مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

«عازف» بيانو وأشهر «عازب» بين السياسيين في أوروبا

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري
TT

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أصدرت الصحافية الهولندية شايلا سيتالسينغ كتاباً عن مارك روته، رئيس وزراء هولندا، وصفته فيه بأنه «ظاهرة». وتابعت الصحافية قائلة إنه «ذو شخصية سياسية مرحة، وغير قابل للتدمير، ويعمل من أجل هولندا جديدة، كما أنه يتمتع بمرونة مدهشة؛ إنه صورة مشرقة ليس لرئيس الحكومة الهولندية فحسب، بل لهولندا بشكل عام... هذا البلد الرائع جداً في القرن الحادي والعشرين».
قبل أيام، فاز حزب الشعب الليبرالي الهولندي (يمين الوسط)، بقيادة رئيس الوزراء الحالي مارك روته، بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في هولندا يوم 15 مارس (آذار) 2017، وكان المغزى الأساسي من فوز الليبراليين، مع أنهم لم يحصلوا على الغالبية المطلقة، هو أنهم منعوا انتصار حزب الحرية اليميني المتطرف، المعادي للمسلمين والمهاجرين، وزعيمه خيرت فيلدرز.
مع هذا، وهنا المفارقة، فإن كثيرين عزوا فوز روته وحزبه على اليمين المتطرف إلى أنه: أولاً تبنى بعض «خطاب» زعيم اليمين المتطرف حول الهجرة والمهاجرين، ولكن من دون الخوض صراحةً في موضوع معاداة الإسلام والمسلمين. وثانياً للمواجهة الدبلوماسية الحادة التي وقعت بينه وبين الحكومة التركية - والرئيس رجب طيب إردوغان تحديداً - عقب منع حكومة روته وزيرين تركيين من زيارة هولندا للمشاركة في تجمّعات سياسية نظمت لكسب تأييد الجالية التركية الهولندية لخطط الرئيس إردوغان حيال تعديل الدستور التركي، وتحويل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
ولكن ماذا عن مارك روته، الرجل والسياسي والزعيم الذي أدى نجاحه بالأمس إلى كبح مسيرة اليمين الشعبوي المتطرف في الدول الغربية نحو السلطة؟
مبدئياً، يمكن التعريف عن روته بأنه سياسي ومؤرّخ ومدرّس، وأيضاً... عازف بيانو. ثم إنه يُعدّ من الشخصيات السياسية الأوروبية المعروفة الأطول قامة، إذ يزيد طوله عن 190 سم. كذلك يعرف عنه أنه مثل معظم الهولنديين من هواة ركوب الدراجات الهوائية. وقبل الانتخابات الأخيرة، تداول عدد كبير من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«يوتيوب»، صور «موكب» رئيس الوزراء... الذي كان عبارة عن دراجة يقودها بمفرده، وكان في الوقت نفسه يرد على أسئلة الصحافيين على مقربة من مقر رئيس الحكومة.
مع هذا، ثمة من يقول إن مارك روته من الشخصيات السياسية الهولندية التي لا يتوافر كثير من المعلومات عن حياتها الخاصة. والرجل ما كان يوماً مثار جدل أو شائعات بسبب تصرفات شخصية. ولئن اختلف الهولنديون حول سياسته، أو اتفقوا، فلا خلاف إطلاقاً بينهم على أن ابتسامته التي لا تفارقه عند ظهوره في اللقاءات العامة، أو أمام وسائل الإعلام، لها تأثير إيجابي على الآخرين، وهي تقدمه بصورة الشخص الإيجابي المتفائل المتواضع الاجتماعي، حسب وجهات نظر كثرة من المراقبين.

الخطوات السياسية الأولى
وإبان فترة الدراسة الجامعية، أصبحت علاقة روته بالسياسة جدية، فشغل أثناء دراسته منصباً في قيادة التنظيم الشبابي لحزب الشعب الليبرالي، وترأس التنظيم من عام 1988 إلى عام 1991.
وفي أعقاب تخرجه، دخل روته عالم المال والأعمال، حيث عمل في الهرم الإداري ضمن مجموعة «يونيليفر» الصناعية العملاقة. وحتى عام 1997، عمل في قسم الموارد البشرية في المجموعة الهولندية البريطانية الضخمة، ولعب دوراً بارزاً في كثير من إعادة الهيكلة، بين عامي 1997 و2000.
بعد ذلك، شغل رئيس الوزراء (الأعزب) الذي يتبع الكنيسة البروتستانتية الهولندية، بين عامي 1993 و1997، مقعداً في القيادة الوطنية لحزب الشعب. ثم دخل البرلمان الأول نائباً عن الحزب في انتخابات عام 2003. وكان في العام السابق (2002) قد عين بمنصب نائب وزير مكلف بالعمل والضمان الاجتماعي.
وتسارعت مسيرة روته صعوداً في عالم السلطة، إذ أسند إليه عام 2004 منصب وزير الإعداد المهني والتعليم العالي. إلا أن المفصل الأهم في مسيرته السياسية جاء خلال سنتين، عندما انتخب عام 2006 زعيماً للحزب، ومن ثم في الانتخابات التي أجريت عام 2010، تمكن روته من قيادة حزبه إلى فوز كبير، إذ حصل على 31 مقعداً في مجلس النواب، ليغدو أكبر الأحزاب الممثلة في المجلس.
انتخابات 2010
خلال انتخابات 2010، قاد مارك روته حملة حزبه الانتخابية، عندما كانت آثار التقشف تهيمن على الاقتصاد الهولندي. ومع ذلك، كان يؤكد تكراراً أنه لا ينوي تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز. والواقع أن موقف روته في هذا الجانب كان واضحاً منذ البداية، إذ قال «نحن لا نستبعد أي طرف، ولا حتى أي حزب على الإطلاق، ولكن في الوقت نفسه هناك اختلافات جمّة بين حزبي وحزب العمل وحزب الحرية (الأخير حزب فيلدرز)».

رئاسة الحكومة
بعد الانتصار في تلك الانتخابات، كلّفت الملكة بياتريكس (الملكة في حينه) روته بتشكيل حكومة ائتلافية يمينية، يشارك فيها حزب الشعب وحزب الديمقراطيين المسيحيين وحزب فيلدرز، ليصبح أول رئيس حكومة لهولندا منذ عام 1918، من خارج الحزب الديمقراطي المسيحي، أو حزب العمل. غير أن الخلاف سرعان ما ظهر بين روته وفيلدرز، ثم تصاعد، خصوصاً بشأن أوروبا، حتى إن كانت قد بقيت ثمة نقاط اتفاق بشأن الهجرة. وعلى الأثر، تعهد روته، الذي يطرح نفسه على أنه «رجل الحلول»، في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، بأنه لن يشكل ائتلافاً مع حزب الحرية، وزعيمه المعادي للإسلام والمعارض للهجرة. وفي المقابل، كان فيلدرز يعتب على رئيس الوزراء الحالي، ويعتبر أنه لم يف بوعوده، خصوصاً تلك المتعلقة بخفض الضرائب.

روته وأوروبا
طروحات مارك روته موالية لأوروبا، وهو يؤمن بأنه لا يمكن تصور مستقبل لهولندا على الإطلاق خارج الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، فهو يقدم خبرته، التي تجاوزت 6 سنوات في السلطة، على أنها تشكل البديل الناجع لشعبوية فيلدرز وانعزاليته.
وحقاً، يوم 15 مارس الحالي، تمكن روته من الفوز مرة ثالثة، وقاد حزبه لتحقيق انتصار ثمين على التيار اليميني الشعبوي في هولندا. وجاء هذا الانتصار بعد انتصارين مهمين للقوى الشعبوية في بريطانيا والولايات المتحدة، تمثلا بتصويت البريطانيين لصالح الخروج من أوروبا، وانتخاب الأميركيين رجل الأعمال الملياردير دونالد ترمب رئيساً للجمهورية.
مع هذا، علقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قائلة إن كثيرين يعزون فوز روته إلى تبنيه خطاباً صارماً حيال الهجرة والمهاجرين، ولكن مع الالتزام بالبعد عن قضايا معادة الإسلام والمسلمين التي سيطرت على خطابات غريمه المتطرف فيلدرز. وبالفعل، يشير كثيرون إلى أن تشدد روته في المواجهة مع إردوغان والمسؤولين الأتراك أكسبه شعبية لا تنكر، وأظهره قيادياً حازماً.
أيضاً، يرى كثير من المراقبين أن روته أظهر الحنكة والخبرة السياسية في تعامله مع هذه الأزمة، وعرف كيف يستفيد منها لصالحه، بدلاً من أن يحتكر الاستفادة فيلدرز وحزبه المتطرف. وخلال السجالات مع أنقرة، أكد رئيس الوزراء الهولندي عزمه على أن تظل بلاده الطرف الذي يتحلى بالعقلانية، والسعي لتحاشي التصعيد في الأزمة مع تركيا، بالتوازي مع الإصرار على قرار حكومته ترحيل الوزيرة التركية لشؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية، فاطمة بتول سيان قايا، ومنع قدوم وزير آخر، هو وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.

