سيطر مسلحون، يشتبه أنهم موالون للجماعة الليبية المقاتلة، أمس، على منظومة الأمن في ليبيا، وذلك بعد نحو ست سنوات من الصراع عليها بين جماعة الإخوان المسلمين و«المقاتلة».
وتضم المنظومة معطيات جوازات السفر وحركة دخول وخروج الليبيين وغير الليبيين عبر منافذ الدولة البرية والجوية والبحرية، وكذلك كل ما يتعلق بالجنسية، فضلا عن أرشيف ضخم عن الجماعات المتطرفة والسياسيين والجواسيس والمراقَبين والمحكومين في القضايا المختلفة.
وفيما لم تتبن «الجماعة المقاتلة» الهجوم حتى وقت كتابة هذه السطور كما لم تعلن أي جهة ليبية مسؤولة موقفها مما حدث، أبلغ ثلاثة ضباط من «جهاز أمن المعلومات» في طرابلس «الشرق الأوسط» أمس عن اقتحام قوة يقودها زعيم ميليشيا موالية للجماعة التي تأسست في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، لمبنى إدارة أمن المعلومات والسيطرة عليه، وذلك بعد نحو شهرين من قرار رئيس المجلس الرئاسي بضم هذه الإدارة إلى «الحرس الرئاسي» التابع له، مع الإبقاء على الهيكل الوظيفي كما هو، بما في ذلك استمرار الضابط المسؤول عنه منذ عهد معمر القذافي في عمله، وهو العقيد بشير لامين.
ولم يتسن التواصل في حينه مع مصادر من المجلس الرئاسي للحصول على تعليق.
وقال موظف كبير في الإدارة التي تعد أكبر منظومة للأمن في ليبيا: «يضم الجهاز المعلومات التي تخص ليبيا وجوازات السفر، ومنظومة الدخول والخروج من البلاد. الألوف والألوف من الوثائق... منها أوراق وتسجيلات وملفات إلكترونية، محفوظة في مبنى الإدارة المكون من خمسة طوابق». ويقع أمام مقر رئاسة الوزراء، في طريق السكة في طرابلس، وهو نفس المبنى الذي كان يعرف في العهد السابق باسم «مبنى الأمن الداخلي».
وحذر مسؤول سابق في نظام القذافي من تأثير هذه الخطوة من جانب ميليشيات موالية للجماعة المقاتلة، على مستقبل السراج والمجلس الرئاسي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: جرت عملية تضليل للمراقبين. فبينما الأنظار تتجه إلى الصراع على الموانئ النفطية، بين ميليشيات موالية لتنظيم القاعدة، والجيش، قام فرع «القاعدة» في طرابلس بالهجوم على مبنى المعلومات. وأضاف: «هذا يأتي في سياق التحركات التي تقوم بها الجماعة المقاتلة للسيطرة على طرابلس وطرد المجلس الرئاسي منها، وإحلال حكومة الإنقاذ التي يرأسها خليفة الغويل مكانها».
وشدد على خطورة استيلاء الجماعة المقاتلة على منظومة جوازات السفر وعلى ملفات المتابعة الأمنية التي قال إنها تشمل جميع أنحاء ليبيا، من الحدود المصرية الليبية، إلى الحدود مع تونس والجزائر والدول الأفريقية في الجنوب. وقال: «يبدو أنهم يريدون السيطرة على منافذ الدولة، وإخراج السراج من الساحة، ووضع مجلس النواب والجيش في مأزق».
وأضاف أن الأمر المثير للقلق وراء هذه العملية، يتعلق بمعلومات تقول إن المتطرفين في طرابلس، منحوا خلال العامين الأخيرين، الجنسية الليبية لعدة ألوف من الأجانب: «أعطوهم وثائق ليبية، بالآلاف، وربما كان الهدف من الهجوم على المبنى، أيضا، محاولة لإتلاف هذه الوثائق التي تخص أجانب أصبحوا يقاتلون في مناطق مختلفة منها سوريا والعراق، بالإضافة إلى الداخل الليبي.
من جانبه، أفاد ضابط في جهاز أمن المعلومات أن القوات التي هاجمت المبنى أمس كانت تتكون في البداية من 20 مسلحا، وخمس سيارات رباعية الدفع، وشاحنتين عسكريتين مصفحتين. وأضاف: «قام المهاجمون بإطلاق النار في الهواء لإخافة الموظفين، وإجبارهم على إخلاء المبنى، إلا أن بعض الموظفين رفضوا ذلك، ما دفع القوة المهاجمة إلى طلب الدعم، إذ وصل نحو 60 عنصرا مدججين بالأسلحة». وتابع: «الرجل الذي كان يقود هذه المجموعة والذي تولى السيطرة على المبنى، معروف بأنه من قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، ومن الموالين لحكومة الإنقاذ، وكان يقيم في السابق في دولة آيرلندا». واستطرد الضابط: «أخرجونا بقوة السلاح، وتمت الرماية بالأسلحة بشكل كثيف على طول طريق السكة لترويع المواطنين. الموظفون خافوا، وخرجوا، وهناك من تمكن من إغلاق مكتبه وآخرون لم يتمكنوا من ذلك. ولا يوجد مصابون. وبعد ذلك زاد عدد المهاجمين أكثر من السابق... كانوا خليطا من ميليشيات ومدنيين بملابس أفغانية مسلحين». وقال إنه بعد سيطرة هذه القوة على المبنى، قامت الميليشيا بإغلاق أبوابه بسيارتين مصفحتين كبيرتين.
ويعد مبنى أمن المعلومات من المقار الحساسة التي ظلت بعيدة عن أيدي الميليشيات المتصارعة في طرابلس منذ سقوط نظام القذافي. ويبلغ عدد العاملين في الجهاز ومندوبيه المنتشرين في عموم ليبيا نحو 11 ألف موظف، أما عدد الموظفين الإداريين في المقر الرئيسي الذي جرى الهجوم عليه أمس، فيصل إلى 700 موظف وضابط.
وقال ضابط آخر في «أمن المعلومات» إنه منذ انتهاء عهد القذافي: «ظل هناك صراع بين الإخوان والجماعة المقاتلة للسيطرة على هذا المقر، وكان المسؤول عنه ضابطا من الضباط القدامى في الجهاز، هو العقيد لامين، حيث رفض، مع ضباط الجهاز، تسليم المبنى إلى أي جهة من الجهات التي تضم سجناء سياسيين سابقين، أو ممن كانوا مطلوبين للسلطات، وغيرهم من أصحاب السوابق، وكذلك خوفا من التلاعب في منظومة جوازات السفر والجنسية». وواصل قائلا: «منذ نهاية نظام القذافي، اتفق الضباط على أنهم لن يسلموا الجهاز إلا لجهة تتبع الدولة، وفي العام الماضي قمنا بمخاطبة حكومة السراج لكي تتسلم المبنى». وأضاف: «اجتمعنا مع المجلس الرئاسي، وقلنا له إن إدارة أمن المعلومات أمانة على عاتقنا، منذ 2011. وإنك كمجلس معترف به دوليا لك حرية التصرف، وحرية إسناد الإشراف على الجهاز للجهة التي تراها».
وتابع قائلا: «بالفعل قام السراج بإصدار قرار، مطلع هذا العام، بضم إدارة أمن المعلومات للحرس الرئاسي، لكن حين رأت الجماعة المقاتلة وجماعة الإخوان، أن هذا القرار سيفوت عليهما فرصة الاستيلاء على هذه الإدارة المهمة، قامت (المقاتلة) بهجوم أمس، واحتلت المقر بالكامل». وأكد: «أصبحت كمية كبيرة من الأرشيف الليبي تحت سيطرة (الجماعة المقاتلة)، وهو أرشيف يضم ملفات، منها ملفات إلكترونية، لأي شخص حُبس أو كان مراقبا أو من ذوي توجهات سياسية أو إسلامية، أو جواسيس أو عملاء، وغيره». وأضاف: «كنا نرى تصميما من قيادات في (المقاتلة) وفي الإخوان، بألا ينتقل هذا الأرشيف إلى أي جهة محايدة، لأنهم يريدون مسح ما يخصهم، ويتركون ما يريدون تركه».
وأوضح الضابط أن إدارة أمن المعلومات كانت في عهد القذافي تقوم بجمع كل التفاصيل عن كل المجريات في البلاد، من إمساعد (على الحدود مع مصر) إلى رأس جدير (على الحدود مع تونس)، وغيرها، ثم تحيلها الإدارة إلى أصحاب الاختصاص، مشيرا إلى أن «أهم الملفات التي يمكن أن تشكل خطرا يمتد إلى خارج ليبيا يتعلق بمنظومة جوازات السفر، سواء باستخراج الجوازات الجديدة، أو بحركة حاملي الجوازات عبر الحدود، من الليبيين وغير الليبيين».
منظومة الأمن الليبية تسقط تحت سيطرة مسلحين
تضم معطيات الجوازات والجنسية وأرشيفاً عن الجماعات المتطرفة والجواسيس
منظومة الأمن الليبية تسقط تحت سيطرة مسلحين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة