الاقتصاد أداة روسيا لتعزيز تحالفاتها القديمة والجديدة

الاقتصاد أداة روسيا لتعزيز  تحالفاتها القديمة والجديدة
TT

الاقتصاد أداة روسيا لتعزيز تحالفاتها القديمة والجديدة

الاقتصاد أداة روسيا لتعزيز  تحالفاتها القديمة والجديدة

كان الاقتصاد عنواناً رئيسياً لنشاط كبار المسؤولين الروس على جبهة «السياسة الروسية في الفضاء السوفياتي السابق»، الرامي إلى تعزيز التحالفات القديمة في المحيط الجغرافي، وإطلاق وتعزيز تحالفات جديدة مع قادة صعدوا أخيراً إلى الحكم في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة.
ولم تعتمد موسكو على التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي لتثبيت نفوذها في ذلك الفضاء، بل فعلت هياكل اقتصادية إقليمية ما كانت لتستمر وتتمتع بنفوذ لولا المشاركة الروسية الكبيرة فيها، ومثال على ذلك «الاتحاد الاقتصادي الأورواسي».
ولعل اللقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يبقى الحدث الأهم في هذا السياق، لا سيما أنه شكل منعطفاً نحو استعادة الود من جديد بين البلدين، بعد عام ونيف من الخلافات التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، لدرجة دفعت الرئيس البيلاروسي للتحذير من أن تلك الخلافات الاقتصادية تهدد الاتحاد مع روسيا، قائلاً إن «الاتفاقية الاتحادية مع روسيا هشة». ويعود الخلاف بين الجانبين إلى مطلع عام 2016، حين جرت محادثات حول أسعار الغاز الروسي، حيث طالبت بيلاروسيا حينها بسعر 73 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز، عوضاً عن 132 دولاراً، وهو ما رفضه الجانب الروسي.
وقامت روسيا لاحقاً بتقليص صادراتها النفطية إلى بيلاروسيا، وردت مينسك بفرض رسوم على نقل النفط الروسي عبر أراضيها. وزادت الأمور تعقيداً حين اتهمت روسيا حليفتها بيلاروسيا بإدخال منتجات غذائية أوروبية تحظر موسكو دخولها إلى السوق الروسية. وبشكل عام، تحولت الخلافات بين الجانبين إلى ما يشبه «كرة ثلج» تتدحرج بسرعة، وتهدد بنسف العلاقات بين البلدين.
وعقب محادثات بينهما، في مدينة بطرسبرغ، يوم 3 أبريل (نيسان)، عقد الرئيسان بوتين ولوكاشينكو مؤتمراً أعلنا فيه عن التوصل إلى حل لكل الخلافات الاقتصادية بين البلدين. وقال ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، إن الجانبين أكدا سعيهما لتأسيس سوق موحدة للطاقة الكهربائية، والعمل لتوقيع اتفاقية عام 2024، حول سوق موحدة للغاز في إطار الاتحاد الاقتصادي الأورواسي. وهذه الاتفاقيات تعني أن أسعار مصادر الطاقة ستكون موحدة للمشاركين في السوق، مؤكداً أن بوتين ولوكاشينكو توصلا كذلك إلى حل للمسائل الخلافية في مجال النفط والغاز، حيث وافقت بيلاروسيا على تسديد ديون مستحقة لشركة «غاز بروم» تقدر بنحو 726 مليون دولار. ومن جانبها، قررت روسيا إعادة حجم صادرات النفط إلى بيلاروسيا إلى ما كانت عليه، أي 24 مليون طن سنوياً.
وبعد الدور الذي لعبه في إنقاذ علاقات عريقة بين الجارتين «الأختين قومياً»، روسيا وبيلاروسيا، يستعد الاقتصاد، كـ«أداة»، للعب دور في تعزيز العلاقات مع أوزبكستان، في عهد رئيسها الجديد شوكت ميرزييويف، الذي وصل أمس في أول زيارة له إلى روسيا.
وينتظر أن يجري ميرزييويف محادثات مع القيادة الروسية، يوقع الجانبان خلالها 55 اتفاقية، ستكون الحصة الأكبر منها لاتفاقيات التعاون الاقتصادي، وفق ما أكده أتشيليباي راماتوف، النائب الأول لرئيس الحكومة الأوزبكية، في تصريحات أمس، أشار فيها إلى أن قيمة العقود التي سيوقعها الرئيس الأوزبكي في موسكو تصل إلى 16 مليار دولار أميركي، بما في ذلك اتفاقية تعاون بين البلدين حول التنقيب في أوزبكستان عن الفانديوم والتيتانيوم، وإنشاء مصانع تعدين، واتفاقيات حول استثمارات روسية في الاقتصاد والصناعات الأوزبكية.
ويرى راماتوف أن تلك الاتفاقيات ستساهم في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بصورة ملموسة. ومن جانبه، قال مكسيم أوريشكين، وزير التنمية الاقتصادية الروسي، إن الاتفاقيات التي سيوقعها الجانبان ستساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وإلى جانب العلاقات الثنائية، تستفيد روسيا من مؤسسات تكاملية اقتصادية لتوسيع تعاونها الاقتصادي، ونفوذها في الجمهوريات السوفياتية السابقة. وتشكل جمهورية مولدوفا واحدة من الجمهوريات التي تحاول روسيا توسيع التعاون معها، لا سيما أن الرئيس المولدوفي إيغر دودون كان قد فاز بالرئاسة بناء على برنامجه، وما تضمنه من دعوات لتحسين العلاقات مع روسيا.
وفي خطوة تظهر عزمه على تنفيذ وعوده الانتخابية، وقع دودون، يوم أمس، مذكرة حول تعاون مولدوفا مع الاتحاد الاقتصادي الأورواسي، الكيان التكاملي الإقليمي الذي تشكل روسيا فيها حجر الأساس، ويضم معها كلاً من بيلاروسيا وقرغيزيا وكازاخستان. وتفتح هذه المذكرة الأبواب أمام تعاون أوسع بين الدول الأعضاء في الاتحاد وجمهورية مولدوفا، كما ستساهم في تعزيز روابط العلاقات الاقتصادية - التجارية بين روسيا ومولدوفا، نظراً للتسهيلات والامتيازات التي يمكن الحصول عليها من خلال التعاون في إطار الاتحاد الأورواسي.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».