تتزامن التحولات العصرية التكنولوجية والاجتماعية مع صعود أدوار لافتة للإعلام بمختلف أنواعه، ومع تغير النظرة للبرامج والمواد الإعلامية. ففي ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان، أصبحت بعض البرامج التلفزيونية ومحتويات عدد كبير من الصحف مجرد سلعة ضمن منتجات أخرى، ولكنها في الواقع تصنع مستقبل البشرية. والإعلام في هذه المرحلة يشكل قضية ساخنة في النقاش العام في أوروبا والولايات المتحدة، وصولا إلى اعتبار أن الصحافة في أزمة مادية منها، وأخلاقية. وإن فتح باب النقاش في موضوع الإعلام دون تحايل يستحق العناء والسعي والبحث، خصوصا في لبنان، حيث لا يمكن إرضاء جميع المشاهدين. فتتفاوت الآراء حول ما يعد لبقا وأخلاقيا من جهة، وما يخدش الحياء العام ويستغل مفهوم حرية التعبير من جهة أخرى.
* بين الحرية والفوضى
في هذا الإطار، نظمت كلية الإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا في بيروت ندوة تحت عنوان: «قانون الإعلام... بين الحرية والفوضى»، حضرها وزير الإعلام ملحم رياشي، والصحافي رفيق خوري، إلى جانب أساتذة أكاديميين في الصحافة المرئية، المسموعة والمكتوبة. وتعليقا على تصريح رياشي سابقا عن ضرورة إلغاء وزارة الإعلام في لبنان، أكد اليوم أهمية العمل على تأسيس وزارة بديلة عن وزارة الإعلام في لبنان، معتبرا الوزارة الحالية إنقاصا من مفهوم الديمقراطية والحرية «في البلدان المتطورة والمتحضرة، لا توجد وزارة إعلام. فتاريخيا، كانت مهمة وزارة الإعلام نقل المعلومات للمواطنين عن القرارات الحكومية المهمة، ومتابعة أعمال الدولة وتسليط الضوء عليها. أما اليوم، ما عاد من الضروري إعلام الناس، فأصبح كل شخص منا نصف إعلامي بمجرد الالتحاق بوسائل التواصل الاجتماعي. وهنا، أصبحنا بحاجة إلى وزارة (تواصل وحوار)، حيث يمكننا رصد ردود الفعل عن الأخبار، وفتح منبر للحوار في جميع القضايا الاجتماعية والسياسية العالقة».
ووصف رياشي المواطن اللبناني على أنه شريك في القرار، وشريك في صنع التغيرات السياسية والتعديلات القانونية، «وزارة الإعلام من زمن ديكتاتوري لا تتلاءم مع مجتمع ديمقراطي، وبلد يسعى لنيل الحريات على أصعدة مختلفة».
وفي سؤال حول ما إذا كانت مساعي هذه الوزارة تعني التقليص من دور الإعلام في لبنان، أجاب رياشي: «هناك فرق بين إلغاء الوزارة واستبدالها لتعزيز الحرية، وهي شعرة معاوية، فلنسمها شعرة ملحم رياشي، الفاصلة بين القمع والحرية».
* دور الوزارة في الحد من الهبوط الإعلامي
وحول الجدل الكبير القائم في البلد عن برامج الإثارة التي وصفت بالبرامج «الهابطة»، لم يكن الوزير راضيا عن محتويات بعض البرامج على التلفزيونات اللبنانية، معترفا أن هناك مواد تظهر على الإعلام لا تمثل الشعب اللبناني ككل، ولا تليق بأخلاق معظم الأسر اللبنانية، «على الإعلاميين احترام الأخلاقيات العامة، وعلى أصحاب المحطات التمسك بالجذور، ونحن بصفتنا وزارة نقوم حاليا بإنشاء وتنفيذ خطط، وهناك ورشة قانونية كبيرة سيعلن عنها قريبا، حيث يجري العمل على قانون أخلاقي للمهنة». وجوابا عن أسئلة عدة حول سبب عدم اتخاذه قرارا بإيقاف أي من البرامج التي تعتبر «عارا» على الشاشات اللبنانية، أجاب: «في عهدي، لن أقوم بإيقاف أي برنامج على المحطات، وذلك احتراما لمن يحب مشاهدة هذه البرامج. لكننا نعمل على قانون واضح يلزم المؤسسات الإعلامية بأدنى مستويات الأخلاق والآداب العامة».
أعلن رياشي أيضا مباركة الوزارة لخطوة تتخذها ملكة جمال الكون السابقة جورجينا رزق، مع عدد من الأشخاص، وهي تأسيس لجنة خاصة بالرصد الإعلامي، حيث تقوم هذه اللجنة بضبط البرامج التي لا يجب أن يشاهدها البعض، أو التي تخل بالآداب الاجتماعية. فيقوم المعلنون والناس بمقاطعتها، احتراما لمجتمعنا الذي مهما كان، يبقى مجتمعا شرقيا تقليديا بامتياز.
أما عميد كلية الإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، الدكتور جورج فرحا، فأشار إلى أن سبب اهتمام المحطات بمواد الإثارة، والشحن في بعض الأحيان، يعود إلى مرور لبنان في وضع إعلامي حساس، «ربما سبب التضخيم الإعلامي هو المرحلة الانتقالية بين إعلام تقليدي وإعلام رقمي، ولكن الأكيد أن الإعلام في لبنان ليس بخير». وشدد على أن الإعلام اللبناني يعيش أزمتين، لا يمكن فصلهما بالمطلق، وهما أزمة مهنية وأخلاقية تجب معالجتهما، متسائلا عن دور القانون في إيقاف أي مؤسسة إعلامية لا تحترم الأخلاقيات وأصول المهنة... «هل هو العجز في الدولة ومؤسساتها في لجم كل ما يتخطى حدود حرياتنا التي أجازها الدستور؟ فالدستور لم يجز التعدي والتطاول على الأعراف والقوانين الوضعية والإلهية، أو استعمال خطاب الكراهية المرفوض نهائيا لبنانيا وعالميا».