معركة اختبار موازين القوى مستمرة في دمشق على وقع القصف العنيف

3 سيناريوهات لما بعد القتال في العاصمة السورية بينها تكريس الحضور الإيراني

دمشق
دمشق
TT

معركة اختبار موازين القوى مستمرة في دمشق على وقع القصف العنيف

دمشق
دمشق

شنّت فصائل المعارضة يوم أمس، هجوما جديدا نحو مناطق سيطرة قوات النظام في حي القابون، في محاولة لتحقيق تقدم وإبعاد قواته واستعادة مناطق، في حين واصل الطيران الحربي تنفيذ غاراته بشكل مكثف على الحي والأطراف الشرقية للعاصمة، وذلك بعدما تمكنت قوات النظام من استعادة بعض المناطق التي خسرتها بين جوبر والعباسيين ونقاط في المنطقة الصناعية، فيما بدا معركة لاختبار موازين القوى في دمشق وما حولها، وتوقعات خبير استراتيجي لثلاثة سيناريوهات يمكن أن تنتج عن المعركة المفاجئة.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ فجر الأحد حتى بعد ظهر أمس، استهداف الطائرات الحربية بأكثر من مائة غارة لمناطق في حي جوبر ومنطقة القابون القريبة منها، بالتزامن مع قصف مدفعي مكثف بمئات القذائف.
واستمرت أمس، المعارك العنيفة بين قوات النظام والفصائل المعارضة في المنطقة الصناعية الفاصلة بين مناطق سيطرة الفصائل في حيي جوبر والقابون، حيث تسعى قوات النظام خلال هجومها المعاكس الذي بدأته ليلا لاستعادة السيطرة على ما خسرته من معامل ومبان ومواقع في المنطقة الصناعية، بعد تمكنها من استعادة عدد منها، إضافة إلى المنطقة الواقعة بين كراجات العباسيين وحي جوبر.
وأشار «المرصد» إلى أن الفصائل شنّت هجوما جديدا في حي القابون، في محاولة لتحقيق تقدم وإبعاد قوات النظام وتقليص سيطرة النظام على الحي، وذلك بعد هجوم عنيف بدأ، أول من أمس، بتفجير عنصرين من هيئة «تحرير الشام» نفسيهما بعربتين مفخختين استهدفتا مواقع قوات النظام في أطراف حي جوبر، تبعها هجوم لانغماسيين ومقاتلين من الفصائل الثلاث «أحرار الشام وهيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن»، على مواقع قوات النظام، وتمكنت من تحقيق تقدم مهم قبل أن تعاود قوات النظام هجومها، بحسب «المرصد».
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أمس، عن مصدر عسكري أن وحدات الجيش استعادت «جميع النقاط التي تسلل إليها إرهابيو (جبهة النصرة) والمجموعات التابعة لها في محيط منطقة المعامل شمال جوبر»، وقضت «على كامل المجموعات المتسللة بأفرادها وعتادها».
ويرى سمير التقي، مدير مركز الشرق للبحوث والدراسات، أن السيناريوهات المتوقعة بعد هجوم المعارضة في دمشق ثلاث، متوقعا في الوقت عينه ألا تصل إلى مدى بعيد، ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الأساس فيها هو نجاح المعارضة في إغلاق الفجوة التي أوجدها النظام بين القابون وجوبر وصمودها في تثبيت مواقعها، متوقعا أن يعود بعدها النظام إلى محاولة استكمال سيطرته على بساتين الغوطة التي كان قد سيطر على جزء منها سابقا، وهي التي تعد الخزان الغذائي لمناطق المعارضة. وفي السيناريو الثاني، لا يستبعد أن يبدأ النظام حملة عسكرية على دوما ومناطق بريف دمشق، بذريعة الرد على هجوم أحياء العاصمة. وفي حال تمكنت المعارضة من تثبيت مواقعها، فعندها، وفق التقي، ستتجه إلى ضاحية الأسد لفتح الطريق نحو القلمون الذي يعتبر بدوره الخزان الغذائي الأهم بالنسبة إلى المعارضة. من هنا، يرى التقي أن هذه المعركة هي اختبار لموازين القوى، مضيفا: «لكن يبدو أن النظام لا يزال يحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة، وسيستخدمها بغطاء جوي روسي، في وقت كانت المعارضة تحضّر فيه للمعركة قبل أشهر، ويبدو واضحا أنها تحضرت لها بشكل جيد، وبالتالي عندما يقرر النظام الاقتحام فستنتج عن ذلك خسائر مكلفة في الأرواح».
وعن الدور الإيراني في هذه المعارك، يقول التقي، إن «إيران دائما تحصد على الأرض ما يزرعه الروس والنظام، وما يحصل في الشمال ينطبق أيضا في دمشق، بحيث تملأ الميليشيات الإيرانية دائما الأرض، على خلاف المعلومات التي تشير إلى محاولات استبعادها، وهذا الحضور سيتكرس أكثر في معركة العاصمة».
وعلى صعيد حياة الناس اليومية، عادت الحركة جزئيا إلى العاصمة بعد شبه شلل شهدها أول من أمس، وقال أحد سكان دمشق: «الحركة عادت إلى الشوارع والأسواق، لكن ليس كما يجب أن تكون عليه عشية الاحتفال بعيد الأم، وهو اليوم الذي يشهد حركة كثيفة في الأسواق، إذ اعتاد السوريون الاحتفاء بهذا العيد باعتباره إحدى أهم المناسبات الاجتماعية التي ينشط فيها الإقبال على شراء الهدايا والحلويات».
ويوم أمس، أعلن «فيلق الرحمن»، في بيان له، «أن المعركة جاءت نتيجة استمرار هجمات قوات الأسد والميليشيات المساندة له، إضافة إلى العدو الروسي على مناطق شرق العاصمة دمشق والغوطة الشرقية بهدف تقطيع أوصالها وتهجير أهلها».
وأكّد أنه وخلال معركة يوم الأحد (أول من أمس)، «تمكن الثوار من قتل أكثر من 75 عنصرا من بينهم ثلاثة ضباط، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الجرحی، وتقدموا باتجاه كتلة الأبنية المطلة على عقدة البانوراما وقطع طريق الأوتوستراد الرئيسي المؤدي إلى دمشق، كما تم تعطيل كراج العباسيين خلال المعركة، بالإضافة إلى اقتحام بساتين برزة تم التقدم فيها وأخذ عدد من النقاط التي قد فقدت سابقا».
واستهدفت إحدى القذائف، أمس، وفق ما نقلت وكالة «سانا» مبنى السفارة الروسية في منطقة المزرعة في دمشق، «ما تسبب بوقوع أضرار مادية فيه».
كما أفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، بأن الحركة في ساحة العباسيين بدأت تعود إلى طبيعتها تدريجيا مع فتح الطرقات، في وقت كان يمكن فيه سماع أزيز طائرات حربية تحلق فوق المدينة صباحا وأصوات رشقات وقصف متقطع. وفي كراجات العباسيين والمنطقة المحيطة بها، بدت آثار الاشتباكات واضحة، أمس، مع وجود سيارات محروقة وبعض المنازل المتضررة واستمرار سقوط القذائف من مواقع الفصائل.
كما أشاروا إلى انتشار أمني في المنطقة، وشاهدوا عددا من الجنود يفترشون الأرض ويتدفأون بأغطية فيما يبدو بمثابة قيلولة بعد مشاركتهم في القتال.
ولا تزال الفصائل المقاتلة، وفق «المرصد»، تحتفظ بسيطرتها على مواقع رئيسية عدة، أبرزها في المنطقة الصناعية الواقعة بين حيي جوبر والقابون في شرق العاصمة. وقال عبد الرحمن، إن الفصائل تمكنت في هجومها الأحد (أول من أمس) من أن «تفتح الطريق بين الحيين لمدة ساعات، لكن المنطقة تشهد اشتباكات عنيفة، ولم يعد ممكنا العبور من القابون إلى جوبر».
وتشكل أحياء برزة وتشرين والقابون في شرق دمشق هدفا لهجوم تشنه قوات النظام منذ شهر، ويهدف إلى فصل برزة، وهي منطقة مصالحة لمنع انتقال مقاتلي الفصائل بينها. كما يهدف إلى الضغط على الفصائل في القابون وتشرين لدفعها إلى توقيع اتفاقات مصالحة على غرار ما شهدته مناطق عدة في الأشهر الأخيرة في محيط دمشق.
وبحسب المرصد، فإن هجوم جوبر يهدف ليس لمحاولة التقدم إلى وسط دمشق، لكن لتخفيف الضغط عن مقاتلي الفصائل في الأحياء الثلاثة المجاورة. وتسيطر فصائل معارضة أبرزها جيش الإسلام وحركة أحرار الشام.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».