كشفت مشاورات تشكيل الحكومة المغربية، سواء في نسختها الأولى التي قادها عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أو خلفه سعد الدين العثماني، أن هناك هروبا جماعيا للأحزاب السياسية المغربية من موقع المعارضة.
والتحق بالتحالف الحكومي، الذي أعلن عنه العثماني السبت الماضي، حزبان كانا في المعارضة هما الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وكان حزب الاستقلال أيضا يتوق إلى الانضمام للحكومة، ومغادرة مقعد المعارضة لولا أن العثماني أقفل الباب في وجهه، ولم يبلغه حتى بقرار إبعاده من تشكيلته الحكومية، الأمر الذي أثار غضب قيادة هذا الحزب.
ولولا الخصومة الآيديولوجية والسياسية العميقة التي جمعت بينهما لكان حزب الأصالة والمعاصرة قد سجل بدوره اسمه في «لائحة انتظار» الالتحاق بالحكومة، وربما كان أمينه العام إلياس العماري ضمن «طابور» قادة الأحزاب التي حجت إلى مقر حزب العدالة والتنمية ليلة السبت الماضي، التي أعلن فيها عن تشكيلة الغالبية التي ضمت 6 أحزاب، أي بزيادة حزبين عن تشكيلة حكومة ابن كيران السابقة.
وكشفت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تراجعا كبيرا في نتائج الأحزاب السياسية، إذ فقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان في المعارضة، 19 مقعدا، مقارنة بانتخابات 2011. ولم يحصل سوى على 20 مقعدا، كما تراجع حزب الاستقلال الذي انسحب من النسخة الأولى لحكومة ابن كيران وانتقل إلى المعارضة، وحصل على 46 مقعدا بدل 60 في الانتخابات السابقة. وفاز «الاتحاد الدستوري» المعارض بـ21 مقعدا بدل 23 مقعدا في استحقاقات 2011.
أما الحزب المعارض الوحيد الذي ضاعف نتائجه في تلك الانتخابات فهو «الأصالة والمعاصرة» الذي حصل على 102 من المقاعد، وقد دخل الانتخابات بنية إزاحة غريمه السياسي حزب العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة، إلا أن النتائج خذلته بعدما حصل «العدالة والتنمية» على 125 مقعدا، أي بفارق 23 مقعدا بينهما.
وتسابق قادة الأحزاب السياسية الرئيسة إلى إعلان رغبتهم في الالتحاق بالحكومة، ومغادرة كرسي المعارضة بأسرع ما يمكن، بعدما تبين لهم أنه إذا ما استمرت أحزابهم في مواقعها فإن مصيرها هو «الانقراض» من الساحة السياسية، كما عبر عدد من قادتها آنذاك.
وكان اشتراط إلحاق حزبين معارضين، هما الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي بالحكومة، سببا رئيسيا في تعثر مشاورات ابن كيران، ووصولها إلى طريق مسدود، أدى إلى إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة، بعدما اعترض بشدة على دخول الاتحاد الاشتراكي إليها قبل أن يقبل خلفه العثماني ضمه إلى التحالف، ليمهد الطريق لميلاد الحكومة التي تأخرت خمسة أشهر، رغم ما أثار هذا القرار من غضب في صفوف أعضاء الحزب نفسه.
وأظهر إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، استماتة كبيرة في الدفاع عن أحقية حزبه في المشاركة بالحكومة خلال فترة المشاورات الحكومية التي أطلقها ابن كيران، وصلت حد التوسل، حيث تساءل الزعيم الاشتراكي في برنامج تلفزيوني قائلا: «لماذا لا يريدوننا أن نكون في الحكومة هل نحن صهاينة؟». كما شن هجوما غير مسبوق على ابن كيران بعد أن جدد رفضه القاطع لانضمام هذا الحزب للحكومة بعبارته الشهيرة التي قال فيها «إذا رأيتم الحكومة تشكلت وفيها الاتحاد الاشتراكي فأنا لست عبد الإله ابن كيران».
وتعليقا على هذا الموضوع قال سعيد خومري، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هرولة أغلب الأحزاب المغربية نحو المشاركة في الحكومة تعود إلى كون أغلب هذه الأحزاب ولدت في حضن الإدارة، واعتادت المشاركة في الحكومات المتوالية في المغرب، لأن قاعدتها الانتخابية غير مشكلة من الفئات الاجتماعية، بل من الأعيان الذين لهم مصالح في مشاركة أحزابهم في الحكومة حفاظا على مصالحهم».
وأضاف المحلل السياسي المغربي موضحا أن حرص الأحزاب الأخرى مثل «الاتحاد الاشتراكي» على المشاركة في الحكومة سببه تراجعها في الانتخابات «حيث يرى هذا الحزب أن مكوثه في المعارضة سيؤدي به إلى الاندثار».
وبخصوص وضع المعارضة المقبلة، قال خومري إن حزب الأصالة والمعاصرة لديه فرصة لكسب تعاطف شعبي من موقعه في المعارضة، وتوسيع قاعدته الانتخابية، إلا أنه قد يحدث له عكس ذلك، ويتراجع إذا لم يكن أداؤه جيدا.
أما بالنسبة لحزب الاستقلال الذي غير موقفه من «العدالة والتنمية» بعد إعلان التحالف الحكومي، واستثناء العثماني له من المشاركة في الحكومة، فتوقع خومري أن يسحب هذا الحزب تأييده المطلق الذي كان قد عبر عنه لصالح «العدالة والتنمية» في عهد ابن كيران، مؤكدا أن «الاستقلال» «لن يمنح شيكا على بياض لـ(العدالة والتنمية) ويساند أغلبيته الحكومية».
جدير بالذكر أن دستور 2011 خصص فصلا كاملا لحقوق المعارضة، حتى تتمكن من النهوض بمهامها في العمل البرلماني والحياة السياسية، وخولها رئاسة اللجنة المكلفة التشريع بمجلس النواب، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لا سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، ناهيك بالمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي وإحداث اللجان النيابية لتقصي الحقائق.
مشاورات تشكيل الحكومة المغربية تكشف هروباً جماعياً للأحزاب من المعارضة
«الاستقلال» ينقلب على «العدالة والتنمية»... و«الأصالة والمعاصرة» لم يتلق عرضاً للمشاركة فيها
مشاورات تشكيل الحكومة المغربية تكشف هروباً جماعياً للأحزاب من المعارضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة