مزارعو غزة يواجهون «حرباً» إسرائيلية

مزارعو غزة يواجهون «حرباً» إسرائيلية
TT

مزارعو غزة يواجهون «حرباً» إسرائيلية

مزارعو غزة يواجهون «حرباً» إسرائيلية

في غرفة صغيرة داخل إحدى أراضيه الزراعية الواقعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يقضي المزارع أحمد البريم (53 عاماً) ساعات طويلة يتفقد إلى جانب أبنائه محاصيلهم الزراعية بقلق، فيما يتابعون جنوداً إسرائيليين يتحركون بآلياتهم وسياراتهم العسكرية على السياج الأمني القريب من أراضيهم، ويطلقون النار باتجاههم تارة ويلقون قنابل دخان تارة أخرى.
ولا يكاد يمر يوم واحد على المزارع البريم من دون أن يتعرض، كما كثير من المزارعين، لإطلاق نار من قبل الاحتلال، بالأسلحة الرشاشة في بعض الأحيان، ما يضطرهم فوراً إلى مغادرة أراضيهم حفاظاً على حياتهم. وتستهدف القوات الإسرائيلية المزارعين على طول حدود غزة بشكل شبه يومي، ما يتسبب في أحيان كثيرة بإتلاف محاصيل، وحدوث إصابات أو أضرار في غرف زراعية يقطن فيها المزارعون للراحة من جهد العمل. ويصف البريم ما يجري مع المزارعين بأنه «حرب إسرائيلية خاصة غير معلنة» تستهدفهم في المقام الأول لحرمانهم من الوصول إلى أراضيهم القريبة من الحدود، ولمنعهم من زراعة تلك الأراضي، مشيراً إلى أنهم «لا يتعرضون فقط لإطلاق النار وإلقاء القنابل الدخانية، بل إن الاحتلال يستخدم أساليب عدة في محاربتهم».
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الاحتلال «يستخدم مراراً وتكراراً الطائرات الزراعية الصغيرة التي يرش من خلالها مواد سامة تعمل على حرق وقتل المزروعات التي نعمل أياماً طويلة في زراعتها»، مشيراً إلى أن «هذه العملية تكررت نحو ثماني مرات منذ بداية العام الحالي ما كبدنا خسائر فادحة».
واتهم الاحتلال بـ«تعمد رش مواد سامة لحرق المزروعات حلا بديلا في كثير من الأحيان عن عمليات التجريف التي تستهدف أراضينا الزراعية من خلال التوغلات التي كانت تقوم بها قواته في المناطق الحدودية». وأشار إلى أن هذه التوغلات لم تتوقف، لكنها أصبحت أقل، وتكون قريبة جداً من الجدار الأمني لعشرات الأمتار فقط.
وأضاف بلهجته العامية البسيطة: «نحن هنا نزرع ونتعب ونشقى مشان (كي) نعيش إحنا وأولادنا، وبلحظة واحدة بيروح كل حاجة بسبب الاحتلال». ويحاول المزارعون حصد محاصيلهم مبكراً منعاً لتعرضها للرش بمواد سامة من قبل الاحتلال أو إلقاء قنابل دخانية تكبدهم خسائر فادحة. ويدور الحديث عن مساحة أراضي في المنطقة الحدودية تمثل 25 في المائة من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وغالبيتها أراضٍ مزروعة. ويعمل في هذه الأراضي التي تمثل سلة غذاء مهمة لسكان القطاع نحو 30 ألف مزارع يعيلون نحو 10 في المائة من أهالي غزة البالغ عددهم نحو مليون ونصف المليون. وقال رئيس قسم المكافحة المتكاملة في وزارة الزراعة في غزة أدهم البسيوني، إن «السلطات الإسرائيلية تقدم سنوياً على رش المناطق الحدودية الشرقية للقطاع من غير أي إشعار للفلسطينيين، وبالتالي يتكبد المزارعون خسائر فادحة»، مشيراً إلى «تأثر وتضرر نحو 4 آلاف دونم بفعل ذلك». وتختلف خسائر القطاع الزراعي من عام لآخر، بحسب حجم الهجمة الإسرائيلية. وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة في صيف 2014، بلغت الخسائر أكثر من 251 مليون دولار، فيما بلغت الخسائر غير المباشرة 150 مليون أخرى، حيث دمر الاحتلال آلاف الدونمات من تلك الأراضي.
ويقول المزارع عبد الله النجار إن «الاحتلال يتعمد في موسم حصاد محاصيل القمح والشعير إلقاء قنابل دخانية لإحراقها بدعوى أنها تؤثر على رؤية الجنود للمناطق الحدودية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاحتلال يحاول محاربتنا في لقمة عيشنا بطرق مختلفة وحرماننا من دخول أراضينا التي يسعى إلى تحويلها إلى منطقة أمنية عازلة»، لكنه شدد على أن المزارعين «متمسكون بالأرض في مواجهة الأساليب الإسرائيلية الهادفة للسيطرة عليها».
ولفت إلى أن أراضيه تعرضت للرش بمواد سامة ثلاث مرات منذ منتصف العام الماضي وحتى بداية العام الجديد، ما تسبب له بخسائر كبيرة ازدادت معها معاناته، خصوصاً أنه اقترض من شقيقه لشراء مواد يستخدمها في الزراعة وكان ينوي سداد تلك الأموال من ربح بيع المحاصيل التي أبيدت بسبب الرش بالمواد السامة.
وأضاف أن «الاحتلال يشدد الخناق علينا ويهدد حياتنا التي قد نفقدها في أي لحظة بسبب إطلاق النار المتعمد في ساعات الصباح والمساء يومياً». ورأى أن «مهنة الزراعة في المناطق الحدودية من المهن الخطيرة التي يضطر إليها المزارعون لكسب لقمة عيشهم وتأمين مستقبل أبنائهم». وأشار إلى أن منظمات دولية، منها «الصليب الأحمر»، حاولت أكثر من مرة التوصل إلى اتفاق مع الاحتلال يمنع استهداف المزارعين ويسمح لهم بالعمل في المناطق التي كان يعتبرها «عازلة» في مسافة لا تقل عن 300 متر بجوار السياج الأمني، موضحاً أن «الاحتلال كان يوافق على مثل هذه المقترحات ويتهرب منها فيما بعد».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.