قطعت قوات سوريا الديمقراطية، أمس وبدعم من التحالف الدولي طريق الإمداد الرئيسي لتنظيم داعش بين الرقة شمالاً أبرز معاقلهم في سوريا ودير الزور شرقاً، في إطار عملية عسكرية مستمرة منذ أشهر. وجاء هذا التقدم بعد تسريبات «البنتاغون» الإعلامية، أول من أمس، عن خطته لتحرير الرقة من التنظيم، في الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إريك باهون، لـ«الشرق الأوسط»، إن الخطة واسعة وتشمل مجالات عدة، وشاركت فيها أكثر من وزارة أميركية.
وقال إريك باهون: «قدمنا خطتنا لهزيمة (داعش) للرئيس الأميركي دونالد ترمب. وهي خطة واسعة تشمل مجالات عدة، وشاركت فيها أكثر من وزارة أميركية، باعتبار أن هزيمة التنظيم الإرهابي لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل جوانب دبلوماسية».
وعند سؤاله عما إذا كانت واشنطن تدرس رفع عدد قواتها بسوريا استعداداً لمعركة الرقة، استعار باهون عبارة الرئيس الأميركي ترمب «لا نودّ أن يعلم (داعش) بخططنا»، إلا أنه قال في الوقت ذاته إن «التقرير يشمل جميع الاعتبارات بكل تأكيد»، في إشارة إلى إمكانية تعزيز القوات على الأرض. أما إذا كان «البنتاغون» قد استعان بآراء حكومات أجنبية في إعداد التقرير، أوضح إريك أن «واشنطن في تواصل مستمر مع جميع حلفائها بالتحالف الدولي لمكافحة (داعش)»، متابعاً أنها تتواصل مع تركيا (حول الملف السوري) بشكل يومي.
وينتظر أن يبتّ البيت الأبيض في الخطة التي عرضها البنتاغون خلال الأيام المقبلة، وأن يطعّمها بملاحظات الرئيس وفريق الأمن الوطني.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من قطع طريق الإمداد الرئيسي لتنظيم داعش بين مدينة الرقة ومحافظة دير الزور الواقعة تحت سيطرته شرقاً بغطاء جوي من التحالف الدولي»، مشيرا إلى أن هناك طرقا أخرى فرعية يمكن للتنظيم استخدامها إلا أنها مرصودة من قبل طائرات التحالف».
وأكد قيادي في قوات سوريا الديمقراطية للوكالة نفسها: «قطع الطريق الاستراتيجي لـ(داعش) والذي يصل بين الرقة ودير الزور، صباح أمس»، واصفا هذا التقدم بـ«الانتصار الاستراتيجي لقواتنا من شأنه زيادة الحصار على (داعش)».
كذلك قال مصدر عسكري كردي لوكالة «رويترز» إن تقدم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة يعني أن كل الطرق البرية للخروج من الرقة أصبحت الآن مقطوعة، وأن الطريق الوحيد المتبقي يقع عبر نهر الفرات جنوباً. وأضاف: «هذا انتصار كبير، لكن لا يزال هناك الكثير لتحقيقه».
ويسيطر التنظيم منذ عام 2014 على الرقة، وعلى كامل محافظة دير الزور النفطية، باستثناء أجزاء من مركز المحافظة والمطار العسكري القريب منها. وأعلن في يونيو (حزيران) من العام ذاته قيام «دولته» على مناطق سيطرته في سوريا والعراق المجاور.
ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت قوات سوريا الديمقراطية هجوماً واسعاً في محافظة الرقة بغطاء جوي من التحالف الدولي، وتمكنت من إحراز تقدم نحو مدينة الرقة من ثلاث جهات الشمالية والغربية والشرقية. وتبعد أقرب نقطة تتواجد فيها على بعد ثمانية كيلومترات شمال شرقي الرقة.
وتعتبر مشاركة «وحدات حماية الشعب» في الحملة من أجل السيطرة على الرقة نقطة خلاف رئيسية بين الولايات المتحدة وحليفتها تركيا.
