ما أفضل بلد في العالم للاجئين؟

لاجئون سودانيون في أوغندا (أ.ب)
لاجئون سودانيون في أوغندا (أ.ب)
TT

ما أفضل بلد في العالم للاجئين؟

لاجئون سودانيون في أوغندا (أ.ب)
لاجئون سودانيون في أوغندا (أ.ب)

قبل خمسة أعوام، فر موسى، 39 عاماً، مع أسرته إلى أوغندا هربا من العنف العرقي في وطنه شمال كيفو في المنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية. واليوم، يعمل مُصفِّف شعر في صالون راق للتجميل في فندق فيرواي في كمبالا، عاصمة أوغندا.
يقول موسى الذي قضى قرابة عام في مستوطنة ناكيفالي للاجئين في جنوب غربي أوغندا، قبل أن يجد طريقه إلى كمبالا بحثا عن فرص عمل أفضل: «الأوغنديون أهْل كرم وجود وحُسْن ضيافة. وأنا أحصل على دخل جيد هنا، ويمكننا الاعتناء بعائلتي».
ويقول مدير صالون التجميل عن موسى: «إنه موهوب ومجتهد. وشهدنا زيادة كبيرة في عدد الزبائن منذ التحق بالعمل عندنا».
أوغندا حاليا هي ثالث أكبر بلد مستضيف للاجئين في أفريقيا بعد إثيوبيا وكينيا. وتقول دراسة للبنك الدولي عن «التشرد القسري والهجرة المختلطة في منطقة القرن الأفريقي» إن ما يربو على 500 ألف لاجئ من 13 بلدا استقروا في أوغندا في مستوطنات مختلفة للاجئين في تسع مقاطعات. وناكيفالي هي ثامن أكبر مستوطنة للاجئين في العالم، إذ إنها تؤوي أكثر من 60 ألف لاجئ أغلبهم من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
كانت السياسة التي اتبعتها أوغندا لاستقبال اللاجئين سبباً في اعتبارها ملاذاً إقليمياً هاماً، حيث يبعد مخيم ناكيفيل للاجئين، الذي تأسس عام 1958 لإيواء اللاجئين التوتسي الفارين من ثورة هوتو في بلدهم، عن العاصمة الأوغندية كامبالا ست ساعات، وتمتد مساحته إلى 184 كيلومتراً مربعاً، ويشمل بحيرة وتلالاً والكثير من الأنهار وأرض زراعية خصبة، بحسب تقرير المنظمة غير الحكومية كاريتاس جوما: «يُعدّ النموذج الأوغندي فريداً بشكل عملي من حيث الخدمات التي يقدمها للاجئين. وبحسب شهادة المراقبين، ما يجعل أوغندا فريدة هو الدعم والمساعدة العاجلة التي تقدمها للاجئين. في أوغندا تتاح للاجئين فرصة المساهمة في الاقتصاد المحلي».
وقانون اللجوء في أوغندا الذي صدر عام 2006 ويُعتبر من أكثر قوانين اللجوء تقدمية وسخاء في العالم، يتيح تقديم خدمات مجانية للرعاية الصحية والتعليم في مستوطنات اللاجئين، ويسمح للاجئين بالتنقل بحرِّيّة في أرجاء البلاد.
وقد استفاد كثير من اللاجئين من أمثال موسى من سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها أوغندا وتتيح لهم فرصة أن يبدأوا حياة جديدة في عز وكرامة. فاللاجئون يمنحون أرضاً خصبة لينتجوا الغذاء طوال مدة بقائهم في البلاد، ويمكنهم العمل أو إقامة مشروعات تُعينهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تقلل اعتمادهم على الصدقات والتبرعات. وقد مكَّن هذا الكثيرَ منهم من المساهمة في الاقتصاد المحلي، وأن يكون بمقدورهم إعادة بناء معايشهم ومجتمعاتهم عند العودة إلى أوطانهم.
وأبدى مارسيل تيباليكا سفير أوغندا لدى ألمانيا والفاتيكان ملاحظة أثناء جلسة حوار بشأن «حرية حركة الأفراد» أُقِيمَت في أبريل (نيسان) الماضي في بون قائلاً: «في رأيي أن تمكين اللاجئين من الأسباب الاقتصادية مفيد للاقتصاد الوطني، ويجب علينا كدولة أن نعمل من أجل هذا».
وعلى الرغم من هذه السياسة التقدمية بشأن اللاجئين، بدأت أوغندا تئن تحت وطأة استمرار تدفق اللاجئين، لا سيما من دولة جنوب السودان. فقد فر أكثر من 70 ألف لاجئ من جنوب السودان إلى أوغندا منذ تفجَّر العنف في جوبا في 8 يوليو (تموز) بين القوات الحكومية للرئيس سلفا كير والقوات الموالية لنائبه السابق رياك مشار. وأكثر من 85 في المائة من القادمين الجدد نساء وأطفال، ويُؤلِّف الأطفال نسبة 64 في المائة من الوافدين الجدد. ويفرض هذا ضغوطاً على المجتمعات المضيفة، وتعجز المؤسسات والسلطات الحكومية المحلية عن مواكبة هذا الوضع أو تقديم الخدمات الأساسية والضرورية.
وفي مقاطعة أدجوماني التي تؤوي أغلب اللاجئين القادمين من جنوب السودان، قفز عدد اللاجئين إلى 170 ألفاً ويوشك أن يفوق عدد السكان المحليين المسجلين في المنطقة وهو 210 آلاف.
ويقول مسؤول اللاجئين عن أدجوماني في مكتب رئيس الوزراء، تيتوس جوغو: «إذا فاق عدد اللاجئين في أدجوماني عدد سكان المجتمع المحلي المضيف، فسوف تزداد الضغوط على البيئة والخدمات الاجتماعية».
وبحسب مُفوض اللاجئين في مكتب رئيس الوزراء، ديفيد أبوللو كازونجو، فإن «الناس يفرون خوفا على حياتهم. ومجتمعاتنا المحلية ترحب بهم وتعطيهم ما في وسعنا: الأرض والأمل في مستقبل أفضل، لكن رسالتنا إلى المجتمع الدولي هي أننا نحتاج إلى مساعدتكم لتلبية احتياجاتهم الأساسية حتى يمكنهم الوقوف على أقدامهم ثانية».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.