من التاريخ: توماس مور وتأثيره

من التاريخ: توماس مور وتأثيره
TT

من التاريخ: توماس مور وتأثيره

من التاريخ: توماس مور وتأثيره

الكلمات الأخيرة التي نطق بها توماس مور، أحد أشهر الساسة والفلاسفة الإنجليز في القرن السادس عشر قبيل الركوع على ركبتيه استعداداً لضرب عنقه تنفيذاً لحكم الإعدام الصادر بحقه بتهمة الخيانة العظمى من الملك هنري الثامن كانت «سأظل خادماً للملك لكنني، قبله، خادم للرب».
بعد الكلمات انتهت حياة مور ولكن ليس سيرته الفكرية والسياسية، ليجسد قرنين أو ثلاثة من المشاكل الدينية والسياسية التي عصفت بأوروبا واستقرارها، وراح ضحيتها ملايين من البشر في خضم ما يوصف بـ«الإصلاح الديني» وكسر شوكة بابا الفاتيكان رأس الكنيسة الكاثوليكية. في هذه الحقبة وجد المواطن - البسيط أو المثقف - في حالة ارتباك ديني وسياسي جراء محاولات ملوك أوروبا وأمرائها الخروج من العباءة السياسية والدينية للفاتيكان وإصرار البابا على الدفاع عن سلطته الروحية أمام حركة إصلاح - بل اعتراض Protest تطوّر إلى تمرّد - واسعة النطاق باتت تهدّد كنيسته. ولقد كانت كلمات مور الأخيرة تجسيداً حقيقياً لأزمة في مفهوم الشرعية بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية في أوروبا.
ولد توماس مور في لندن عام 1477 ودرس العلوم، ثم التحق بجامعة أكسفورد حيث درس اللغتين اللاتينية واليونانية إضافة إلى علم اللاهوت وغيره. وكانت ميوله الدينية طاغية على شخصيته لدرجة أنه فكّر في مرحلة محددة أن يهب حياته للرهبنة. غير أنه عاد فآثر دراسة الحقوق، وغدا محامياً بنصح من والده، ومارس مهنة المحاماة ثم دخل مجلس العموم (البرلمان) عام 1504، من ناحية أخرى، تنازعت حياة مور السياسية ثلاثة عناصر أساسية رافقته حتى إعدامه، هي: التزامه العميق بالكنيسة الكاثوليكية، وأفكاره السياسية، وولاؤه للعرش الإنجليزي.
تجاذبت هذه الانتماءات، أو الولاءات، مور لتخلق شخصية فريدة من نوعها في تاريخ إنجلترا. واستطاع الرجل أن يمارس الانتماءات الثلاثة بشكل مطّرد، فتدرج سريعاً في المناصب نتيجة قربه من الملك هنري الثامن، تلك الشخصية العميقة والدموية في آن واحد. وعينه هنري في منصب كبير مستشاريه لمزاياه الفكرية وحنكته السياسية اللامعة، ثم أصبح وزيراً للمالية وظل على قربه من الملك. وازدادت، من ثم، أهمية هذا المفكّر والسياسي مع بداية ظهور حركة «الإصلاح الديني» البروتستانتية Protestant في أوروبا التي قادها الراهب الألماني مارتن لوثر. وكان لوثر قد تحدّى السلطة المطلقة للبابا وكنيسته في روما، خاصة، ما يتعلق بفكرة الخلاص في الدنيا والآخرة، التي رأى لوثر أنها ليست بيد البابا وكنيسته بل تتحقق من خلال التوبة وعلاقة الإنسان بربه.
في ذلك الوقت كان هنري الثامن مقرّباً من البابا، وسرعان ما استعان بجهود مور للردّ على مارتن لوثر من خلال الكتاب الشهير «في الدفاع عن المقدّسات السبع»، وهو ما رفع شأنه بالنسبة للعرش ليس فقط كسياسي، بل كمفكر أيضاً، وهي سلعة كانت شبه نادرة في البلاط الإنجليزي.
وحقاً، كرّس مور الكثير من وقته في الدراسة والتفكير في الظروف السياسية والدينية. وكانت صداقته للمفكّر والعالم الإنساني الهولندي إراسموس Erasmus، أحد قادة فكر الإصلاح السياسي والإنساني في أوروبا، ذات أثر كبير في حياته حيث تبادلا الأفكار والرؤى، وأسّسا معاً ما يسمى بالتيار الإنساني Humanism في الفكر الأوروبي الحديث، وأثر أحدهما على الآخر.
وفي لندن استضاف مور إراسموس، وكتب الأخير خلال هذه الفترة أحد أهم كتاباته وأهداها إلى صديقه. إلا أن مور كانت له أفكاره الخاصة، إذ عكف على كتابة واحد من أهم الكتب في عصر الإصلاح سماه «يوتوبيا» واصطلح على ترجمة هذا العمل بـ«المدينة الفاضلة» أو «المدينة المثالية». ومن ثم، نشره له إراسموس باللاتينية في مدينة لوفان البلجيكية، وأغلب الظن أن هذا الكتاب المهم لم يدخل إنجلترا إلا بعد موت مور. هذا جسّد أفكار مور المرتبطة بالانتماءات الثلاثة التي أثرت عليه، فهو مزيج لنقض السياسية الإنجليزية وفسادها ورؤيته للأسلوب الأمثل لإدارة الدولة، إلا أن الأهم هو البعد الروحي للإنسانية في إدارة السياسية سواء للعرش أو المواطن البسيط.
يرتكز كتاب «يوتوبيا» على سلسلة من الحوارات التي تجسّد فكر الإصلاح، إذ تأثر مور بـ«المدينة الفاضلة»، التي وردت في فكر الفيلسوف اليوناني أفلاطون والتي جسّدها خياله في إحدى الجزر التي استكشفها المستكشف أميركو فيسبوتشي (الذي حملت القارة الأميركية اسمه).
ولقد وضع مور رؤيته لما يجب أن تكون عليه الإدارة السياسية والاقتصادية لهذه الجزيرة التي يعيش سكانها في حالة سلام على أساس شيوعي بدائي (مشاعي) ممتد، ورأى أن نزع مفهوم المُلكية الفردية هو أساس السعادة، ذلك أنه لا توجد - في هذه الحالة - الحاجة إلى المال، لأن كل شخص يأخذ ما يريد ويعمل وفقاً لقدراته. واعتبر مور أن الجشع الإنساني أساس كل شيء سلبي، وهو ما يخلق الطبقية في المجتمعات. ومن ثم، لا بد من القضاء على الطبقية بنزع المصلحة الفردية، متغلباً بذلك على مشكلة سوء توزيع الدخل في الدولة.
أيضاً آمن توماس مور أن الإنسان بطبيعته خيّر غير أن ظروف الحياة والبيئة المحيطة به تُبرز أسوأ ما فيه، وتدفعه نحو الرذيلة أو الجشع. وإلى جانب أساسيات هذا المجتمع يضاف إليه عنصر الفضيلة التي يستقيها مور من المسيحية. وهو يرى أن الدين (المسيحي، في حالته) يمنح المواطن الفضيلة والسعادة في آن واحد من خلال حثه على فعل الخير دائماً.
ويبلوِر مور في الكتاب أيضاً نظرية شديدة الترابط بين الدين والفكر الإنساني، مؤداها أن السعادة الحقيقية للإنسان ليست في الاقتناء بل في العطاء، لكون متعة مساعدة الغير وسد حاجتهم أكبر بكثير من أي متعة أخرى. ويؤمن أن أساس الدين في هذه «المدينة الفاضلة» هو الإيمان بالله والاعتقاد باليوم الآخر، وهو ما يكفل نزع أي نوع من أنواع التطرف... بما أن هدف الدين توحيد الناس لا تقسيمهم على أسس مذهبية.
واقع الأمر أن هذا الكتاب، على الرغم من أنه في حقيقة الأمر فكرة غير مستحدثة، بل سبق أن تعرض أفلاطون لجوانب كثيرة منها، فإن القيمة المضافة لهذا العمل تمثلت في أنه كان أداة لربط مفهوم الإنسانية بالدين في العالم الغربي، بجانب ما مثله من رؤية نقدية شديدة لواقع السياسة الإنجليزية والأوروبية على حد سواء. كذلك فإنه مثّل أساساً لفكر مشابه تبناه بعض المفكرين فيما بعد لمحاولة الوصول إلى المعادلة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية التي رأوها مناسبة.
في كل الأحوال، فإن مور سرعان ما اصطدم بالملك هنري الثامن، ولا سيما عندما أخذ يعارض تدريجياً سياسة فرض هنري ضرائب باهظة على المواطن ما دفعه للاستقالة من البرلمان.
ثم جاءت المشكلة التالية، وهي رغبة الملك في طلاق زوجته كاترين الأراغوانية لعجزها عن إنجاب ولي للعهد، وهو ما عارضه مور بشدة استناداً للمذهب الكاثوليكي الرافض كلياً للطلاق. بذا، بات مور في صدام مباشر مع هنري الثامن، إلا أن الصدام وصل ذروته عندما أعلن الملك تعديل شكل الكنيسة الإنجليزية وإخراجها من تحت العباءة الكاثوليكية وتنصيب نفسه رئيساً للكنيسة. هذا الأمر رفضه مور شكلاً وموضوعاً ورفض التوقيع على المراسيم الملكية المتصلة بهذا الغرض، وهو ما دفع الملك لاتهامه بالخيانة العظمى وإعدامه عام 1535، وبعد أربعة قرون، أعلن بابا الفاتيكان توماس مور «قديساً» تقديراً لدفاعه عن الكنيسة الكاثوليكية.
حقيقة الأمر أن توماس مور يعد من الشخصيات البارزة المؤثرة في الفكر الإنجليزي والإنساني رغم بدائية أفكاره التي أثبت التاريخ ضآلة حجمها. ولكن الخيال الإنساني يظل من الوسائل المهمة لتطوير الفكر السياسي والاجتماعي، ذلك أن كثرة من الأفكار التي طرحت على مرّ العصور لم تمثل قيمة في حد ذاتها ولكنها شكلت خطوة مؤثرة في تطوّر الفكر الإنساني. ولقد اشتهرت مقولة الفيلسوف والأديب الفرنسي فولتير في روايته الشهيرة «كانديد»، عندما كان البطل يتساءل مع محاوره فيقول له «إن هذا العالم هو أفضل المتاح» - وهي فكرة مأخوذة عن الفيلسوف الألماني ليبنز -، لكن يبدو أن فكر مور يمثل النقيض التام لهذه المقولة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.