وفي حين تتمسك تركيا بضرورة أن تحول واشنطن دعمها في الهجوم على الرقة من وحدات حماية الشعب الكردية إلى مقاتلين سوريين دربتهم أنقرة وتقودهم في قتال «داعش»، سربت خطة البنتاغون حول تحرير الرقة متجاهلة التحفظات التركية خصوصاً لجهة مشاركة «وحدات حماية الشعب» الكردية فيها.
وقال رئيس مركز الدراسات الكردية نواف خليل لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك ما هو مفاجئ في قرار واشنطن التي بات موقفها معروفا لجهة دعم الاتحاد الديمقراطي، واعتبار «سوريا الديمقراطية» الطرف الأساسي في محاربة «داعش»، ويتجسد هذا الأمر عبر الدعم الأميركي من النواحي اللوجستية والعسكرية، مضيفاً: «الإعلان عن هذه الخطة حسم كل الجدل، بما فيه الاعتراض التركي، والأيام المقبلة ستتضح الصورة بشكل أكبر».
وتدعو الخطة إلى نشر مزيد من قوات العمليات الخاصة الأميركية والمروحيات الهجومية والمدفعية، إضافة إلى تعزيز إمدادات الأسلحة إلى «قوات سوريا الديمقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد، وإطلاق يد القادة الميدانيين، تبعاً لما أفاد به مسؤولون أميركيون.
وحسب المسؤولين المعنيين، تمثل هذه الخطة الخيار المفضل لدى المؤسسة العسكرية من بين مجموعة متنوعة من الخيارات، مطروحة حالياً على البيت الأبيض.
ومع اقتراب المعارك أكثر وأكثر من معقله في سوريا، يشدد تنظيم داعش من قواعده الصارمة في مدينة الرقة. وقال أبو محمد الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت»، التي تنشط سراً في المدينة منذ أبريل (نيسان) 2014، وتوثق انتهاكات وممارسات التنظيم: «هناك حالة استنفار في المدينة»، مشيراً إلى الزيادة الكبيرة في عدد الحواجز الأمنية والاعتقالات الواسعة. وأوضح: «أكثرية الأشخاص الذين يعتقلونهم يتم إعدامهم، كما يعتقلون أي شخص يقول إن الوضع سيء».
ويغذي التنظيم منذ سيطرته على الرقة الشعور بالرعب بين الناس من خلال الإعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقها على كل من يخالف أحكامه أو يعارضه. وفرض التنظيم خلال الفترة الأخيرة «الزي الأفغاني» على سكان الرقة، بحسب المرصد السوري وحملة «الرقة تذبح بصمت».
وبحسب عبد الرحمن، فإن الهدف من «الزي الأفغاني» وهو عبارة عن جلباب قصير وبنطال واسع قصير، هو «ألا يتمكن المخبرون من التفريق بين مقاتل ومدني أثناء إعطاء الإحداثيات لطائرات التحالف»، أو في حال تقدم خصوم التنظيم أكثر باتجاه المدينة.
وأوضح أبو محمد أن مصير من لا يلتزم بالزي الجديد الذي فرضه الجهاديون منذ نحو أسبوعين «السجن والغرامة المالية»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أهالي الرقة يحاولون الالتفاف على هذا الأمر عبر خياطة «جلابيب قصيرة» وارتدائها.
ويتوافد إلى مدينة الرقة حالياً أفراد عائلات المقاتلين، وكذلك مدنيون يفرون من المعارك العنيفة بين الجيش السوري وتنظيم داعش في ريف حلب الشرقي.
وأفاد المرصد أن «الآلاف من عوائل المدنيين حاولوا الوصول إلى داخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، ترافقهم نحو 120 عائلة لمقاتلين وقياديين في صفوف التنظيم». وأوضح أن التنظيم «سمح فقط لعائلات المقاتلين بالعبور عبر منحهم ورقة عليها «عائلة مجاهد في الدولة الإسلامية»، ثم نقلهم إثر ذلك عبر قوارب إلى شرق الفرات» حيث مدينة الرقة.
«سوريا الديمقراطية» تقطع طريق إمداد «داعش» بين الرقة ودير الزور
البنتاغون لـ«الشرق الأوسط»: نتواصل يومياً مع تركيا حول الوضع السوري
«سوريا الديمقراطية» تقطع طريق إمداد «داعش» بين الرقة ودير الزور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة