إخلاء حمص من المعارضة برعاية الأمم المتحدة

بريطانيا استأنفت المساعدات «غير الفتاكة»

حي الخالدية حمص
حي الخالدية حمص
TT

إخلاء حمص من المعارضة برعاية الأمم المتحدة

حي الخالدية حمص
حي الخالدية حمص

التزمت القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة المحاصرة في أحياء حمص القديمة، أمس، باتفاقية وقف إطلاق النار التي بدأت ظهرا، تمهيدا لخروج المقاتلين المعارضين منها، وسط معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» بأن الاتفاق رعته الأمم المتحدة عبر فريق المبعوث الدولي لسوريا الأخضر الإبراهيمي، وستتكفل حافلات الأمم المتحدة بنقل المراد إجلاؤهم إلى خارج المنطقة.
وفي حين عدّ مراقبون هذه الخطوة نقطة إضافية لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية، أكدت مصادر وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة لـ«الشرق الأوسط» أن الفصائل المقاتلة داخل مدينة حمص المحاصرة منذ عامين «لم تنسّق مع الوزارة على التوصل إلى هذه الهدنة»، نافية في الوقت نفسه «التفاوض مع النظام على أي هدنة في أي من المناطق التي اختبرت التسويات»، مشيرة إلى أن قادة الفصائل المعارضة في الداخل «هم الذين تولوا التفاوض».
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان دخول اتفاق وقف النار في الأحياء المحاصرة من حمص التي تتعرض لحملة عسكرية منذ نحو أسبوعين حيّز التنفيذ ظهر أمس «تمهيدا لتنفيذ اتفاق بين طرفي النزاع»، مشيرا إلى أن الاتفاق «يقضي بخروج المقاتلين من الأحياء المحاصرة، على أن يتوجهوا نحو الريف الشمالي لمحافظة حمص، ودخول القوات النظامية إلى هذه الأحياء». وأكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن الانسحاب لم يبدأ بعد، ويفترض بدء تنفيذ باقي البنود خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة. فيما قال ناشط في المدينة يقدم نفسه باسم «ثائر الخالدية»، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الاتفاق «هدنة ستستمر 48 ساعة بدءا من اليوم (أمس)، يتبعها خروج آمن للثوار باتجاه الريف الشمالي».
وإذ رأت مصادر المعارضة السورية أن هذه الخطوة «استكمال للاتفاق الإنساني الذي توصل إليه الطرفان في مؤتمر (جنيف 2)»، في فبراير (شباط) الماضي، نفت أن تكون طرفا في التوصل إلى الهدنة. وفيما لم يُكشف عن الأطراف التي وقعت على الاتفاق، أوضحت مصادر معارضة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن لجنة التفاوض التي بدأت عملها في فبراير الماضي للتوصل إلى تسوية، ضمت إلى جانب القيادة العسكرية الموحدة في حمص التي التزمت أمس وقف إطلاق النار، شخصيات مدنية وفعاليات من مدينة حمص.
وقالت المصادر إن «الاتصال تولاه فريق الأمم المتحدة الموجود في حمص منذ رعايته إجلاء المدنيين في فبراير الماضي، وأعضاء من بعثة الإبراهيمي إلى سوريا. وأسهم ناشطون ميدانيون في تسهيل التوصل إلى الاتفاق»، مشيرة إلى أن إخلاء المحاصرين «ستتولاه حافلات تابعة للأمم المتحدة». ويأتي هذا الاتفاق بعد عدة تجارب بدأها النظام مع المعارضة في مناطق بريف دمشق، بينها المعضمية وبرزة والزبداني، كما في داريا؛ حيث تتحدث معلومات عن محاولات تفاوض للتوصل إلى تسوية في المدينة، ويرفضها المعارضون. وقالت عضو الائتلاف الوطني السوري نورا الأمير، لـ«الشرق الأوسط»، إن وقف إطلاق النار في حمص «هو الوحيد الذي تحقق حتى الآن»، مشيرة إلى «اننا لم نتواصل مع لجنة التفاوض، حتى الآن، لنعرف ما إذا كانت وقعت على اتفاق كامل أم لا»، رافضة في الوقت عينه الكشف عن أعضاء اللجنة التي توصلت إلى اتفاق الهدنة.
ورأت الأمير، التي تتحدر من مدينة حمص، أن الهدنة «تنضم إلى استراتيجية النظام السوري لعزل الفصائل المقاتلة عن الأطراف السياسية، وسط تقديم مغريات لتوقيع الهدنة»، مشيرة إلى أن النظام «يضغط على المعارضة بسياسة التجويع والحصار، ويبتز المقاتلين بالحاجيات الأساسية التي يحتاجها المحاصرون المدنيون». ولفتت إلى أن الاتفاق وُقّع مباشرة مع المحاصرين «على الرغم من تواصلهم معي ومع ممثل لجنة محافظة حمص في الائتلاف عبد الإله الفهد»، مشيرة إلى أن النظام «هدّدهم بأن أي تدخل لأطراف سياسية سيؤدي إلى نسف الهدنة، وذلك كي يمنع المعارضة من تحقيق أي مكسب سياسي من أي هدنة».
ووضعت الأمير هذا الاتفاق ضمن استراتيجية «القضم السياسي لمناطق النزاع المحاصرة التي يتبعها النظام وتنفيذ سياسة التهجير على خلفية طائفية»، معتبرة أن هذا الاتفاق «لم يرتقِ إلى مستوى الاتفاق السياسي». وأضافت «على أي حال، لا يزال الاتفاق في طور وقف تبادل إطلاق النار، وننتظر لنعرف الصيغة النهائية التي وقعت عليها الأطراف».
وبدأت القوات النظامية منتصف أبريل (نيسان) حملة عسكرية للسيطرة على الأحياء المحاصرة منذ يونيو (حزيران) 2012، ومطلع العام الحالي. وقال ناشط لوكالة الصحافة الفرنسية إن الاتفاق يستثني حي الوعر المجاور لحمص القديمة، والمحاصر بدوره، والذي يقطنه عشرات الآلاف من النازحين من أحياء أخرى. وفي حال تنفيذ الاتفاق، سيكون هذا الحي المنطقة الوحيدة المتبقية تحت سيطرة المعارضة في المدينة التي سميت بـ«عاصمة الثورة» ضد النظام بعد اندلاع الاحتجاجات منتصف مارس (آذار) 2011.
ولم يُكشف عن طبيعة الاتفاق حتى هذه اللحظة من قبل أطراف المعارضة، في وقت أفادت فيه قناة «الميادين» المقربة من دمشق، بأن الاتفاق يقضي بانسحاب مقاتلي المعارضة إلى تلبيسة والدار الكبيرة في ريف حمص الشمالي، مع أسلحتهم الفردية، مشيرة إلى أن «النظام السوري فرض شروطه على اتفاق المصالحة».
وكان مئات المدنيين خرجوا من وسط حمص في أوائل فبراير الماضي، خلال وقف إطلاق نار لدواع إنسانية بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر. وسمح بإدخال المواد الغذائية والأدوية للمنطقة المحاصرة. وأتاح الاتفاق إجلاء نحو 1400 مدني منها. وخرجت في الأسابيع الماضية أعداد إضافية. وبحسب ناشطين، لا يزال نحو 1500 شخص في الداخل، بينهم 1200 مقاتل. ويأتي التطور في حمص بعد سلسلة نجاحات عسكرية للنظام الذي تمكن خلال الأشهر الماضية، بدعم من حزب الله اللبناني، من استعادة مناطق واسعة في ريف دمشق وريف حمص كانت تعد معاقل للمقاتلين. واستعاد النظام غالبية أحياء ثالثة كبرى المدن السورية في حملات عسكرية تسببت في مقتل المئات ودمار كبير. وأبرز هذه الأحياء بابا عمرو الذي سيطر عليه النظام مطلع 2012، في معركة شكلت محطة أساسية في عسكرة النزاع الذي أودى بأكثر من 150 ألف شخص.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».