في خطوة عدت انتصارا دبلوماسيا للمغرب، راعى قرار مجلس الأمن حول نزاع الصحراء التحفظات التي أبدتها الرباط قبل أسبوعين إزاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وأعربت وزارة الخارجية المغربية أمس عن ارتياحها لمصادقة مجلس الأمن، بإجماع أعضائه على القرار.
وذكر بيان للوزارة أن مجلس الأمن يؤكد من خلال هذا القرار، بشكل قوي ومن دون أي لبس، النهج الذي اتبعه خلال السنوات الأخيرة في معالجة هذه القضية.
وأضاف البيان أنه بذلك يكون أعضاء المجلس قد جددوا دعمهم للمسلسل الحالي الرامي إلى تيسير التوصل إلى حل، وأخذوا بشكل جلي مسافة إزاء التوصيات الخطيرة، والتلميحات المستفزة، والمقاربات المنحازة، والخيارات الخطيرة، التي تضمنها التقرير الأخير للأمانة العامة للأمم المتحدة.
وكان التقرير الأخير قد أثار حفيظة الرباط لأنه عد نزاع الصحراء قضية تصفية استعمار من منظور مجلس الأمن. وأعلن المغرب أن مجلس الأمن ليس مكلفا تصفية الاستعمار، بل مكلف تصفية النزاعات الإقليمية التي لديها تأثير على الأمن والسلم العالميين.
وفي سياق ذلك، مدد أمس مجلس الأمن مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو» لسنة واحدة إلى غاية 30 أبريل (نيسان) 2015، مجددا دعوته إلى الجزائر لإحصاء سكان مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر).
وترى الرباط أن مجلس الأمن يتعامل مع ملف الصحراء على أساس أنه نزاع إقليمي، وبالتالي فإن محاولة جعل النزاع مسألة تصفية استعمار هو تغيير في طبيعة تعاطي مجلس الأمن مع الموضوع.
وانتقدت الرباط تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أيضا لكونه أشار إلى انه إذا لم يحصل تقدم لجهة إيجاد حل لنزاع الصحراء في غضون عام 2015، فإن المجلس سيكون مطالبا بإيجاد تصور آخر بشأن ذلك، وعدت هذا المعطى المتضمن في التقرير بأنه يطرح عدة تساؤلات من بينها أن الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس تحدثا عن مقاربة جديدة للتعاطي مع الملف من ضمنها الزيارات المكوكية التي أعلن عنها الوسيط الدولي، بيد أنهما لم يعبدا الطريق لهذه المقاربة حتى تطبق على أرض الواقع، بل حكم عليها بالوأد قبل ولادتها.
وتوقفت الرباط كذلك عند نقطة أساسية تتعلق بأسس التفاوض، وقالت إنها ليست بيد الأمين العام للأمم المتحدة، بل بيد مجلس الأمن، نظرا لكونه هو من قرر في 2007 إطلاق المسلسل السياسي التفاوضي الحالي، مشيرة إلى أن المغرب لديه حرص شديد للمحافظة على هذا المسلسل الهادف إلى تحقيق تسوية سلمية للنزاع، وبالتالي فإنها إذا لاحظت وجود بعض الانزلاقات والمخاطر التي تهدد هذا المسلسل، فإنها ستثير الانتباه إلى ذلك.
وسبق لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن دعا إلى أعمال آلية مستقلة لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء وتندوف، وهو المطلب الذي أزعج سلطات الرباط، التي وصفت تقرير كي مون المتحيز.
وذكر بيان الخارجية المغربية بأن الملك محمد السادس، كان قد أبرز خلال اتصاله الهاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة ضرورة الاحتفاظ بمعايير التفاوض، كما حددها مجلس الأمن، والحفاظ على الإطار والآليات الحالية لانخراط منظمة الأمم المتحدة، بل إن مصادر مطلعة تحدثت آنذاك لـ«الشرق الأوسط» عن إمكانية إنهاء مهام بعثة «مينورسو» فوق التراب المغربي إذا لم يجر تصحيح الانزلاقات التي تضمنها تقرير الأمانة العامة للأمم المتحدة، نظرا لأن «مينورسو» استنفدت مهامها التي قامت من أجلها، أي الإشراف على وقف إطلاق النار، والإشراف أيضا على عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء بالصحراء، وهي عملية وصلت إلى طريق مسدود، وباءت بالفشل منذ زمن مضى.
وأكد البيان المغربي، على المستوى السياسي، أن قرار مجلس الأمن يحافظ على الإطار والمعايير الخاصة بعملية تيسير التوصل إلى حل التي تقوم بها الأمم المتحدة لإنهاء هذا النزاع الإقليمي.
وبالفعل، يضيف المصدر ذاته، فإن مجلس الأمن يؤكد على مركزية المفاوضات كسبيل وحيد لتسوية هذا النزاع، ويجدد التأكيد على وجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي وصفت الجهود المبذولة لبلورتها بـ«الجدية وذات المصداقية»، ويدعو إلى إجراء مفاوضات على أساس «الواقعية وروح التوافق» من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي لهذا النزاع الإقليمي.
وأكدت وزارة الخارجية المغربية أن قرار مجلس الأمن «يؤكد بصفة خاصة على البعد الإقليمي للنزاع، ويدعو الجزائر إلى تحمل مسؤوليتها على ثلاثة مستويات: أولا، الانخراط، بشكل بناء ومباشر في مسلسل البحث على الحل السياسي، ما دام يطالبها من جديد بالتعاون بشكل أكبر وكامل مع منظمة الأمم المتحدة ومع باقي الأطراف، والانخراط بشكل أوثق من أجل وضع حد للمأزق الحالي والمضي قدما نحو حل سياسي».
وفي علاقة مع مسؤولياتها بخصوص الوضعية البشرية والإنسانية غير المسبوقة التي تسود داخل مخيمات تندوف، حث قرار مجلس الأمن الجزائر من «جديد على العمل من أجل إحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف والتشجيع على بذل مجهودات في هذا الصدد»، يضيف البيان.
وأوضح البيان أن الجزائر مدعوة على مستوى تعزيز التعاون الإقليمي، ما دام المجلس اعترف مجددا بأن «الحل السياسي لهذا الخلاف الذي طال أمده، وتقوية التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي سيسهمان في استقرار وأمن منطقة الساحل».
وأبرز البيان أنه فيما يخص البعد الإنساني، أبرز القرار مبادرات المغرب في مجال تعزيز والنهوض وحماية حقوق الإنسان، منوها بـ«الإجراءات والمبادرات الأخيرة التي اتخذها المغرب من أجل تعزيز اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بمدينتي الداخلة والعيون، وتفاعل المملكة مع التدابير الخاصة لمجلس حقوق الإنسان».
ويرى بيان وزارة الخارجية أنه تبعا لذلك، فإن مجلس الأمن يقر بوجاهة المقاربة المتبعة من قبل المملكة المغربية في إطار مسلسلها الوطني للإصلاحات على مجموع ترابها الوطني بما في ذلك الأقاليم الجنوبية (الصحراء)، وهي مقاربة ترتكز على تعزيز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، على التفاعل الإيجابي مع التدابير الخاصة للأمم المتحدة، طبقا لالتزاماته المترتبة عن الاتفاقيات الدولية التي تعد المملكة المغربية طرفا فيها.
من جهته، أعرب ممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة، أحمد البخاري، عن تثمين الجبهة لمجلس الأمن في الالتزام والتأكيد مجددا على العمل من أجل تسوية نزاع الصحراء عبر حل يقوم على قاعدة احترام حق تقرير المصير.
وأبرز البخاري في تصريح عقب مصادقة مجلس الأمن على قرار بشأن نزاع الصحراء، أن جبهة البوليساريو تتقاسم التقييم والتوصيات المقدمة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الموجه إلى مجلس الأمن، وخاصة الحاجة الملحة للأمم المتحدة بأن تبقى ملتزمة بالمرجعية القانونية حتى يجري حل النزاع بطريقة كاملة.
وتأسف البخاري لوضع بعثة المينورسو كونها تظل البعثة الأممية الوحيدة التي لا تضطلع بمسؤولية مراقبة حقوق الإنسان.