اعتبرت مصادر دبلوماسية غربية رافقت الأيام الثمانية لجولة «جنيف 4» أن النتيجة الإيجابية «الرئيسية» التي استطاع المبعوث الدولي انتزاعها من وفدي النظام و«الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة تتمثل في إقرار «التوازي» في تناول الملفات الأربع: الحوكمة والدستور والانتخابات والإرهاب، التي ستشكل محاور جولة «جنيف5» المرتقبة.
وقالت هذه المصادر الموجودة في المدينة السويسرية، والتي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن من شأن التوازي «منع» أي من الطرفين من أن يعرقل التقدم في المباحثات ويدفع إلى توقفها لأن المراوحة «في أحد الملفات الأربعة سيوازيه تقدم في ملفات أخرى، ما من شأنه المحافظة على الدينامية السياسية». يضاف إلى ذلك أن الطرفين الرئيسيين «قبلا أخيراً» السلال الأربع التي اقترحها دي ميستورا رغم العوائق والعراقيل التي برزت والتي بينت البعد الشاسع بين فهم كل طرف لما يريده من المفاوضات «ما يذكر بما عرفناه في جنيف 3».
بيد أن هذا «الإنجاز» - بحسب هذه المصادر - ما كان ممكناً «لولا التنازلات» التي قدمها الطرفان وإقدام كل طرف على اجتياز خطوة باتجاه الطرف الآخر: فمن جهة، قبل وفد النظام برئاسة السفير بشار الجعفري إدراج الحوكمة التي تفهمها المعارضة على أنها الخطوة الأولى و«الأساسية» لإنجاح عملية الانتقال السياسي، وخصوصا لأن النظام «رفض في الماضي التطرق إليها قبل الانتهاء من ملف الإرهاب». وفي المقابل، لم تمانع المعارضة في إضافة «سلة الإرهاب» إلى السلال الثلاث بسبب إصرار الوفد الحكومي بعدما كانت قد عارضت ذلك بقوة، واعتبرت أن الجعفري يريد «حرف» المباحثات عن سبب وجودها الأول وهو تنفيذ القرار 2254.
ومن ثم، تخلص المصادر المشار إليها إلى القول إن المعارضة فهمت شيئين: الأول، أن «التوازي» في التطرق للملفات الأربعة «ليس بالضرورة سيكون ضد مصالحها» بسبب التشابك بينها، ولأنه «لا انتقال سياسيا من غير دستور جديد والحديث عن الدستور يعني تناول صلاحيات الرئيس وتركيب المؤسسات الجديدة ودور كل منها... وكل ذلك جزء من العملية السياسية». أما الأمر الثاني، فإنها أصرت على البقاء في جنيف والامتناع عن التهديد بتركها، ووعت أن بقاءها وحده وتركيز أنظار العالم على ما يحصل في المدينة السويسرية هو «مكسب» لها ومنبر يوفر الفرصة للعودة إلى أساسيات المشكلة السورية وهي عملية الانتقال السياسي. وبشكل عام، اعتبرت المصادر الغربية أن ما خرج من جنيف يمكن اعتباره نتيجة «جيدة».
أما فيما يخص «جنيف 5»، فقد كشفت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الروسي عمد إلى إعلانه عن استئناف التفاوض في العشرين من الشهر الجاري «من دون تشاور مع دي ميستورا». وبرأيها، فإن الجانب الروسي، أراد بذلك «لي ذراع» المبعوث الدولي الذي ما فتئ الروس يضغطون عليه ويضعونه أمام الأمر الواقع. لذا، فإن الأخير لم يعط تاريخاً محدداً في مؤتمره الصحافي الختامي مساء الجمعة وتلطّى وراء مشاوراته مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع مجلس الأمن الدولي الذي سيقدم له إيجازا عما تحقق في جنيف. ولذا، اكتفى بالقول إن «جنيف 5» ستكون في شهر مارس (آذار). وكأن دي ميستورا أراد أن يقول لموسكو إن «جنيف من اختصاصاته»، وهي ليست آستانة التي يتحكم بها الروس والأتراك. ولكن في المقابل، كان لافتاً في كلام الجعفري أمس إشارته إلى أن دمشق «ما زالت تبحث ما إذا كانت ستعود لجولة المحادثات القادمة» في جنيف هذا الشهر. وهو الأمر الذي يمكن فهمه على أنه تهديد بالمقاطعة.
في أي حال، رغم أهمية الخطوة التي تحققت في المدينة السويسرية، فإنها تبقى «إجرائية» بالدرجة الأولى بينما مقياس النجاح الحقيقي هو إنجاز تقدم «في العمق».
ولا شيء يثبت، حتى الآن، أن وفد النظام أصبح «مطواعا» في التعاطي مع «السلال» الأربع ولن يعمد إلى العودة إلى «أساسياته». ذلك أن الجعفري خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده في جنيف أمس، عاد للتركيز بقوة على موضوع الإرهاب. وبعدما أشار إلى أنه أدرج على جدول الأعمال لأن وفده «ركز النقاش عليه - مع دي ميستورا - بنسبة 80 في المائة»، أكد مجددا عزمه على «إشباعه بحثاً في المحادثات اللاحقة». كذلك طالب مجدداً بوفد موحّد للمعارضة، وبـ«شريك وطني وليس قطرياً أو سعودياً أو فرنسياً أو تركياً» – وفق زعمه – ما يذكر بتصريحاته السابقة خلال جولتي المفاوضات الثانية والثالثة في جنيف العام الماضي. وجاء الرد من المتحدث باسم وفد «الهيئة العليا» سالم المسلط الذي اعتبر أن «الأولوية للانتقال السياسي. الإرهاب عندما يطرحه النظام فهي مماطلة، ونحن الذين نحارب إرهاب (داعش) وبراميل النظام والميليشيات الأجنبية الإرهابية».
ما قاله الجعفري تراجعت أصداؤه أمس في تصريحات المندوب الروسي لدى المنظمة الدولية في جنيف ألكسي بورودافكين، الذي طالب مجدداً بحضور الأكراد - من دعاة الفيدرالية - وممثلين عن منصة آستانة الجولة القادمة من المحادثات. وبحسب بورودافكين، فإن منصات الرياض والقاهرة وموسكو «لا تمثل كل أطياف المعارضة، كما أن منصة الرياض (أي «الهيئة العليا») لا يجب أن تبتلع هذه المعارضات». وأسف السفير الروسي لعدم إحراز تقدم في موضوع «فصل» العناصر الإرهابية ميدانياً عن المعارضة المسلحة المعتدلة.
لكن الأمر الإيجابي الوحيد في كلام المسؤول الروسي كان كلامه على «ضرورة الحؤول دون تعطيل الوتيرة السياسية» التي أنتجتها «جنيف 4». والحال، أن المصادر الغربية اعتبرت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤولية موسكو «ستكون حاسمة» من أجل تسهيل أو عرقلة «جنيف 5»، وذلك «سينعكس في أداء وفد النظام» ومدى «انفتاحه على الحل السياسي» على طاولة المفاوضات، وميدانياً أيضاً في «مدى التزامه بالهدنة» التي تخرق في أكثر من مكان. وطالبت هذه المصادر بأن يفضي اجتماع «آستانة 3» في 14 الجاري إلى إقرار «تدابير ثقة» تحصن وقف النار وتفعيل «آلية الرقابة» التي شكلتها تركيا وروسيا في آستانة 2. إلا أن فاعليتها لا تظهر على الأرض. المصادر الغربية تقول أيضاً إن «التحديات الجدية ستبرز في جنيف 5 لأنها ستترك الجوانب الإجرائية وستدخل في صلب المواضيع». وتضيف هذه المصادر أن الهوة التي تفصل بين فهم النظام والمعارضة لعملية الانتقال السياسي «لم تضق بفضل جنيف 4». فضلا عن ذلك، فإنها ترى أن ما يحصل ميدانياً وخصوصا في مناطق الباب والطبقة والرقّة و«التحالفات» الجديدة وتضارب خطط وطموحات اللاعبين الإقليميين والدوليين، كلها عوامل مؤثرة على مسيرة المفاوضات المستقبلية، فيما لا تزال ملامح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة «مبهمة» ما يدخل «مجهولا» إضافيا على المعادلة السورية.
موسكو حددت 20 مارس لـ«جنيف 5» دون التشاور مع دي ميستورا
مصادر دبلوماسية غربية: التوازي في تناول «السلال» الأربع سيسقط ورقة التعطيل من الطرفين السوريين
موسكو حددت 20 مارس لـ«جنيف 5» دون التشاور مع دي ميستورا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة