يواجه شخصان يتحدران من شرق الجزائر عقوبة السجن لمدة 3 سنوات على الأقل، لاتهامهما بـ«الإساءة إلى رموز الدولة». ويتعلق الأمر بالسخرية من رئيس الجمهورية وإهانة العلم الوطني بواسطة كتابات في شبكة التواصل الاجتماعي. ويأتي ذلك في سياق ضغط كبير تتعرض له وسائل الإعلام من طرف وزارة الإعلام، التي أمرتهم بعدم نقل تصريحات سياسيين يدعون إلى مقاطعة انتخابات البرلمان، المرتقبة في الرابع من الشهر المقبل.
ويوجد الشخصان، وهما من سكان مدينة عنابة (600 كلم شرق العاصمة)، في السجن الاحتياطي منذ الخميس الماضي وينتظر إحالتهما على محكمة الجنح قريبا، بحسب مصدر قضائي تحدثت إليه «الشرق الأوسط». وقال المصدر إنه لا توجد علاقة بين المعتقلين، وإن أحدهما سخر من الرئيس بواسطة رسم كاريكاتيري نشره بصفحته بـ«فيسبوك»، فيما تم اعتقال الثاني بسبب صورة مشوهة للعلم الوطني، نشرها أيضا بصفحته بشبكة التواصل الاجتماعي.
وأوضح المصدر نفسه أن فرقة من الدرك متخصصة فيما يسمى «جرائم إلكترونية»، تابعت تدوينات الشخصين بالإنترنت، وهي من وضعتهما بين يدي النيابة التي وجهت لهما تهمة «الإساءة إلى رموز الدولة»، وهي تهمة تعرض لها عشرات من الأشخاص. ومن أشهر القضايا المتعلقة بهذا الصنف من الجرائم إدانة صحافي يسمى محمد تامالت بعامين سجنا نافذا نهاية العام الماضي، بسبب نشر قصيدة شعرية هاجم فيها الرئيس. زيادة على كتابات أخرى تنتقد بشدة رئيس الوزراء عبد المالك سلال وشخصيات مدنية وعسكرية بارزة. وتوفي تامالت في السجن متأثرا بتبعات إضراب عن الطعام، احتجاجا منه على سجنه. وقد احتج حقوقيون بشدة على سجنه، واتهموا الحكومة بـ«قتله». أما وزير الدولة ومدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحي، فصرح للصحافة بأن السلطات «لا يمكن أن تقبل أن يلوي أحد ذراعها بالإضراب عن الطعام».
ويبدي ناشطون حقوقيون وصحافيون قلقا بالغا من مستقبل حرية التعبير في ظل إجراءات اتخذتها الحكومة مؤخرا، عدت تراجعا عن مكاسب في مجال الديمقراطية والحريات، جاء بها «دستور الانفتاح السياسي» عام 1989. وفي سياق تعاطي وسائل الإعلام مع الاستحقاق التشريعي، والتدافع الجاري داخل الأحزاب بخصوص اختيار المرشحين، وجه وزير الإعلام حميد قرين مذكرة إلى الفضائيات الخاصة، تتضمن أوامر صارمة، مفادها عدم التعامل مع قطاع من المعارضة يشجع الناخبين على مقاطعة صناديق الاقتراع، بذريعة أن الاستحقاق محسوم لـ«حزبي السلطة»، وهما «جبهة التحرير الوطني» (حزب الرئيس)، و«التجمع الوطني الديمقراطي» الذي يقوده أويحي.
وتضمنت التعليمات أيضا تحذيرا من بث أي خطاب يهاجم الرئيس بوتفليقة بالتحديد. وتتعامل الحكومة بحساسية بالغة مع كل كلمة تصدر من أي صحيفة أو فضائية، مرتبطة بالحالة الصحية للرئيس، الذي توقف نشاطه منذ 27 أبريل (نيسان) 2013، تاريخ إصابته بجلطة دماغية أفقدته التحكم في حواسه.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر سفيان صخري بخصوص الوضع السياسي والحقوقي في البلاد، إنه «في سياق الحديث عن الانفتاح والتعدد لا يمكننا تجاهل المكتسبات التي حققها الإعلام الجزائري بمختلف أشكاله ووسائله، سواء الصحافة المكتوبة أو المجال السمعي البصري، فقد تكاثرت الصحف والجرائد بأنواعها المكتوبة والإلكترونية وتعددت القنوات التلفزيونية التي تحدت المعوقات القانونية والتنظيمية، لكن الوتيرة المتسارعة للانفتاح الإعلامي خلّطت في النهاية حسابات النظام القائم المتكون من مسؤولين ورسميين يقبلون كل ما يرتبط بمرتبة الشخصية العمومية من امتيازات وحصانات، ما عدا إمكانية التعرض للنقد».
وأضاف صخري موضحا: «في قاموس هؤلاء المسؤولين، المدح مباح. لكن النقد يرادف الشتم والقذف وتهديد الأمن والاستقرار، ولتغذية هذا المنطق لم يجد النظام السياسي حلا سوى التضييق والتوجيه وتارة التهديد، لأن السلطة تريد تعدد الإعلاميين والمحللين والقنوات والحصص والمعلومات، لكن ترفض رفضا قاطعا تعدد الخطاب والتحليل والأفكار والرسائل. وعليه، نحن لا نعيش تعددية ولا نعيش أحادية، بل نعيش تعددية أحادية مرتكزاتها تنافسية حزبية مقيدة، وتعددية سياسية مفبركة، وحرية إعلامية موجهة، وتنظيمات اجتماعية واقتصادية مصطنعة».
الجزائر: قلق وسط الأوساط السياسية والإعلامية بسبب التضييق على الحريات
على إثر اعتقال ناشطين ومنع فضائيات من بث خطاب دعاة مقاطعة الانتخابات
الجزائر: قلق وسط الأوساط السياسية والإعلامية بسبب التضييق على الحريات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة