مطاعم «طريق الحرير» تعرّف الأميركيين إلى شعب الأويغور

مسلمو الصين في أميركا ينشرون ثقافتهم عبر أطباقهم

مطاعم «طريق الحرير» تعرّف الأميركيين إلى شعب الأويغور
TT

مطاعم «طريق الحرير» تعرّف الأميركيين إلى شعب الأويغور

مطاعم «طريق الحرير» تعرّف الأميركيين إلى شعب الأويغور

لم يسمع كثير من الناس في واشنطن ناهيك عن بقية الولايات، اسم «ويغور»، وإذا سمعوا به، ربما سمعوه «يوغور» أو «ييغور». ولا اسم «شينكيانغ»، وإذا سمعوه، ربما سمعوه «جينجانغ» أو «شوجيانغ». غير أنهم ربما سمعوا بعبارة «سيلك رود» (طريق الحرير) التاريخي الذي كان يربط الصين مع الشرق الأوسط وأوروبا.
حسب صحيفة «واشنطن بوست»، يوجد في منطقة واشنطن نحو ألف شخص (وفي كل أميركا أقل من 5 آلاف شخص) من «ويغور». هذا هو اسم مسلمي الصين الذين يعيش أكثرهم في مقاطعة «شينكيانغ» في غرب الصين. ويتعرضون لكثير من حملات القتل والاعتقال واتهامات الإرهاب من قبل حكومة الصين، وحملات عدائية من إعلام الحزب الشيوعي الصيني.

3 مطاعم خلال عام

لكن، خلال عام واحد، تأسست في واشنطن ثلاثة مطاعم «ويغور»، في سلسلة مطاعم تسمى «مطاعم طريق الحرير». وذلك بهدف تسهيل فهم الأميركيين لهذا الشعب (نحو 30 مليون شخص يعيشون على مسافة 10 آلاف ميل تقريباً من أميركا).
تأسس أول مطعم في العام الماضي: مطعم «كوين أمانيسا» (الملكة أمانيسا)، إشارة إلى أمانيسا خان، مؤلفة «المقامات الاثنتي عشرة» في القرن السادس عشر (عندما كانت شينكيانغ تابعة للخلافة التركية العثمانية). قبل 10 أعوام، وضعت منظمة اليونيسكو المقامات في قائمة التراث الإنساني. وصار قبر أمانيسا من أهم الأماكن السياحية في المقاطعة.
في واشنطن، قالت يمامو مييتي، صاحبة ومديرة مطعم «الملكة أمانيسا»: «قريباً، ستكون، مطاعمنا في كل الولايات المتحدة. ثم في كل العالم». قالت إنها ليست فقط مطاعم صينية، وليست فقط مطاعم شرق أوسطية، لكنها مزيج من الاثنين.
تجمع هذه المطاعم بين «نودلز» (مكرونة) الصينية و«شيش كباب» (لحم مشوي) الشرق أوسطي. لكن، ليس في صحن واحد: تقدم وجبات النودلز الصينية على طريقة إقليم «هونان» أو إقليم «سشوان». وتقدم، أيضاً، وجبات اللحم المشوي في سيخ حديدية.
وتقدم صلصة الصويا (مع الوجبات الصينية). وتقدم، أيضاً، بهارات الكمون والزعفران والكزبرة (مع الوجبات الشرق أوسطية).
ويقدم الشاي الصيني في بداية الوجبة. ويقدم أيضاً الشاي الشرق أوسطي في أكواب أنيقة وبالنعناع في نهاية الوجبة.

«لاميان»

ربما أشهر وجبة «نودلز» تقدمها هذه المطاعم، ويبدو أنها سر إقبال الأميركيين عليها هي «لاميان» وهي عبارة عن قطعة عجين يمدها الطباخ، رافعاً يديه في الهواء. ويكرر مدها لتكون قطعة واحدة طويلة. وتقدم طازجة للأكل. تقدم هذه المطاعم قطعة واحدة طولها 4 أو 5 أقدام في صحن مع لحوم وخضراوات. وهي أكبر سُمكا من النوع الصيني، أو النوع الإيطالي، (وأكبر سُمكا كثيراً بالمقارنة مع النوع السنغافوري، النحيف جدا).
عن الفخر والوطنية، تحدثت شادية إبراهيم، صاحبة ومديرة مطعم «كيروران: مطعم طريق الحرير» (اسم مدينة أثرية هناك)، في فيرفاكس (ولاية فرجينيا، من ضواحي واشنطن). قالت إن الصينيين المسلمين يتعمدون صناعة «لاميان نودلز» بهذه الطريقة، وهي أكبر سُمكا، كنوع من أنواع التميز على النوع الصيني. وأيضاً، لكثرة وتوفر القمح الذي تصنع منه. وتنتشر في دول مجاورة، مثل: أوزبكستان، وطاجيكستان، وأفغانستان.
وأضافت: «تبرهن لاميان نودلز الأطول، من دون أن تتقطع، على مهارة الطاهي. ويتنافس على ذلك الطهاة في شينكيانغ».
وقالت إن الأميركيين مغرمون بقطعة مكرونة واحدة طويلة. ويسألونها: «هل نقدر على مقابلة الطاهي الذي صنع هذه؟» وتجيب: «أنا الطاهية التي صنعت هذه».

«لاميان» في مطعم «كيروران» - يمامو مييتي مديرة مطعم «الأميرة أمانيسا» وفاتوغلي بيكيل شريكها

شيء آخر تتميز به هذه المطاعم في واشنطن أنها لا تقدم لحم الخنزير. وتوجد عند مدخل كل مطعم لافتة «لحم حلال». ويعتقد أن هذه هي المطاعم الصينية الوحيدة في كل الولايات المتحدة التي لا تقدم لحم خنزير. يفضل الويغور لحم الضان، وتقدمه هذه المطاعم، وتقدم أيضاً لحم الأبقار الذي يفضله الأميركيون كثيرا.
وقالت أركناي البيز، صاحبة مطعم «دولان ويغور» (في ضاحية كليفلاند بارك الراقية في واشنطن): «شعب الويغور شعب كريم. وينبع هذا من تراثه الإسلامي والشرق أوسطى». وقالت إن عادة تقديم الشاي في أوانٍ جميلة ومزركشة من هذا التراث.
وقالت غولزيبا أكبر بنت قيصر أكبر، كبير الطهاة في مطعم «دولان ويغور»: «يختلف طعامنا عن الطعام الصيني. ولا نريد له أن يتأمرك هنا في أميركا».
يبدو واضحاً أن هذه المطاعم تريد أن تتميز عن غيرها، مع ميول وطنية وتراثية، بهدف إثبات هويتها.
عن هذا قال الشات حسن كوكبور، رئيس منظمة الأميركيين الويغور: «ويغور هم ويغور، والصينيون هم صينيون. طعامنا جزء من هويتنا». وتحدث عن عقود من الاضطهاد الصيني (خاصة بعد الثورة الشيوعية في الصين عام 1947). قبل ذلك، كان حكام مقاطعة «شينكيانغ» مسلمين، وتوارثوا الحكم منذ أيام الخلافة العثمانية.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.