انخفضت التدفقات الدولارية الواردة للسوق المصرية، وارتفع الطلب على الدولار في بداية شهر مارس (آذار) الجاري، مع قلة المعروض، فعادت العملة الأميركية لترتفع إلى قرب 18 جنيها في تعاملات البنوك أمس الأربعاء. وترتب على ذلك ارتفاع قيمة الدولار الجمركي (لاستيراد السلع) من 15.75 جنيه إلى 17 جنيها بداية من اليوم الخميس.
ورغم أن البعض يُرجع الهبوط السريع في قيمة الجنيه المصري، إلى عوامل السوق، مثل: تراجع الاستثمار الأجنبي في أوراق الدين المصرية، وسوق المال، بالإضافة إلى بدء استيراد التجار سلعا غذائية لشهر رمضان –أكثر الشهور استهلاكا للغذاء في مصر، فإن تذبذب الأسعار الشديد في العملة المصرية يرتبط ارتباطاً شديداً بسببين، أولهما: أذون الخزانة المصرية، وثانيهما: السياسة النقدية في البلاد.
أذون الخزانة
لا يمكن تفسير أسباب دخول المستثمرين الأجانب في أذون الخزانة المصرية، بمعزل عن سعر الصرف، بالإضافة إلى نسبة الفائدة على الأذون، ومن هنا فإن ضخ دولارات من الأجانب –بمتوسط سعر 18 جنيها للدولار - وشراءهم أذون خزانة بالجنيه بفائدة مرتفعة، زاد من حصيلة الدولار لدى البنك المركزي المصري، الأمر الذي خفض به سعر البيع إلى 15.75 جنيه خلال تعاملات الشهر الماضي.
ليقوم المستثمرون الأجانب بتسييل استثماراتهم في أذون الخزانة، وشراء الدولار بسعر 15.75 جنيه، ليحققوا فرق عملة نحو 2.25 جنيه في أقل من شهر، أي 12.5 في المائة تقريباً على الدولار.
وأذون الخزانة عبارة عن أداة دين حكومية تصدر بمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى عام. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، توقع وزير المالية عمرو الجارحي أن تتدفق استثمارات أجنبية في أدوات الخزانة بنحو 11 مليار دولار في غضون عام، بفضل الإصلاحات الاقتصادية. والشهر الماضي، قال نائب وزير المالية للسياسات المالية أحمد كوجك، إن مصر جذبت استثمارات أجنبية بقيمة 2.5 مليار دولار، بما يعادل 500 مليون دولار في الأسهم المصرية وملياري دولار في أذون الخزانة المحلية خلال ثلاثة أشهر منذ تعويم الجنيه.
ويعد ما جذبته أسواق الدين والأوراق المالية في مصر، في صورة تدفقات أجنبية بعد التعويم، ضئيلا بالمقارنة بالفارق المغري للغاية لسعر العائد المعدل في ضوء المخاطر.
السياسة النقدية
أما عن السياسة النقدية لدى البنك المركزي المصري، فإذا ما صح تدخل البنك المركزي في سوق الصرف، من خلال ضخ دولارات في السوق، لتوفير الطلب على العملة الأجنبية، دون الأخذ في الاعتبار، ما سيتم تحقيقه من فروق العملة، وأسعار الفائدة على أذون الخزانة –التي هبطت نحو 1 في المائة لصالح المستثمرين الأجانب أيضاً - فإن تسهيلات الدخول والخروج المغرية، على حساب الأسعار المرتفعة جداً، ربما تخرج عن السيطرة.
وقفز معدل التضخم السنوي الأساسي في مصر إلى 33.1 في المائة في فبراير (شباط) الماضي بالمقارنة مع 30.86 في المائة في يناير.
ووفقاً لتقرير صادر عن «أرقام كابيتال» عن التضخم في مصر - فإنه من المتوقع أن تقل الضغوط التضخمية في مصر خلال الشهر الجاري، لإفساح المجال أمام ضغوط الشهور المقبلة – ففي شهر أبريل (نيسان) ستحل فيه أعياد القيامة وشم النسيم، أما شهرا مايو (أيار) ويونيو (حزيران) فسيتوافقان مع رمضان وعيد الفطر، ومن المقرر في شهر يوليو (تموز) أن ترفع الحكومة أسعار الكهرباء والوقود، ليبدأ تأثير فصل الصيف مع عيد الأضحى في أغسطس (آب)، ثم مصاريف المدارس سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، وموسم العام الجديد وأعياد الميلاد ديسمبر (كانون الأول).
وتمثل زيادة الطلب على العملة الأجنبية الناشئة عن إعادة الأرباح إلى بلد الموطن، وقيام الشركات بالتغلب على معوقات التمويل قصير الأجل، ضغوطاً تضخمية على المستهلكين أيضاً.
وكانت مصر خفضت سعر الدولار الجمركي في أول مارس إلى 15.75 جنيه من 16 جنيها وذلك وسط حالة من الغلاء الفاحش في أسعار السلع والمنتجات أدت إلى ركود في النشاط التجاري.
جذب استثمارات
تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه وزارة الاستثمار المصرية لحث الكثير من المستثمرين لزيادة استثماراتهم في البلاد، من خلال لقاءات عقدتها الوزيرة سحر نصر، مع عدة مستثمرين أبرزهم، الشيخ صالح كامل رئيس مجلس الأعمال المصري السعودي، أمس الأربعاء، مشيرة إلى أنه يتم العمل حاليا على وضع خريطة استثمارية بالتنسيق مع كافة الوزارات، والتي ستتضمن جميع الفرص الاستثمارية في المحافظات، بما تشمل من (مطارات، وموانئ، ومناطق صناعية وحرة واستثمارية) أمام المستثمرين العرب والأجانب، على أن تتوافق هذه الفرص مع رؤية مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومن جانبه، قال الشيخ صالح كامل «إنه يستثمر في مصر منذ أوائل السبعينات... والاستثمار بها مربح ودعم للعالم العربي والإسلامي»، مشيدا بجهود وزارة الاستثمار والتعاون الدولي في حل المشكلات التي تواجه المستثمرين، موضحا أن «حل الأمور المتعلقة بالتراخيص سيساهم في زيادة الاستثمارات في مصر».
والتقت الوزيرة أيضاً، بإيفان سوركوس السفير الجديد لوفد الاتحاد الأوروبي في القاهرة، مشيرة إلى أن وزارة الاستثمار تعمل حاليا على تقديم كافة التسهيلات لزيادة استثماراتهم بجانب اهتمامها بدعم المشروعات التنموية. كما عقدت الوزيرة اجتماعا مع الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين برئاسة محمد فريد خميس، وأوضحت أن هناك تكليفات لها بالتحرك سريعا من أجل جذب مزيد من الاستثمارات.
واعتمد أمس مجلس النواب الحسابات الختامية للموازنة العامة للعام المالي 2014-2015. التي كشفت عن تحقيق عجز كلي بقيمة 279.4 مليار جنيه (15.5 مليار دولار) تمثل 11.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأكد عمرو الجارحي وزير المالية أن السياسة المالية نجحت في تخفيض فوائد الدين العام من 199.1 مليار جنيه، إلى نحو 193 مليارا، وتخفيض شراء السلع والخدمات اللازمة لعمل الجهاز الإداري للدولة من 34.9 مليار جنيه إلى 31.3 مليار.
وأضاف، أن الخزانة العامة سددت قروضا محلية وأجنبية بنحو 236.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2014-2015، وهو ما يزيد بنحو 107.5 مليار جنيه عن العام المالي السابق بنسبة ارتفاع 119.9 في المائة، وتلقت مصر منحا في ذلك العام بنحو 25.4 مليار جنيه مقابل 95.9 مليار عام 2013-2014.
وقال الجارحي، إن دعم الخزانة العامة للمواد البترولية بلغ 73.9 مليار جنيه، ولهيئة السلع التموينية نحو 39.4 مليار جنيه، وللكهرباء 23.6 مليار جنيه، ولدعم نقل الركاب 1.6 مليار جنيه، ولدعم التأمين الصحي 839.5 مليون جنيه.