مفاوضات تشكيل الحكومة
حالياً، بعد فوز حزب الشعب بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، بدأ روته مفاوضات تشكيل حكومته الجديدة. ومن المتوقع أن تستمر هذه المفاوضات على مدى الأسابيع المقبلة، مع العلم بأن جميع الأحزاب أكدت نيتها ألا تدخل في أي ائتلاف مع حزب فيلدرز المتطرف. وللعلم، يتجه روته الآن لتشكيل حكومة ائتلافية من 4 أحزاب.
رئيس الوزراء يقر بأن عملية التفاوض حول التشكيل الحكومي الجديد ستكون صعبة، مبدياً استعداده للتحالف مع الديمقراطيين (الديمقراطيون 66). أما أبرز الشركاء الآخرين المحتملين، في ظل استبعاد المتطرفين، فهم «الديمقراطيون 66» والخضر اليساريون والاتحاد المسيحي.
ولقد وقال رئيس الديمقراطيين، ألكسندر بيختولد، إن «الإمكانيات كثيرة لتشكيل تحالف، ولكن الأمور تتوقف على حزب الشعب الذي يقود الأمور بصفته صاحب العدد الأكبر من المقاعد بين الأحزاب». ومن ثم، أشار إلى إمكانية تشكيل ائتلاف يضم الديمقراطيون 66 وحزب الشعب، وأيضاً الحزب الديمقراطي المسيحي، ومعهم يمكن إضافة الخضر اليساري أو الاتحاد المسيحي، لضمان الغالبية المطلوبة في البرلمان.

تعليق روته بعد الانتخابات
جدير بالذكر أن أول تصريح صادر عن روته، عقب ظهور النتائج، جاء فيه قوله إن هولندا رفضت بتصويتها ما وصفه بـ«النوع الخاطئ من الشعبوية». وفي حين نقلت تقارير إعلامية أوروبية أن الأوروبيين عامةً تنفسوا الصعداء عقب الإعلان عن فوز روته، وهزيمة فيلدرز، تلقى رئيس الوزراء المنتصر التهاني من كثير من القيادات والعواصم الأوروبية، كما تحدث مع عدد من الزعماء الأوروبيين هاتفياً. ولقد حرصوا كلهم على تحيته، وإبداء ارتياحهم لما حققه، وسعادتهم لخيار الشعب الهولندي الذي جاء مع العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في فرنسا (في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار المقبلين)، والانتخابات العامة في ألمانيا (سبتمبر المقبل). ويذكر أن لليمين المتطرف والعنصري، المناوئ للمهاجرين، حضور قوي فيهما.
وجاء في تهنئة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لروته قوله له: «كان (فوزك) فوزاً واضحاً ضد التطرف»، في حين هنأ شتيفن زابير، الناطق باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الزعيم الهولندي بفوزه في الانتخابات، موضحاً أنه يتطلع إلى «مواصلة التعاون معاً كأصدقاء وجيران وأوروبيين». كذلك قال باولو جنتيلوني، رئيس الوزراء الإيطالي: «اليمين المناهض للاتحاد الأوروبي خسر الانتخابات في هولندا».

بطاقة هوية
* ولد مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، في مدينة لاهاي، العاصمة السياسية والقضائية لهولندا، يوم 14 فبراير (شباط)، أي «يوم الحب»، من عام 1967. وهو الولد الأصغر في عائلته، وكان أبوه (آيزاك روته) يعمل في مجال التجارة والأعمال، أما أمه (واسمها هيرمينا كورنيليا ديلينغ)، فتعمل سكرتيرة.
أنهى تعليمه الثانوي (بين 1979 و1985) متجهاً نحو التخصصات الأدبية، ولقد استهوته الموسيقى، وكان طموحه حقاً أن يغدو عازفاً محترفاً لآلة البيانو. إلا أنه عندما أزف وقت الدراسة الجامعية، التحق بجامعة لايدن، أعرق جامعات هولندا وإحدى أرقى الجامعات الأوروبية، حيث درس التاريخ، ثم حصل منها أيضاً على درجة الماجستير في عام 1992.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».