«آستانة ـ 3» من دون فصائل سورية... وموسكو تلتزم الصمت

جهود مكثفة تبذلها روسيا وتركيا لإقناع المعارضة بالعدول عن قرارها

صورة تعود لسبتمبر 2016 وفيها تبدو نسوة من حمص يعبرن حي جورة الشياح وسط المدينة الذي دمره القصف (أ.ف.ب)
صورة تعود لسبتمبر 2016 وفيها تبدو نسوة من حمص يعبرن حي جورة الشياح وسط المدينة الذي دمره القصف (أ.ف.ب)
TT

«آستانة ـ 3» من دون فصائل سورية... وموسكو تلتزم الصمت

صورة تعود لسبتمبر 2016 وفيها تبدو نسوة من حمص يعبرن حي جورة الشياح وسط المدينة الذي دمره القصف (أ.ف.ب)
صورة تعود لسبتمبر 2016 وفيها تبدو نسوة من حمص يعبرن حي جورة الشياح وسط المدينة الذي دمره القصف (أ.ف.ب)

أكدت وزارة الخارجية الكازخية استكمالها كل المسائل التنظيمية الضرورية لاستضافة الجولة الثالثة من المفاوضات السورية في آستانة في موعدها المحدد يومي 14 و15 مارس (آذار)، وذلك على الرغم من إعلان وفد المعارضة السورية المسلحة عدم مشاركته في «آستانة - 3»، طالما يواصل نظام الأسد بدعم من حلفائه، انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار وفرض اتفاقيات تنتهي بالتهجير القسري للسوريين من بيوتهم. وقابلت موسكو قرار المعارضة بصمت لا يخلو من قلق على مصير عملية آستانة، مقابل جهود لاحتواء الموقف والحيلولة دون فشل الجولة الحالية من المفاوضات قبل بدايتها، هذا في الوقت الذي عاد فيه الأسد ونسف أسس العملية السياسية السورية برمتها، حين أصر في تصريحات أمس على وضع «التصدي للإرهاب» أولاً، ورفض الحديث عن المستقبل السياسي، زاعماً أن هذا أمر غير ممكن قبل «القضاء على الإرهاب».
وكان وزير الخارجية الكازخي خيرات عبد الرحمنوف، قد أعلن في كلمته أمس خلال «الساعة الحكومية» في البرلمان الكازخي، عن استكمال بلاده الترتيبات الضرورية لمفاوضات «آستانة - 3»، مؤكداً أن «الخارجية الكازخية تسلمت خطابات من روسيا تؤكد أن المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف ونائب وزير الخارجية الروسي، سيشاركان في الجولة الحالية من المفاوضات»، بينما ستكون المشاركة من جانب تركيا وإيران على مستوى «نائب وزير الخارجية». وفي حديثه حول صيغة المفاوضات قال عبد الرحمنوف، إن «هذا الأمر رهن بوجهات نظر الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، وهي التي تحدد الصيغة»، موضحاً أن «مسألة وفد الحكومة السورية ومشاركة وفد المعارضة السورية المسلحة في هذه الجولة، هي مسائل من اختصاص الدول الضامنة»، لافتاً إلى أن «بعض فصائل المعارضة السورية كانت قد عبرت عن عدم ثقتها فيما يخص الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وعدم إطلاق سراح أسرى الحرب، وحصار بعض المناطق».
وكانت فصائل المعارضة السورية المسلحة قد دعت الأسبوع الماضي إلى تأجيل المحادثات، وقالت إن عقد مزيد من الاجتماعات يعتمد على ما إذا كانت الحكومة وحلفاؤها سيلتزمون بالاتفاق حول وقف إطلاق النار في منطقة الغوطة الشرقية وأحياء في دمشق، من 7 وحتى 20 مارس. ويوم أمس أعلنت فصائل المعارضة السورية عن عدم مشاركتها في الجولة الثالثة من محادثات آستانة في 14 و15 من الشهر الحالي، وقال أسامة أبو زيد الناطق باسم الفصائل لوكالة الصحافة الفرنسية: «قررت الفصائل عدم المشاركة في محادثات آستانة» بسبب «عدم تنفيذ أي من التعهدات الخاصة بوقف إطلاق النار» الذي تم التوصل إليه برعاية روسية تركية في 30 ديسمبر (كانون الأول). وقال أحمد عثمان قائد فصيل السلطان مراد القريب من تركيا: «اتخذنا القرار بعدم المشاركة لأنه لم يتم الالتزام بتثبيت وقف إطلاق النار»، مضيفا: «أبلغنا قرارنا إلى جميع الأطراف» الراعية للمحادثات، موضحاً أن «قوات النظام والميليشيات ما زالت تواصل القصف والتهجير والحصار».
وبينما تجنبت الدبلوماسية الروسية التعليق على قرار المعارضة برفض المشاركة في «آستانة - 3»، بحث وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، التحضيرات لها، خلال اتصال هاتفي بينهما أمس، بمبادرة من الجانب التركي. وقالت الخارجية الروسية إن الوزيرين بحثا كذلك «تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بتثبيت وقف الأعمال القتالية، وإطلاق عملية مفاوضات مثمرة بين السوريين». وأكدت مصادر متقاطعة من العاصمتين الروسية والكازخية، لـ«الشرق الأوسط»، أن جهودا مكثفة تبذلها روسيا وتركيا عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية لإقناع المعارضة السورية بالعدول عن قرارها مقاطعة المفاوضات. وقال المصدر من موسكو إن الحديث يدور عن بعض الخطوات الميدانية في سوريا، بغية تهيئة أي قدر ممكن من المناخات الملائمة لمواصلة العملية، لافتاً إلى إمكانية بحث كل القضايا العالقة خلال المفاوضات، و«المقاطعة لن تحل الأمور بل ستزيدها تعقيداً»، لافتاً في الوقت ذاته إلى «اتصالات سياسية لاحتواء الوضع».
من جانبه أكد يحيى العريضي، مستشار وفد المعارضة في مفاوضات آستانة وجنيف أن «جهات كثيرة» تحاول إقناع المعارضة بالعدول عن قرارها. وفي إشارة إلى ممارسات نظام الأسد، قال العريضي لـ«الشرق الأوسط»، جوابنا على تلك المحاولات: «لا بد أن تضغطوا على من يقوّض آستانة بعدم التزامه بما تم التوقيع عليه»، معربا عن قناعته بأن «رئاسة الجعفري لوفد النظام دليل على عدم الجدية» في التعامل مع عملية آستانة.
في خلفية هذا المشهد أطل رأس النظام السوري أمس، عبر حوار صحافي مع وسائل إعلام أوروبية، نسف خلاله أسس العملية السياسية السورية جملة وتفصيلاً، حين عاد وأكد أن «الأولوية في الوقت الحالي هي التصدي للإرهاب، وكذلك المصالحات المحلية في مختلف المناطق في البلاد»، زاعماً أنه «بعد تنفيذ هذه المهام يمكن أن يدور الحديث حول بحث أي مسائل أخرى». وكان وفد النظام السوري قد أصر على إدراج «التصدي للإرهاب» على جدول أعمال المفاوضات السياسية في «جنيف – 4» إلى جانب «سلات» أخرى رئيسية وضعها المبعوث الدولي سيتفان دي ميستورا على جدول الأعمال، وفق القرار 2254، وهي «الحكم، والدستور، والانتخابات»، ويحذر مراقبون من أن إصرار النظام على «الإرهاب أولاً» سيؤدي إلى تقويض كل الجهود الدولية حول الأزمة السورية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».