من وجهة نظر ضابط الشرطة العراقي جاسم وأشقائه، تمثل الحرب على تنظيم مسألة شخصية. فقد أسر المتطرفون والدهم، وهو من رجال الحشد الشعبي، وقطعوا رأسه عام 2014. وقبل ذلك فقدت الأسرة أحد أبنائها في قتال المتشددين.
قال جاسم (31 سنة) لوكالة «رويترز» على الخط الأمامي في الموصل خلال اشتباك القوات العراقية مع تنظيم داعش: «استطعنا أن نتعرف على جثة والدي من الوشم على ذراعه. لم نعثر على الرأس. وكانوا قد أحدثوا ثقوباً أيضاً في يده وقطعوا أصابعه».
بعد مقتل الأب انضم الشقيق الأصغر لجاسم إلى الجيش وانضم شقيق آخر إلى أحد الفصائل الشيعية المسلحة. وبوجود شقيق ثالث في جهاز مكافحة الإرهاب أصبح الأبناء الأربعة للأم التي ترملت بمقتل الأب مقاتلين في الحرب. يقول جاسم، طالباً عدم نشر اسمه الكامل لأنه يعمل في المخابرات: «أمي لم تكن سعيدة». ومع ذلك لبى أشقاؤه نداء السلاح. ويضيف: «قالوا إن العراق يتداعى وكانوا يريدون حمايته».
وتمثل هذه الأسرة، التي تتحدر من جنوب العراق بعيداً عن الموصل الواقعة قرب الحدود الشمالية، واحدة من الأسر الكثيرة التي رفع الأشقاء فيها السلاح في وجه «داعش»، إما بدافع الانتقام أو انطلاقاً من الإحساس بالواجب أو لمجرد الحصول على المرتب.
وقد اقتربت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة الآن من طرد التنظيم من معقله في الموصل التي سيطر عليها عام 2014 عندما اجتاح المتشددون مساحات كبيرة من العراق وسوريا وأعلنوا «خلافة». غير أن هذه الحرب دعمت إضفاء الطابع العسكري على المجتمع العراقي، فدفعت بالشبان إلى الانضمام للقوات المسلحة والفصائل الطائفية والعشائرية. وأدى ذلك إلى زيادة المخاوف من تفجر موجات جديدة من العنف ما إن يسقط التنظيم. وكان المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني أصدر فتوى عام 2014 دعا فيها كل القادرين على حمل السلاح من الرجال إلى محاربة «داعش».
وعلى جبهة أخرى في الموصل، قال حمزة كاظم من قوات مكافحة الإرهاب إنه كان قبل ظهور التنظيم الوحيد من بين أشقائه الخمسة الذين لبوا نداء السلاح. وأضاف: «انضم الآخرون كلهم بعد الفتوى». انضم الأشقاء إلى قوات الحشد الشعبي ويرابط اثنان منهم الآن غرب الموصل والآخران قرب الحدود السورية. وقبل الدعوة لرفع السلاح كان الأشقاء يعملون بالزراعة في منطقة الكوت الجنوبية على بعد أكثر من 500 كيلومتر من الموصل.
وبالإضافة إلى الشيعة القادمين من الجنوب يبدي الشبان من مناطق حول الموصل، حيث يمثل السنة أغلبية بين السكان، حرصاً على المشاركة في القتال. ويقول مسؤولون أمنيون وقادة فصائل إنهم يقبلون الآن بأعداد كبيرة على الانضمام إلى الفصائل العشائرية السنية تحت مظلة الحشد الشعبي. وقال مواطنون كثيرون في الأسابيع الأخيرة إنهم يريدون الانضمام أو إنهم يعرفون أقارب وأصدقاء يحاولون الانضمام لهذه الفصائل. وقال ضابط أمن في المنطقة طالباً عدم نشر اسمه، لأنه ليس مخولاً سلطة التحدث مع وسائل الإعلام: «رجال كثيرون يتطوعون في جماعات الحشد. إما لأنهم يريدون مكافحة الإرهاب أو للحصول على المرتبات. هذا أسهل من الانضمام للقوات المسلحة. كل ما عليك هو تسجيل اسمك». وأضاف أن عدد الساعين للانضمام قد يكون بالآلاف، بخلاف الآلاف الذين تقول قيادات المجتمع المحلي إنهم يشاركون بالفعل في الفصائل العشائرية السنية. وحسب الضابط، فإنه لا يمثل مشكلات أمنية لأن الحشد يعمل تحت إمرة الحكومة وله صلاحيات محدودة.
مع ذلك، يقول مسؤولون حكوميون محليون إن العدد المتزايد للمجندين في قوات الفصائل المسلحة وتشكيل فصائل جديدة أمر ينذر بالخطر، لأنه يفتح الباب أمام إمكانية نشوب اشتباكات بين الفصائل. وقال عبد الرحمن الوكاع، عضو المجلس المحلي لمحافظة نينوى التي تمثل الموصل عاصمتها، إن «جماعات الحشد تلك محسوبة على من يقودونها لا على الدولة». وأضاف: «ولذلك إذا أراد أحد قادة الحشد أن يفرض نفسه في منطقة معينة ولم يعجب ذلك شيخاً آخر أو عشيرة أخرى فقد يشن هجوماً. أعتقد أن هذه الجماعات بعد (داعش) لن تُكبح... فأجندتها حزبية وسياسية ودينية ولن تخدم نينوى أو العراق».
إلى ذلك، يرى رمزي مارديني، الباحث في مركز «أتلانتيك كاونسيل البحثي»، أن اللجوء للقوات المسلحة، وخصوصاً الفصائل، محتوم في جو تخشى فيه المجتمعات المحلية على أمنها وسلامتها. وأضاف: «الحرب لم تضف الطابع العسكري على المجتمع العراقي فحسب، بل يبدو أنه لا يوجد ضغط من القمة أو استعداد من القاعدة للتخلي عن السلاح وتسريح المسلحين وإعادة دمج الفصائل التي تشغل الآن ساحة التمرد المتشعبة السابقة».
ومع تغلغل قوات الحكومة العراقية في عمق مدينة الموصل أصبحت المناطق المحيطة بالمدينة على نحو متزايد تحت سيطرة الحشد الشعبي الذي يرفع أعلامه على الحواجز الأمنية وأقام مكاتب في المدن القريبة. ويقول مسؤولو الحشد إن الهدف من وجودهم هو ضمان عدم عودة تنظيم داعش وإن معرفتهم بالمنطقة تجعلهم أكثر فعالية من الشرطة الاتحادية.
وكتب شعار بالطلاء على مبنى يقع خارج الموصل يقول: «أمن العراق مسؤوليتنا». وأصبح هذا المبنى المكتب الجديد لإحدى جماعات الحشد الشعبي وكان يشغله من قبل مقاتل من تنظيم داعش وأسرته.
ولا يريد معظم العراقيين العاديين مثل أسرتي جاسم وكاظم أن يضطر أبناؤهم للمشاركة في القتال. غير أن الشبان لا يرون خياراً يذكر بعد ما واجهوا من معاناة على أيدي المتشددين، وكذلك لا يجدون سبلاً أخرى تذكر لكسب العيش.
وقال الشرطي السابق ياسين صالح (47 سنة) وهو يجلس على كرسيه المتحرك على جانب إحدى الطرق خارج الموصل الشهر الماضي بعد هروبه من العنف: «اثنان من أولادي، 20 و21 سنة، يريدان التطوع في الحشد. لكني بحاجة إليهما بجانبي لمساعدتي». وكان صالح قد فقد ساقيه في انفجار سيارة ملغومة زرعها مقاتلو تنظيم القاعدة عام 2008. وبعد ذلك بشهرين خطف المقاتلون ابنه الأكبر وقتلوه. وقال صالح: «ستظل الرغبة في الانتقام موجودة دائماً. فإذا قتل البعض والد أحد أو شقيقه فلن ينسوا الأمر. لكن لا يمكنني أن أفقد ابناً آخر».
تنامي الجماعات المسلحة في العراق مع انكماش «داعش»
الحرب بالنسبة للبعض «مسألة شخصية»... ومخاوف من «عسكرة» المجتمع

تنامي الجماعات المسلحة في العراق مع انكماش «داعش»

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة