الأمم المتحدة تشكو عجزها عن استقبال مزيد من النازحين

الهاربون من المعارك يخرجون في عربات أحياء وموتى

نازح يبكي أقارب له حيث كانت جثثهم على عربة وراءه بعد إخراجها من غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
نازح يبكي أقارب له حيث كانت جثثهم على عربة وراءه بعد إخراجها من غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تشكو عجزها عن استقبال مزيد من النازحين

نازح يبكي أقارب له حيث كانت جثثهم على عربة وراءه بعد إخراجها من غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
نازح يبكي أقارب له حيث كانت جثثهم على عربة وراءه بعد إخراجها من غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)

يفر السكان من الأحياء الغربية في الموصل التي استعادت الحكومة السيطرة عليها وبينهم كثيرون يعانون من الجوع والصدمة نتيجة للعيش في كنف الحكم الصارم لـ«داعش». ويقول كثيرون إن الغذاء يقل والأمن هش حتى في المناطق المحررة.
ويعيش ما يصل إلى 600 ألف مدني مع المتشددين داخل الموصل التي عزلتها القوات العراقية عن باقي الأراضي الخاضعة لسيطرة «داعش» في العراق وسوريا. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن نحو 255 ألف شخص نزحوا عن الموصل والمناطق المحيطة بها منذ أكتوبر (تشرين الأول) وبينهم أكثر من مائة ألف شخص منذ بدء الحملة العسكرية الأخيرة بغرب المدينة في 19 فبراير (شباط). وشهد الأسبوع الماضي أعلى مستوى للنزوح حتى الآن إذ نزح 32 ألفاً بين يومي 12 و15 مارس (آذار).
ومن بعيد، يبدو النازحون المنهكون كأنهم يدفعون أمامهم بأيديهم أمتعتهم على عربات. بيد أنهم إذا وصلوا إلى المخيمات اتضح أن حمولتهم كانت أغلى من ذلك بكثير وأكثر مأساوية في الوقت نفسه. فقد رفع أحد الرجال غطاء مترباً رقيقاً ليكشف عن جثمان لطفل يغطيه الغبار والدم، كان واحداً ضمن عدد من الجثامين التي تكدست على العربة، حسب تقرير لوكالة «رويترز». قال الرجل وهو يصف كيف أصابت ضربة جوية منزل الأسرة «إنه ولدي... لقد رحل».
قال الرجل وهو يكشف عن جثث أخرى لصغار على العربة: «حدث هذا بسبب الضربات الجوية. كان هؤلاء في منازلهم وقتلتهم الضربات الجوية». وأوضح أن الضربة الجوية وقعت قبل ذلك بثلاثة أيام قرب محطة القطارات الرئيسية في الموصل، وهي منطقة كانت الأسرة قد انتقلت إليها للتو بعد فرارها من منزلها في حي وادي حجر عندما اشتد القتال.
وعلى طول الطريق، تدفقت أسر أخرى ومعها عربات مشابهة تقل أقارب مسنين صوب حافلات تم إرسالها لنقل المدنيين إلى مخيمات. وسوف ينضم هؤلاء إلى نحو 255 ألف شخص نزحوا بالفعل من الموصل ومناطق قريبة منها. وأوجد هذا تحدياً هائلاً أمام منظمات الإغاثة لتوفير الطعام والمأوى لأناس أرهقتهم سنوات من العناء.
وحذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ليزا غراندي من عدم إمكانية استقبال موجات نازحين تزامناً مع فرار عشرات آلاف المدنيين من المعارك في غرب الموصل. ونقل بيان عن غراندي أن «عدد (النازحين) أعلى مما كان متوقعاً (...) إذا ازدادت الوتيرة سيؤدي بنا هذا إلى حد الانهيار». وفر أكثر من 152 شخصاً من غرب الموصل لجأ القسم الأكبر منهم، أي نحو 98 ألفاً، إلى مخيمات تتوزع حول المدينة حيث يتلقون العلاج والطعام والفراش، وفقاً لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية.
كما أعربت غراندي عن قلقها إزاء مصير مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين بين المعارك وخطر الاستهداف من قبل «الجهاديين» في حال قرروا الهرب. ونقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية قولها إن «العائلات التي اختارت البقاء تعيش في خطر، وحتى العائلات التي تهرب».
من جانبها، قالت «مبادرة رتيش» التي تقوم بجمع بيانات حول الأزمات الإنسانية، إن الوضع الإنساني في الموصل «مقلق للغاية». وأضافت: «في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة (داعش) لا يمكن للناس الوصول إلى السوق والخدمات الطبية ولا تتوفر لديهم كهرباء. من لا يزالون هناك يعيشون على ما تبقى لديهم من ماء ومواد غذائية وهي في تناقص».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.