة التي كان يفترض أن تكون منفرة لا تتفق مع أفكارهم عن العقيدة الإسلامية مثل التماثيل الثمينة التي حطموها. وتبقت بعض البطاقات التي كتبت عليها مواصفات القطع الأثرية الرئيسية في المتحف باللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك بطاقات بريدية من متجر التذكارات تظهر فيها جمجمة أميرة وكتب متربة عن إسهامات العراق في التاريخ العربي.
وكانت هناك نشرة عن مهرجان دولي في 14 أبريل (نيسان) 1994، إبان حكم صدام حسين في فترة كان العراق معزولا فيها عن العالم الخارجي بموجب حظر كانت الأمم المتحدة تفرضه عليه.
«داعش» استخدم متحف الموصل «ديواناً للزكاة»
«داعش» استخدم متحف الموصل «ديواناً للزكاة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة