كشفت اشتباكات مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا عاصمة جنوب لبنان، عن وجود بؤر أمنية، يتخذها متشددون معاقل آمنة، وتؤوي مطلوبين لبنانيين للدولة اللبنانية يصل عددهم إلى نحو 20 مطلوباً، فضلاً عن عشرات المطلوبين من جنسيات غير لبنانية، تدرّجوا في انتماءاتهم من تنظيمات محلية متشددة، إلى تنظيمات حاضرة في سوريا والعراق، وبينها «داعش».
وعلى الرغم من أن أمن المخيم كان حتى وقت قصير، ممسوكاً من قبل فصائل فلسطينية تتعاون مع الدولة اللبنانية وموكلة حماية أمن المخيم والحفاظ على علاقاته مع المحيط اللبناني، فإن ظهور تنظيمات وأفراد يوالون تنظيمات متطرفة بينها تنظيم «القاعدة» و«داعش» تفاقم إلى درجة ولادة مربعات أمنية في المخيم، باتت عبئاً على سكانه، وساهمت في تدهور الوضع الأمني الذي تمثل في اشتباكات متقطعة تندلع فيه بين وقت وآخر.
تطور ظهور المتشددين في مخيم عين الحلوة الواقع على أطراف مدينة صيدا عاصمة جنوب لبنان، من «أفراد»، إلى كيانات. إذ كان يكشف تباعاً في المخيم عن أسماء أشخاص يُقتلون في سوريا والعراق، أثناء قتالهم في صفوف تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة».
وكان «داعش» أعلن الصيف الماضي مقتل الفلسطيني إبراهيم الداهودي الملقب بـ«أبو دجانة المقدسي»، الذي يتحدر من مخيم عين الحلوة، في حين أعلن تنظيم «جبهة النصرة» عن مقتل محمد مصرية، الملقب بـ«أبو إسلام المقدسي»، ويتحدر من مخيم المية ومية الواقع أيضا شرقي صيدا.
والملاحظ أن المجموعات المتشددة التي تقاتل في سوريا استقطبت عدداً من هؤلاء الشبان والفتيان «المندفعين» الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة، وبالفعل قتل أكثر من 6 أشخاص جاءوا من المخيمات الفلسطينية في لبنان خلال العام 2016 إبان مشاركتهم في القتال إلى جانب مجموعات متشددة في سوريا.
الواقع أنه ليس جميع هؤلاء القتلى الستة، كانوا من أفراد مجموعة مؤلفة من 11 شخصاً توجهت في مطلع 2016 باتجاه سوريا، واستقطبتها مجموعات متشددة. ولكن مع هذا، بحسب تقديرات الأمنيين الفلسطينيين، فإن 62 شاباً من مخيمات لبنان، التحقوا فعلاً بالتنظيمات المتشددة في سوريا بدءاً منذ العام 2012، وقتل ما يناهز الـ50 منهم في معارك متفرقة.
ملاذات آمنة
تلك الحالات الفردية، وبعد انعدام سُبل التحرك باتجاه سوريا والعراق، اتخذت ملاذات آمنة لها في مخيم عين الحلوة. ومن ثم، تنامت المخاوف الأمنية المحيطة بمخيم عين الحلوة بعد تقاطع معلومات الأجهزة اللبنانية عن اتساع القاعدة المتعاطفة مع تنظيم داعش، خاصة بعد عودة عدد من العناصر الذين جندهم التنظيم في سوريا إلى المخيم الفلسطيني. وتشير التقديرات إلى أن أعداد العناصر المتطرفة القريبة من «داعش» داخل عين الحلوة ليست كبيرة، وانحسرت بعد توقيف عماد ياسين، زعيم تنظيم «عصبة الأنصار» الذي بايع «داعش» قبل أن تعتقله مخابرات الجيش اللبناني خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي عبر عملية أمنية نوعية وخاطفة، تشير التقارير أنها حدّت من نشاط «داعش» في لبنان، كما ساهمت بانتزاع الكثير من المعلومات من الموقوف.
وقد كان الحديث الجدي عن وجود «داعش» في المخيم قد بدأ في العام 2015 من خلال تصريحات متتالية لوزير الداخلية نهاد المشنوق تلت التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف منطقة جبل محسن العلوية بمدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان في شهر يناير (كانون الثاني) من العام نفسه. إذ تحدث المشنوق عما سماه «مربع موت» جديد لـ«داعش» يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية الحدودية (مع سوريا) ومخيم عين الحلوة وسجن رومية (شرق بيروت) إلى العراق ومدينة الرقة السورية «عاصمة» التنظيم المتطرف.
في المقابل، لم يعلن «داعش» حتى الساعة عن أي وجود رسمي له في لبنان عموماً أو في عين الحلوة بالتحديد. وهو يعتمد حالياً - على ما يبدو - على تنظيمات ومجموعات متطرفة أخرى بعيدة عن الضوء كجماعة «الشباب المسلم»، التي تضم أعضاء من تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف الذي خاض في العام 2007 مواجهات دامية مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد بشمال البلاد. إلا أنه، وفق مصادر فلسطينية قيادية في عين الحلوة، فإن العناصر التي تنتمي فعليا إلى «داعش» أو قامت بمبايعته «لا تتعدى أصابع اليدين»، لافتة إلى أن العدد الأكبر هو من المتعاطفين مع التنظيم.
«داعش» يقضم نفوذ الإسلاميين
جدير بالذكر، أنه إثر ظهور «داعش»، تراجع في المخيم الفلسطيني نفوذ التنظيمات الإسلامية الحاضرة والناشطة قديماً هناك، وكانت تتواصل مع الفصائل الفلسطينية وبعضها ينسق ضمن إطار القوى الأمنية المشتركة.
ذلك أن المخيم، يخضع تقليدياً لنفوذ حركة «فتح» التي تتمتع بالحضور الأكبر والأقوى مع قوات الأمن الوطني بقيادة اللواء أبو عرب. كما تتواجد حركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و«جبهة التحرير الفلسطينية» وجبهة النضال والقيادة العامة – الصاعقة، علما بأن «حماس» تعتبر الأقوى بعد «فتح».
أيضاً تنشط قوى إسلامية أخرى أكثر تشدداً في المخيم بينها «عصبة الأنصار»، التي تتولى التواصل بين الفصائل والتنظيمات المتشددة. والأخيرة، يُطلق عليها «جماعة الشباب المسلم»، وتضم منتسبين أو مناصرين لتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة».
ومع الوقت تحول النشاط التنظيمي للعناصر «الإسلاموية» المتشددة في المخيم إلى مجموعة صغيرة يخضع كل منها لفصيل معين فيما يخضع بعضها لمجموعات متشددة تنفذ أجندات خارجية. واليوم نجد أن المجموعات الأكثر تشدداً تسيطر على أحياء في المخيم، باتت معاقل لها، وتحولت إلى معضلة أمنية بالنسبة للفصائل الفلسطينية في الداخل، أبرزها أحياء الطيرة والصفصاف والمنشيّة وقسم من حطين ومخيم الطوارئ. وتحمي هذه الأحياء العدد الأكبر من المطلوبين للسلطات اللبنانية وأبرزهم الفنان المعتزل فضل شاكر، المتهم بالمشاركة بقتال الجيش في أحداث مدينة صيدا في صيف العام 2013. بالإضافة إلى شادي المولوي المتهم بالانتماء لجماعات إرهابية والمشاركة بمعارك شهدتها مدينة طرابلس في العام 2012، والأهم تحريك خلايا نائمة أخيراً لتنفيذ عمليات أمنية في الداخل اللبناني.
ويتجاوز عدد المطلوبين اللبنانيين المتوارين في عين الحلوة الـ20. وفق عضو المكتب السياسي لـ«جبهة التحرير الفلسطينية» صلاح اليوسف، في حين يتخطى عدد المطلوبين من جنسيات غير لبنانية أبرزها فلسطينية الـ150 ينتمون إلى مجموعات «جند الشام» و«فتح الإسلام» و«القاعدة» الإرهابية.
ومن ناحية ثانية، تتحدث معلومات من الجانب الفلسطيني أنه تبلغ من الجهات الأمنية اللبنانية لائحة بأسماء المطلوبين اللبنانيين، يتصدرها شادي المولوي. وتقول الأجهزة اللبنانية إن عدد هؤلاء يتجاوز الـ45 شخصا، تتهم معظمهم بالتورط في عمليات إرهابية استهدفت الجيش اللبناني ومدنيين في صيدا وبيروت وطرابلس، بينهم أنصار الشيخ المتشدد أحمد الأسير، إضافة إلى مطلوبين فلسطينيين أبرزهم بلال بدر وتوفيق طه وهيثم الشعبي وأسامة الشهابي وهلال هلال وجمال رميض.
المطلوبون اللبنانيون
المطلوبون اللبنانيون بشكل خاص، باتوا عبئاً على المخيم، وهو ما دفع القيادات الفلسطينية، وبعض الأطراف في الفصائل الإسلامية، للمطالبة بتسليم أنفسهم للسلطات اللبنانية. وكشف أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العرادات، عن تثبيت وقف إطلاق النار، وتسوية ومعالجة الوضع الراهن داخل عين الحلوة بالتعاون مع الدولة اللبنانية، وتسليم المطلوبين للعدالة. وقال أبو العرادات إن أهالي صيدا يطالبون بالقبض على مطلوبين لبنانيين، يتخذون من المخيم مقراً لهم، لافتاً إلى أن القوى الوطنية في المخيم ستخرج المطلوبين بالطريقة التي دخلوا بها، وتسليمهم للأمن اللبناني.
وجاء هذا التطور بعد تبلور اتفاق لبناني – فلسطيني على ضوء المعارك الأخيرة التي شهدها مخيم عين الحلوة بين الجماعات المتشددة وعناصر حركة «فتح» قضى بتسليم كل المطلوبين اللبنانيين المتوارين في المخيم ورفع الغطاء عن الجماعات التي تحميهم وتؤويهم.