تقدم نجم مانشستر سيتي الإنجليزي رحيم ستيرلينغ إلى غرفة مشرقة داخل أكاديمية النادي المترامية الأطراف وصافحني بأدب جم، قبل أن ينظر إلى الورقة الموضوعة على الطاولة التي تضم قائمة طويلة بالأسئلة المحتملة، قائلاً: «هل هذا حقاً 14 سؤالاً»، ثم انفجر في الضحك.
وحافظ ستيرلينغ على أسلوبه المعتاد وحديثه الصريح وتحدث عن وفاة والده في منطقة مافرلي الخطيرة بمدينة كينغستون الجامايكية، عندما كان لا يزال طفلا.
وفي الحقيقة، كانت الطريقة التي يتحدث بها ستيرلينغ عن نفسه وعن مسيرته في عالم كرة القدم وصورته أمام الجمهور تعكس شخصية لاعب ينضج بسرعة كبيرة للغاية، رغم أنه لا يزال في الثانية والعشرين من عمره. ورد اللاعب الشاب على الانتقادات التي وجهت إليه في مطلع العام، عندما زعمت إحدى الصحف في يناير (كانون الثاني) الماضي بأن ستيرلينغ تناول لفة سجق من مخبز غريغز الشعبي الشهير وهو يقود سيارة من طراز بنتلي يصل سعرها إلى 500 ألف جنيه إسترليني. ونفى ستيرلينغ ذلك ونشر تعليقا على موقع إنستغرام يسخر من تلك الرواية بسؤال بسيط: «إلى أين وصلت حياتي؟»، بالإضافة إلى ثلاثة رموز تعبيرية ضاحكة، مشيراً إلى أنه لم يكن يعرف سعر السيارة بنتلي من الأساس.
وقال ستيرلينغ: «أشاهد ما يحدث وأفكر: لماذا نشرت هذه القصة عني؟ لو كنت أقوم بأي شيء خاطئ فلن يكون هناك أي مشكلة فيما ينشر بشأن ذلك، مثل تلك الأوقات التي كنت أستنشق فيها بالونا يحتوي على غاز الضحك. أنا أوافق على المعاملة بهذا الشكل لو كنت شخصا سخيفا».
وأضاف: «في بعض الأوقات يكون تركيز الشخص منصبا بالكامل على التفكير في كرة القدم والبقاء في المنزل ومحاولة الابتعاد عن الجميع، لكن برغم كل ذلك تنشر الأقاويل بشأنك».
وفي الحقيقة، فإن ستيرلينغ محق تماماً فيما يقول، حيث تقبل الانتقادات التي كانت تطاله بسبب استنشاق غاز أكسيد النيتروز المعروف بغاز الضحك من بالون عندما كان يلعب في ليفربول، لكن عندما يتعلق الأمر بقصص مختلقة تماما مثل تناوله للسجق وهو يجلس في سيارة فارهة، فالأمر إذن مختلف تماما.
ووضح اللاعب الشاب السبب وراء تلك الانتقادات غير المنصفة قائلاً: «تعرفون عندما تشاهدون شخصا ما على شاشات التلفاز وتقولون - أنا لا أحب هذا الشخص - بعض الناس يؤخذ عنهم هذا الانطباع بمجرد النظر لوجوههم، وأنا وجهي من هذا النوع، ولا يمكنني القيام بأي شيء حيال ذلك. كل ما في الأمر أن ملامح وجهي تقول إنني شخص مزعج، وهذا هو تفسيري للأمر، لكنني في الحقيقة لست مزعجا على الإطلاق. في بعض الأوقات قد تشاهد فيلماً وترى شخصية فيه وتقول لنفسك: (أنا لا أحب هذا الشخص)، هذا هو ما يحدث معي بالضبط».
ويضيف ستيرلينغ: «لا أشعر بأي ضغط نتيجة نشر مثل هذه الأخبار، وعندما أرى مثل هذه القصص أقول لنفسي (يا إلهي، هل تريدونني أن أشعر بالغضب؟) أنا لا أصدق ما أراه، فهل وصلت الأمور إلى هذه الدرجة؟».
لكن المدير الفني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا يدعم ستيرلينغ على نحو خاص، فخلال بطولة كأس الأمم الأوروبية الصيف الماضي اتصل غوارديولا بستيرلينغ هاتفياً بعدما وصف الأخير نفسه بأنه «الرجل المكروه» على «إنستغرام»، بعد انتهاء مباراة المنتخب الإنجليزي أمام روسيا في المباراة الافتتاحية بالمجموعة.
