على حاجز تابع لفصائل كردية وعربية في شمال سوريا، تجلس سيدة ستينية مرهقة ومتألمة في خلفية شاحنة محاطة بحاجياتها، على غرار مئات المدنيين الفارين من «داعش»، والذين ينتظرون منذ ساعات طويلة انتهاء عمليات التفتيش للعبور إلى وجهتهم.
ومنذ مطلع الشهر الحالي، نزح عشرات الآلاف من المدنيين هربا من كثافة القصف والغارات المواكبة لهجوم تشنه قوات النظام السوري على مناطق سيطرة التنظيم المتطرف في ريف حلب الشرقي. إلى جانب زوجته التي تعاني منذ أسابيع من كسر في قدمها لم تتمكن من علاجه، يجلس نوري حسن عبد الله، في أواخر الستينات من عمره، في صندوق الشاحنة المتوقفة على بعد عشرات الأمتار من حاجز لمجلس منبج العسكري المنضوي في صفوف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا على أطراف مدينة منبج.
ويقول الرجل بحيرة وانفعال: «منذ مجيئنا، تم تفتيشنا مع أغراضنا ثلاث مرات والتدقيق في الهويات ودفتر العائلة»، مضيفا: «فقدت هوية زوجتي جراء كثرة الإجراءات الأمنية على الحاجز ولا أعرف ماذا أفعل الآن وكيف أكمل طريقي».
ونزح الرجل وزوجته قبل أسبوع من بلدة مسكنة التي يسيطر عليها تنظيم داعش وتتعرض لغارات سورية وروسية كثيفة منذ أيام، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويوضح بحسرة «أنا مضطر للمرور لكي أصطحب زوجتي إلى الشام (دمشق)... لعلاج قدمها. لا يهمني سوى العبور بسلام»، قبل أن تقاطعه قائلة بصوت منخفض: «تعذبت كثيراً وآمل أن أشفى».
وبدأت قوات النظام السوري بدعم روسي هجومها في ريف حلب الشرقي منذ منتصف يناير (كانون الثاني) وتمكنت من انتزاع أكثر من 110 قرى وبلدات من أيدي المتشددين، بعد قصف وغارات كثيفة جداً. وتصل مئات العائلات تباعا سيرا على الأقدام أو على متن سيارات وشاحنات أو حافلات صغيرة إلى أطراف مدينة منبج وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية. ويضطرون للانتظار لساعات مع أطفالهم وأحيانا لأيام قبل السماح بدخولهم إلى منبج تمهيداً للبقاء فيها أو إكمال طريقهم نحو مناطق أخرى.
قرب حاجز آخر تابع لشرطة مجلس منبج العسكري، يقع على مدخل قرية السعيدية القريبة من مدينة منبج أيضا، يتجمع المدنيون في ساحة مخصصة للتفتيش وينتشر بينهم عناصر من الشرطة الكردية.
وفي سيارة محملة بالأغراض، يجلس عبد اللطيف الخلف (29 عاماً) وهو يربط يده جراء إصابته برصاص أطلقه مقاتلو تنظيم داعش عليه أثناء فراره مع والدته وآخرين من قريته (صلمة)، القريبة من بلدة الخفسة. ويقول الخلف وإلى جانبه والدته وفي المقعد الخلفي شاب آخر أصيب بطلق ناري في قدمه خلال انتظارهم الحصول على إذن للتوجه إلى منبج «أطلق عناصر (داعش) الرصاص علينا لدى هروبنا قبل أربعة أيام باتجاه الخفسة عند الرابعة فجرا».
وتسعى قوات النظام إلى طرد مقاتلي التنظيم من بلدة الخفسة ومحيطها بسبب مضخة مياه على أطرافها والتي تغذي مدينة حلب التي تعاني منذ خمسين يوماً من انقطاع المياه بعد تحكم التنظيم بعملية الضخ، وفق المرصد.
وتخضع عناصر مجلس منبج العسكري فارة من منطقة المعارك والغارات جنوب وشرق مدينة الباب لعمليات تفتيش دقيقة بحثاً عن مطلوبين ترد أسماؤهم في قوائم بحوزتهم، وخشية من تسلل مقاتلي «داعش» في صفوفهم. يقول محمد أحمد السعدون وهو عنصر على الحاجز، إن عملية تفتيش الرجال تشمل التدقيق في أجسادهم بحثاً عن «كدمات نتيجة ارتداء الجعبة العسكرية أو الحزام الناسف، أو آثار على الأصابع جراء كثرة الضغط على الزناد أو علامات إصابة حديثة بطلق ناري أو شظية».
وغالبا ما يلجأ المتشددون إلى التنكر والتسلل بين المدنيين للهرب من المناطق التي تكون تحت سيطرتهم وتتعرض لهجوم وقصف كثيف من خصومهم.
داخل مكتبه في الطبقة الثانية من مبنى يتوسط مدينة منبج، يشرح المتحدث الرسمي باسم شرطة منبج محمود عثمان خلف للوكالة الفرنسية: «ألقينا القبض على عشرين متسللاً من (داعش) بين النازحين إلى منبج وهم قيد التحقيق حالياً».
انتظار طويل للنازحين شمال سوريا خشية تسلل عناصر «داعش»
انتظار طويل للنازحين شمال سوريا خشية تسلل عناصر «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة