الفصائل المتشددة تلتهم «الجيش الحر»... و«درع الفرات» يجدده

أول فصيل مسلح للمعارضة لا يزال موجوداً في الجبهة الجنوبية وإدلب والغوطة

مقاتلو الجيش الحر درع الفرات
مقاتلو الجيش الحر درع الفرات
TT

الفصائل المتشددة تلتهم «الجيش الحر»... و«درع الفرات» يجدده

مقاتلو الجيش الحر درع الفرات
مقاتلو الجيش الحر درع الفرات

بعد نحو 4 أشهر على اندلاع الثورة السورية، انشقَّ العقيد في الجيش السوري رياض الأسعد عن النظام في 4 يوليو (تموز) 2011. لم يتأخر الأسعد حتى خرج، نهاية الشهر نفسه، ليعلن عن تشكيل «الجيش السوري الحر» الذي ضَمَّه مع مئات من الضباط والعناصر المنشقين الذين شكلوا في حينها حالة غير مسبوقة، تنامت مع مرور الأيام والسنوات حتى دخلت إليها المجموعات المتطرفة، وأسهمت في نهشِها من الداخل الأجندات الإقليمية والدولية المتعددة، إضافة لمساعي النظام الحثيثة لنسفِ التجربة من أساسها، من خلال وصمها بـ«الإرهاب».
اليوم، وبعد 6 سنوات على 15 مارس (آذار) 2011 يوم انطلاق الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية ضد عائلة الأسد التي حكمت بيدٍ من حديد طيلة أربعين عاماً، لا تبدو المعارضة السورية بأفضل حالاتها مع استمرار انقساماتها العسكرية والسياسية، والأهم بعد دخول القوى الدولية بجيوشها إلى الأراضي السورية لتنشئ لنفسها قواعد عسكرية ترسّخ مفهوم مناطق النفوذ الذي يمهِّد بدوره لحل سياسي للأزمة يقوم على تقسيم البلاد.
وقد باتت القوى العسكرية الناشطة على الأرض السورية تسيّرها، وأكثر من أي وقت مضى، الأطراف الدولية الكبرى؛ فبعد أن كانت التطورات الميدانية في السنوات الماضية هي التي تحدِّد مسار الأمور على طاولة المفاوضات، انقلبت الأمور، العام الماضي، وباتت التفاهمات الدولية هي التي ترسم الخطوط الحمراء فعلياً على الأرض.
ولعل أبرز التطورات التي شهدها الملف السوري، العام الماضي، لجهة العمل العسكري، دخول تركيا بقواتها إلى مناطق شمال سوريا، حيث لا تزال تدعم قواتٍ معارِضة للنظام تحمل اسم «قوات درع الفرات»، ومعظمها من عناصر «الجيش الحر». وقد تمكنت هذه القوات من السيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس إلى أعزاز شمالاً، وفي عمق 30 كلم نحو الباب والحدود الإدارية لمنبج، راسمة بذلك ملامح «المنطقة الآمنة» التي لطالما سعت إليها تركيا.
ومن أبرز الأحداث التي طبعت المشهد العسكري في سوريا أخيراً إعلان واشنطن عن إرسال 400 من عناصر مشاة البحرية (المارينز) إلى سوريا لدعم قوات محلية، في معركة استعادة مدينة الرقة، لينضموا إلى 500 عنصر أميركي سابقين كانوا يقومون بمعظمهم بدور استشاري للقوات الكردية الحليفة، التي تحارب تنظيم «داعش».
وشكّل الشمال السوري في الأشهر الماضية المسرح الأساسي للأحداث التي شهدتها سوريا، فإلى جانب الصراع التركي - الكردي والصدام بين قوات «درع الفرات» وعناصر النظام السوري على تخوم منبج والباب، كانت خسارة المعارضة لمدينة حلب نقطة تحول كبيرة زادت من تضعضع الفصائل وانقساماتها على حساب تنامي نفوذ «القاعدة» المتمثل بـ«جبهة النصرة». وبعد سلسلة من المواجهات خاضتها فصائل «الجيش الحر» بوجه الفصائل التابعة لـ«النصرة» في ريفي حلب وإدلب، أدّت إلى انهيار بعضها بالكامل، أعلن عدد من كبرى الفصائل في الشمال في يناير (كانون الثاني) عن اندماجه في مكوِّن عسكري جديد باسم «هيئة تحرير الشام»، يضم كلاً من «جبهة فتح الشام»، و«حركة نور الدين الزنكي»، و«لواء الحق»، و«جبهة أنصار الدين»، و«جيش السنَّة»، وتقوده «النصرة».
ولم يتأخر هذا الكيان الساعي لتوسيع رقعة سيطرته عن الاشتباك مع «حركة أحرار الشام»، وذلك بعدما كان قد نجح أصلاً في انتزاع عدد كبير من قياداتها وشرعييها، وأبرزهم هاشم الشيخ أبو جابر، الذي جرى تعيينه قائداً للهيئة.
وفي المقابل، أفضت حالة الصراع بين الفصائل إلى تكتُّل عدد من الفصائل ضمن صفوف «حركة أحرار الشام»، وأبرزها «كتائب ثوار الشام»، و«الجبهة الشامية»، و«تجمُّع (فاستقم كما أمرت)»، و«جيش الإسلام» في الشمال، و«صقور الشام».
ولطالما حذرت المعارضة من محاولات دولية لصبغ محافظة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل بالكامل بـ«صبغة الإرهاب» تمهيداً لشنِّ حملة عسكرية دولية عليها تقضي على أبرز معاقلها. وقد اعتبر عدد من الخبراء أن البيان الأميركي الأخير يؤكد الهواجس التي لا تكف المعارضة عن التعبير عنها. وفعلياً، فإن «هيئة تحرير الشام» تُعتبر الكيان المعارض المسلح «الأقوى» وبالتحديد من حيث العدد والعتاد، وفق مدير مركز «جسور للدراسات» محمد سرميني، الذي يرجِّح أن يتخطى عدد عناصرها، لا سيما بعد انضمام أعداد كبيرة من «أحرار الشام» إليها، 12 ألفاً، مقابل 5 آلاف عنصر ينتمون إلى «درع الفرات». وإن كان سرميني لا يتردد في اعتبار هذه القوات (أي درع الفرات التي تدعمها أنقرة) الأقربَ إلى «الجيش الحر». يُذكر أن فصائل «الحر» لا تزال أصلاً موجودة ومنتَشِرة في أنحاء سوريا، ومنها «جيش العزة» و«جيش التحرير» و«جيش النصر»، وكذلك فصائل الجبهة الجنوبية وإدلب والغوطة.
ويرى سرميني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّه، وبعكس ما قد يظهر للبعض، فإن الفصائل حالياً هي الأكثر تماسكاً من حيث اتخاذ القرارات، وهو ما انعكس في إطار مشاركتها باجتماعات آستانة السابقة، وقرارها عدم المشاركة في المؤتمر الثالث المرتَقَب خلال أيام، لافتاً إلى أن «الشرذمة الحقيقية واقعة في صفوف المعارضة السياسية، خصوصاً بعدما تحولت إلى مجموعة من المنصات».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.