القوات العراقية تمهد بقناصيها لاقتحام ما تبقى من أحياء الموصل القديمة

قائد الشرطة الاتحادية: نحاول إجلاء المدنيين لتجريد «داعش» من الدروع البشرية

جانب من مواجهة بين القوات العراقية و«داعش» في أحد أحياء غرب الموصل أمس (رويترز)
جانب من مواجهة بين القوات العراقية و«داعش» في أحد أحياء غرب الموصل أمس (رويترز)
TT

القوات العراقية تمهد بقناصيها لاقتحام ما تبقى من أحياء الموصل القديمة

جانب من مواجهة بين القوات العراقية و«داعش» في أحد أحياء غرب الموصل أمس (رويترز)
جانب من مواجهة بين القوات العراقية و«داعش» في أحد أحياء غرب الموصل أمس (رويترز)

رغم فتح القوات الأمنية العراقية لعدد من الممرات الآمنة لخروج المدنيين من الجانب الأيمن، خصوصاً من أحياء المدينة القديمة ذات الكثافة السكانية المرتفعة، فإن قناصة «داعش» وانتحارييه يعيقون جهود هذه القوات لإخراج المدنيين الذين يتخذهم التنظيم دروعاً بشرية لتأخير تقدم القوات الأمنية في عملية تحرير ما تبقى من مناطق وأحياء غرب الموصل.
وقال الملازم أحمد الساعدي الضابط في قوات الرد السريع التي تتمركز على الخط التماس مع مسلحي التنظيم الذين يوجدون قرب جامع النوري (الجامع الكبير) الذي ما زال خاضعاً لسيطرتهم وتدور حوله معارك شرسة بين الجانبين تطغى عليها القناصة وقذائف الهاون والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، إن «وجود المدنيين في أحياء المدينة القديمة وعتيق مبانيها وضيقها تحول دون استخدامنا للأسلحة الثقيلة والعجلات للقضاء على إرهابيي (داعش)، لكن مع هذا، نحن نواصل التقدُّم بتكتيك نحافظ فيه على المدنيين ومن جهة أخرى نقضي على (داعش) ومسلحيه الذين يتحصنون بين المدنيين وفي الأبنية».
تقدُّم القوات العراقية، ومنذ بداية انطلاقة عملية تحرير الجانب الأيمن في 19 فبراير (شباط) الماضي، وحتى الوصول إلى مشارف المدينة القديمة، اتَّسَم بالسرعة، فالأحياء الأولى من الجانب الأيمن كانت واسعة تسمح بدخول المدرعات والدبابات والعجلات إليها والكثافة السكانية لم تَكُنْ مرتفعة في الأحياء الأولى، لكنها الآن تسير ببطء، في معارك تحرير أحياء وسط الموصل، وتعتمد في الدرجة الأولى على القناصين والطائرات المسيرة القاصفة وقذائف الهاون، ولا تستخدم المدفعية الثقيلة للقضاء على تجمعات «داعش» إلا عندما تتأكد من خلو المنطقة من وجود المدنيين. أما المعارك في أزقة الموصل القديمة فإنها تشتد يوماً بعد يوم، حيث يبدي من تبقوا من مسلحي (داعش) مقاومة شرسة دفاعاً عن معقلهم الرئيسي في العراق الذي احتلوه في يونيو (حزيران) 2014، بينما بلغت المساحة المحرَّرَة من الموصل منذ بداية انطلاقة عمليات تحريرها في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن أكثر من 70 في المائة.
بدوره، بيَّن قائد قوات الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت لـ«الشرق الأوسط» أن «العشرات من قناصي قوات الشرطة الاتحادية يتمركزون على أسطح المباني وسط الموصل (المدينة القديمة) لدعم الخطوط الأمامية لقطعاتنا الموجودة على مشارف جامع النوري». وأضاف: «قواتنا حررت أمس مئات المدنيين من خلال فتح الطرق الآمنة لهم للخروج من مناطقهم، وذلك لعزل عناصر التنظيم الإرهابي وتجريدهم من الدروع البشرية، قبيل اقتحام المنطقة واستعادة السيطرة على الجامع».
وحجم الأضرار التي لَحِقت بمباني ومنازل الجانب الأيمن من الموصل حتى الآن أكبر من التي لحقت بالجانب الأيسر من المدينة التي أعلنت القوات العراقية تحريرها في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، فالتنظيم يدمِّر كل منطقة قبل أن ينسحب منها، ويفخِّخ غالبية الأبنية والمنازل والشوارع والمحلات التجارية بالمتفجرات هذا بالإضافة الاشتباكات الكثيفة التي تشهدها أحياء هذا الجانب من الموصل.
من جهته، كشف مسؤول إعلام الفرع الرابع عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني في الموصل سعيد مموزيني لـ«الشرق الأوسط» إن تنظيم داعش «غَيَّر من تكتيكاته الحربية في معركة المدينة القديمة من الموصل، حالياً يعتمد على القناصة بكثافة، ويترك كثيراً من السيارات المفخَّخَة على جوانب الطرق، قبل الهروب من المناطق، ويسفر انفجار هذه السيارات عن هدم العشرات من المنازل والمباني القديمة المتلاصقة مع بعضها والمكتظة بالمدنيين»، مشيراً إلى أنه من الضروري أن تغير القوات العراقية تكتيكاتها كي تتمكن من تحرير ما تبقى من الموصل بسرعة، وتقضي على مسلحي التنظيم.
وأضاف مموزيني: «غالبية مسلحي (داعش) الذين يخوضون حالياً المعارك ضد القوات العراقية وسط الموصل هم من الانتحاريين والانغماسيين الشيشانيين والأجانب والعرب غير العراقيين وغالبية هؤلاء يقاتلون حتى الموت».
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء يحيى رسول، في مؤتمر صحافي في شرق الموصل، إن القوات العراقية تسيطر على نحو 60 في المائة من غرب المدينة حالياً، مضيفاً أن القوات على بُعد مئات الأمتار من جامع النوري. وأضاف: «السيطرة على جامع النوري ومنارة الحدباء (...) تعطي رمزية ومعنويات أكبر باندفاع قطعاتنا، في الوقت ذاته ستكون ضربة قاصمة لعناصر تنظيم الإرهابي». يُذكر أن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، أعلن من هذا الجامع «الخلافةَ» في يوليو (تموز) 2014 بعد سيطرة المتشددين على مناطق كبيرة من العراق وسوريا.
إلى ذلك، أعلنت قيادة العمليات المشتركة استعادة السيطرة على حي الرسالة وشقق نابلس. ومن المواقع والأحياء المهمة التي تمت استعادتها مبنى مجلس محافظة نينوى.
ودفعت المعارك التي تشهدها مدينة الموصل، إلى نزوح أكثر من 180 ألف شخص من سكان المدينة، لجأ 111 ألف منهم إلى مخيمات للنازحين فيما توجَّه آلاف آخرون إلى منازل أقرباء لهم، وفقاً لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية. ومع بقاء ما يصل إلى 600 ألف مدني في القطاع الغربي من الموصل تتعقد المعركة التي يستخدم فيها الجيش العراقي المدفعية والضربات الجوية ويخوض فيها معارك برية، حسب تقرير لوكالة «رويترز».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».