ووصف ستيرلينغ ما قام به غوارديولا قائلاً إنه «أمر رائع، فكل لاعب يريد أن يشعر بأنه مرحب به، وهو قام بذلك منذ اللحظة الأولى. إنه حافز كبير بالنسبة لي، وكل ما أحاول القيام به هو أن أبذل أقصى ما في وسعي وأتمنى أن أواصل تقديم الأفضل».
ومن بين المباريات التي تألق فيها سترلينغ بقوة كانت مباراة المنتخب الإنجليزي أمام نظيره الإيطالي في نهائيات كأس العالم بالبرازيل عام 2014، عندما دفع به المدير الفني لإنجلترا روي هودجسون في مركز صانع الألعاب بدلا من واين روني. ورغم أن المنتخب الإنجليزي قد خسر تلك المباراة، فإن ستيرلينغ أرهق دفاع المنتخب الإيطالي وحصل على لقب أفضل لاعب في المباراة بينما كان لا يزال في التاسعة عشرة من عمره.
ويتذكر ستيرلينغ تلك المباراة ويقول مبتسماً: «ما زلت أتذكر تلك المباراة وكأنها أقيمت منذ فترة قصيرة. لقد كانت مباراة رائعة بالنسبة لي، وقلت لنفسي وقتها، كم كنت أتمنى لو كان والدي موجودا هنا. كنت أتمنى أن يراني وأنا ألعب لكنه رحل عن الحياة، لذا قلت لنفسي، أريد أن ألعب بشكل جيد من أجله لأنه لم يذهب مطلقا إلى ملاعب كرة القدم، ولم يرني مطلقاً وأنا داخل الملعب، لذا بذلت قصارى جهدي للفوز بتلك المباراة، ورغم أننا خسرنا في نهاية المطاف فقد قدمت أداء رائعا. لقد كان لدي تصميم كبير على اللعب بشكل جيد».
وأكد ستيرلينغ على أن والده الراحل هو سبب تألقه، وقال: «اللعب من أجل والدي يمثل دافعا كبيرا بالنسبة لي، لا سيما في المباريات الكبيرة. فعلى سبيل المثال أفكر باللعب بكل قوة من أجله في المباراة المقبلة أمام آرسنال في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي. وعندما يتعلق الأمر بيوم مهم مثل هذا فدائما ما أفكر في والدي، ودائما ما أقول لنفسي (إنها أجواء رائعة ومشهد رائع لم يشاهده والدي مطلقا)».
وتقام مباراة نصف النهائي لكأس الاتحاد الإنجليزي بين مانشستر سيتي وآرسنال على ملعب ويمبلي في الثالث والعشرين من أبريل (نيسان) الجاري. وبعدما انتقلت والدة ستيرلينغ، نادين، بالعائلة من جامايكا إلى لندن نشأ ستيرلينغ بالقرب من ملعب ويمبلي، لكنه لم يلعب عليه مطلقا، سواء على مستوى الأندية مع ليفربول أو مانشستر سيتي، أو حتى مع المنتخب الإنجليزي.
ورغم ذلك، يتحدث ستيرلينغ عن «سحر» ملعب ويمبلي، قائلا إنه «مذهل، ففي اليوم السابق لأي مباراة تقام عليه يستيقظ المرء من نومه ليعيش هذا اليوم الرائع والمثير، لكي أسير بالحافلة على الطريق السريع وأرى مجمع برنت كروس هناك، حيث كنت أتسوق وأنا صغير وأرى المناطق التي كنت أسير بجانبها والمكان الذي كانت تغسل فيه والدتي سيارتها».
ويعشق ستيرلينغ هذه المنطقة كما يعشق وطنه الأم جامايكا، التي يزورها بشكل منتظم ويقول عنها: «عندما أذهب إلى هناك أشعر وكأنني في الجنة، حيث أذهب إلى الشواطئ كل يوم، وهو ما يجعل بدني يقشعر بكل ما تحمل الكلمة من معنى. في انتظار الإجازات يمر الوقت بطيئا للغاية، وهذا هو السبب الذي يجعلني أعود لكي استمتع بالشواطئ والطعام، فأنا أعشق كل لحظة أعيشها هناك».
ويضيف: «أشعر بعاطفة جياشة عندما يأتي وقت الرحيل؛ لأن الطعام يكون طازجا، فأنا أجلس على الشاطئ في الوقت الذي يأتي فيه الطعام من البحر مباشرة وتكون الأسماك طازجة. أرجوك لا تذكرني بتلك الأوقات!»
وقبل مواجهة آرسنال في كأس الاتحاد الإنجليزي، سافر مانشستر سيتي إلى ملعب الإمارات أول من أمس لخوض مباراة له في الدوري الإنجليزي الممتاز انتهت بالتعادل 2-2. ويحتل مانشستر سيتي المركز الرابع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، بفارق أربع نقاط عن توتنهام صاحب المركز الثاني ومتقدما بفارق خمس نقاط عن مانشستر يونايتد صاحب المركز الخامس، في حين يحتل آرسنال المركز السادس بفارق سبع نقاط كاملة عن مانشستر سيتي.
ويعتقد ستيرلينغ، الذي أحرز هدف الفوز أمام آرسنال في الدوري الإنجليزي الممتاز في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن مباراة مانشستر سيتي أمام آرسنال في كأس الاتحاد الإنجليزي ستكون «مباراة استثنائية».
وتطرق اللاعب الشاب أيضاً للحديث عن المباراة المثيرة التي خسرها مانشستر سيتي قبل أسبوعين أمام موناكو الفرنسي بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، والتي أدت لخروج مانشستر سيتي من دوري أبطال أوروبا بعد التعادل في مجموع مباراتي الذهاب والعودة بستة أهداف لكل فريق، قبل أن يتأهل موناكو بفضل الأهداف الثلاثة التي أحرزها على ملعب النادي الإنجليزي. يقول ستيرلينغ: «لقد توقفنا عن اللعب في تلك المباراة، لم نكن نلعب بالشكل المعتاد. وبغض النظر عن سيناريو المباراة وما نواجهه وبغض النظر عن الجولة المقبلة، كان يتعين علينا أن نلعب بالشكل الذي اعتدنا عليه لأنه ليس هناك الكثير من الفرق القادرة على إيقافنا».
وأضاف: «لكننا توقفنا عن اللعب الإيجابي وكنا ساذجين وحاولنا أن نخرج بالمباراة إلى بر الأمان، ولم تسر الأمور بالشكل الذي كنا نريده. يجب أن نلعب بطريقتنا فقط. إنه أول موسم لنا مع المدير الفني الجديد في دوري أبطال أوروبا، وهذا شيء سوف نتعلم منه بالطبع».
ولم يسجل ستيرلينغ أكثر من 11 هدفاً في أي موسم على مستوى الأندية، ووصل رصيده من الأهداف خلال الموسم الجاري إلى تسعة أهداف. وانتقد ستيرلينغ نفسه فيما يتعلق بذلك، قائلا: «يا إلهي، هناك شيء خاطئ معي - فدائما ما يكون هناك شيء خاطئ. ويتعين علي أن أحرز عدداً أكبر من الأهداف، فهذا أمر مؤسف. كان يجب علي أن أحرز 15 أو 16 هدفاً حتى الآن، وهذا هو ما أود القيام به حتى أصل للمستوى الذي أريده».
وأضاف: «الأهداف يمكنها أن تجعلني واحدا من أفضل لاعبين أو ثلاثة لاعبين على مستوى العالم بالتأكيد. عندما تحرز الهدف الذي يمنحك الفوز في خمس أو ست أو سبع مباريات كل موسم، تكون واحدا من أفضل اللاعبين في العالم، وهذا هو ما أود القيام به. يتعين علي أن أواصل التألق. أعرف أنني أمزح وأضحك هنا، لكنني أتعامل مع هذا الأمر بمنتهى الجدية. وخلال العام المقبل سوف أصل إلى هذا المستوى بنسبة 100 في المائة، لكن خلال العام الحالي فلدي وقت كافٍ لكي أحرز بعض الأهداف. لكنني أضع الكثير من الضغوط على نفسي في بعض الأحيان».
وسيكمل ستيرلينغ عامه الثالث والعشرين في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لكن موهبته الكبيرة ونضجه المتنامي بسرعة هائلة يمنحانه الفرصة للوصول إلى القمة في عالم كرة القدم.
ودعونا نتفق على أن الطريقة التي يلعب بها مانشستر سيتي تحت قيادة غوارديولا تساعد ستيرلينغ للوصول إلى طموحه. ودائماً ما يحلم ستيرلينغ بأن يكون أحد أفضل اللاعبين في العالم، ويقول: «أحلم بذلك كل يوم. لن أكتفي بمجرد الجلوس هنا والقول بأنني لست أحد أفضل اللاعبين في العالم. أنا أهدف حقا لأن أكون كذلك، ولست هنا لكي أكون مجرد رقم في فريق، لكنني هنا لكي أكون أحد أفضل اللاعبين، وهذا هو الأمر بكل بساطة. يتعين علي أن أطور من نفسي وأعرف بالضبط ما يتعين علي القيام به حتى يمكنني التواجد في المكان الذي أسعى إليه».
رحيم ستيرلينغ: الناس لا تحبني لكنني لست منزعجاً
نجم مانشستر سيتي يرفض أن يكون مجرد رقم في فريقه بل واحد من أفضل لاعبي العالم
رحيم ستيرلينغ: الناس لا تحبني لكنني لست منزعجاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة