{عين الحلوة} ... الخارج عن السيطرة

المخيم الفلسطيني تعقّد أوضاعه أحداث المنطقة

{عين الحلوة} ... الخارج عن السيطرة
TT

{عين الحلوة} ... الخارج عن السيطرة

{عين الحلوة} ... الخارج عن السيطرة

يُعد ملف مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الواقع شرقي مدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان، أكثر الملفات تعقيدا للدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية. واليوم تجد الدولة والفصائل نفسها، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها، عاجزة عن فك ارتباط هذه البقعة الجغرافية، التي لا تتخطى مساحتها الكيلومتر المربع الواحد ويعيش فيها ما يزيد على 100 ألف لاجئ، بالمخاوف الأمنية التي تتربص بلبنان منذ عشرات السنوات.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تبلور اتفاق لبناني – فلسطيني على ضوء المعارك الأخيرة التي شهدها المخيم بين الجماعات الإسلاموية المتشددة وعناصر حركة «فتح»، قضى بتسليم كل المطلوبين اللبنانيين المتوارين في المخيم، ورفع الغطاء عن الجماعات التي تحميهم وتؤويهم.
الموقع الحساس لمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان وبوابته، وتحوله بمرور الوقت مأوى لأخطر المطلوبين بملفات إرهاب، واعتماده في كثير من المراحل «مطبخاً» لعمليات أمنية استهدفت الداخل اللبناني، كلها عناصر تتراكم لتفاقم من المأساة الإنسانية التي يرزح تحتها مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين. ولقد ازدادت معاناة هؤلاء بعدما انضم إليهم عشرات آلاف إضافية من اللاجئين الجدد الذين هُجروا من سوريا مع اندلاع الأزمة هناك في عام 2011.
وإذا كان قادة الفصائل الفلسطينية نجحوا طوال السنوات الماضية في تجنيب المخيمات اللبنانية الانجرار إلى آتون الحرب السورية، رغم توجه عدد لا بأس به من أبنائها للقتال هناك، فإنهم لم يتمكنوا من الحفاظ تماما على استقرار مخيم عين الحلوة، الذي لا يزال كل فترة يشهد «خضة» أمنية تترك تأثيرات كبيرة على الداخل اللبناني الهش.
ولعل الإشكالية الرئيسة التي تجعل المخيمات الفلسطينية في لبنان أشبه بـ«قنابل موقوتة» هو انتشار السلاح فيها وغياب القوى الأمنية اللبنانية من داخلها، بحيث تتولى قوى فلسطينية مشتركة أمن المخيمات، وتعتمد بمعظم الأوقات على حلول أمنية بـ«التراضي» ما يُفاقم من المشكلات من دون أن يُساهم ذلك بحلها. وربما كان أصدق تعبير عن ذلك انهيار القوة الأمنية في عين الحلوة الشهر الماضي نتيجة خلافات بين الفصائل حول فاعلية هذه القوة التي كانت تقيد حركتها لجنة عليا تتخذ قراراتها بالتوافق.
هذا التوافق كان يعيق التصدي لحالات أمنية شتى توسعت في المخيم لحد إنشاء «مربعات أمنية» تسيطر عليها جماعات متشددة تحمي العدد الأكبر من المطلوبين للسلطات اللبنانية، وأبرزهم الفنان المعتزل فضل شاكر، المتهم بالمشاركة بقتال الجيش في أحداث شهدتها مدينة صيدا خلال صيف عام 2013، إضافة إلى شادي المولوي المتهم بالانتماء إلى جماعات إرهابية والمشاركة بمعارك شهدتها مدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان في عام 2012، والأهم تحريك خلايا نائمة أخيرا لتنفيذ عمليات أمنية في الداخل اللبناني.

أزمة المطلوبين

خلال الأيام القليلة الماضي، تبلور اتفاق لبناني – فلسطيني على ضوء المعارك الأخيرة التي شهدها مخيم عين الحلوة بين الجماعات المتشددة وعناصر حركة «فتح» قضى بتسليم كل المطلوبين اللبنانيين المتوارين في المخيم، ورفع الغطاء عن الجماعات التي تحميهم وتؤويهم. وكان لافتا التجاوب السريع لكل الفصائل الرئيسية مع الموضوع، وأبرزهم «عُصبة الأنصار» التي سارع المتحدث باسمها الشيخ «أبو شريف عقل» للطلب من «كل لبناني مطلوب للدولة أن يسلم نفسه أو يخرج من المخيم؛ لأن الوضع لم يعد يحتمل»، قبل أن يعود ويؤكد بعد ساعات أن الفصائل لم تتعهد بتسليم المطلوبين، لكنها وعدت بمطالبتهم بالخروج من المخيم.
راهناً، يتجاوز عدد المطلوبين اللبنانيين المتوارين في مخيم عين الحلوة الـ20، وفق عضو المكتب السياسي لـ«جبهة التحرير الفلسطينية» صلاح اليوسف، في حين يتخطى عدد المطلوبين من جنسيات غير لبنانية وأبرزها فلسطينية الـ150 ينتمون إلى مجموعات «جند الشام» و«فتح الإسلام» و«القاعدة» الإرهابية. وللعلم، كان عشرات المطلوبين قد سلموا أنفسهم خلال الأشهر القليلة الماضية إلى استخبارات الجيش اللبناني، غير أن معظمهم ممن هم متهمون بقضايا غير معقدة، وتلقوا وعودا بالحصول على محاكمات سريعة وأحكام مخففة لحث باقي المطلوبين على حذو حذوهم.
إلا أن قيادة الجيش اللبناني، من جانبها، لا تزال تنتظر خطوات أكبر وأكثر فاعلية من قادة الفصائل في هذا المجال. وهذا ما دفعها أخيرا إلى ممارسة ضغوط كبيرة عليهم من خلال بناء جدار إسمنتي ضخم على شكل حزام يلف المخيم، مع توجه لتركيب بوابات كهربائية، ووضع أبراج مراقبة لضبط المعابر غير الشرعية، وأيضاً حركة الدخول والخروج من وإلى المخيم.
ويذكر أن بناء هذا الجدار أثار سخطا شعبياً واسعاً، باعتبار أنه يفاقم مصاعب حياة اللاجئين المحاصرين في هذه البقعة الصغيرة، وهم الممنوعون أصلاً من العمل في مجالات واسعة للحد من منافسة اليد العاملة اللبنانية. أضف إلى ذلك، أنهم ممنوعون أيضا من التملك؛ خوفا من التوطين.
الحديث كان قد كثر في الآونة الأخيرة عن أن الجدار، الذي أوشك الجيش اللبناني الانتهاء من بنائه، إنما شيد بطلب دولي، وبالتحديد، من شركات عالمية ستتوجه قريبا إلى لبنان للتنقيب عن النفط والغاز، تعتبر المخيم «بقعة خارجة عن السيطرة»، وبالتالي تهدد أمن العاملين فيها. إلا أن الجهات الأمنية اللبنانية تربط موضوع الجدار بأمن اللبنانيين، وتدعي أن المخاوف لم تعد تقتصر على وجود «مطلوبين خطيرين» في المخيم لا يتوانون عن إعداد أو تنفيذ عمليات إرهابية، بل على تسلل المزيد منهم إلى لبنان بحجة وجود مكان آمن لهم كعين الحلوة في ظل الخسائر التي تطالهم في العراق وسوريا.

تقرير «شاهد»
من جهة ثانية، في تقرير أعدته «المؤسـسة الفلسطينية لحقوق الإنسان» (شاهد)، فإن ملف المطلوبين يترك انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة داخل المخيم، باعتبار أن المطلوب للقضاء اللبناني أو للأجهزة الأمنية، سواء لارتكابه جنحة أو جناية يشكل «عبئا» اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا على سكان المخيم بشكل عام، وعلى البيئة المحيطة.
وتقدر أوساط اللجان الشعبية عدد المطلوبين بالمئات، أكثر من 90 في المائة ارتكبوا جُنحاً (إطلاق نار في الهواء، تجاوزات مالية، مشكلات مع الجيران...)، أو اعتبروا أنفسهم مطلوبين بناء على تقارير أمنية بحقهم ربما تكون خاطئة.
ووفقا للتقرير، فإن هؤلاء المطلوبين يتحولون عبئاً على أهلهم الذين يتوجب عليهم، إذ ذاك، تقديم الرعاية الشاملة لهم من المال والطعام والشراب والمأوى والحماية؛ وذلك لعجزهم عن الخروج من المخيم.
وقد يعتمد هؤلاء على رعاية من جهات سياسية فيصبحون أسرى لها، أو أنهم يصابون باليأس فينتقلون من تهمة الجنحة إلى الجنايات فيمارسون القتل والعنف.
ويشير التقرير كذلك إلى أنه «... من القضايا المثيرة للجدل في ملف المطلوبين هي الرحلة الطويلة التي يقطعها المطلوب أو المتهم الذي يلقى القبض عليه، فيحدث أقرانه وجيرانه عن المعاملة القاسية التي تعرض لها في مراكز التحقيق، ويترك ذلك انطباعا سلبيا جدا؛ مما يجعل المطلوبين يترددون ألف مرة إذا فكروا أن يسلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية».
وعليه، يطالب الفلسطينيون، بهذا الخصوص، بمنح المطلوبين «عفواً خاصاً، أو تسوية أوضاعهم بطريقة تحفظ حق الدولة اللبنانية وأمنها واستقرارها وهيبتها ويعالج مشكلاتهم، على غرار تسويات أمنية حصلت سابقا».

صدى لأحداث المنطقة
في هذه الأثناء، تعتبر مصادر مواكبة عن كثب للوضع في مخيم عين الحلوة، أنه يعكس تماماً ما يحصل في المنطقة. وتلفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى تعذر فصل أي مستجد على الساحة الإقليمية عن أي حدث ولو صغير يشهده المخيم الفلسطيني، قائلة: «إذا كانت سوريا حقيقة تتجه لنوع من التقسيم عبر إعطاء مناطق نفوذ لأميركا وأخرى لروسيا وواحدة لإيران وتركيا وإسرائيل، فلا شك أن ذلك لن يمر بسلام على لبنان؛ إذ ستستيقظ أحلام المسيحيين بـ(الكانتون) المسيحي، وحلم بعض السنة بالإمارة الإسلامية، كما توق الدروز إلى منطقة خاصة بهم تتصل بالسويداء، إضافة إلى تمدد الشيعة وتعزيزهم قبضتهم في مناطق على غرار المناطق المذهبية الأخرى».
وترى هذه المصادر، أن «أي مشروع أمني للبنان لا بد أن يبدأ من عين الحلوة، الذي لم يعد عبارة عن مخيم واحد خاضع للجنة أمنية مشتركة فاعلة، بل تحول إلى مجموعة مخيمات صغيرة يخضع كل منها لفصيل معين، في حين يخضع بعضها لمجموعات متشددة تنفذ أجندات خارجية». وتضيف، أن «الخلافات بين الفصائل الكبرى تغذي هذه المجموعات من منطلق أن حركة حماس، مثلاً، لا تسمح لحركة فتح بمواجهة هذه المجموعات كي لا تتفرد بإدارة المخيم... كما أن فتح أصلاً في حاجة إلى غطاء رسمي لبناني في حال قررت خوض مواجهة عسكرية داخل عين الحلوة، وهو غطاء غير متوافر حالياً». وتخلص المصادر إلى القول إن «مخيم عين الحلوة غدا أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأي وقت، وكلما اقتربت التسوية السورية باتت الأمور أصعب في المخيم».

«حزب الله» ومناصروه
وفي سياق مواز، تخشى قوى 8 آذار (المؤيدة لمحور طهران – دمشق) وعلى رأسها «حزب الله» من أن يكون ما يُحضر لمخيم عين الحلوة هدفه قطع طريق الجنوب. وهذا ما عبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري صراحة قبل أيام. وتربط جهات في هذه القوى هذه المخاوف والتهديدات الإسرائيلية الجديدة بشن حرب على لبنان، زاعمة أن ذلك يعني «خطة ما لقطع طريق المقاومة بين بيروت والجنوب، وهنا خطورة ما يجري الإعداد له لجهة إشغال «حزب الله» بمواجهات داخلية تدور بالتزامن مع التصدي للحرب الإسرائيلية».
وعلى الرغم من مرور أكثر من 25 سنة على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، فإن المخاوف من دخول العنصر الفلسطيني على الخط في أي مواجهات داخلية لبنانية – لبنانية، تبقى قائمة، باعتبار أن ما يفوق الـ500 ألف لاجئ يعيشون في لبنان منذ عام 1948، وكما سبقت الإشارة، أضيف أخيرا إليهم مليون لاجئ سوري، ما يضع التوازنات اللبنانية الهشة في دائرة الخطر.

هاجس «التوطين»
ولا تقتصر مخاوف 8 آذار على ذلك، بل تتعداه للكلام عن «خطة دولية بدأت تتبلور معالمها لفرض التوطين كأمر واقع، وبخاصة أن الرئيس الأميركي الجديد (دونالد ترمب) واضح تماما بانحيازه للموقف الإسرائيلي في هذا المجال».
وهنا تشير المصادر إلى أن «التصريحات المتتالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس التي يؤكد فيها أن اللاجئين (ضيوف)، ويبدي تجاوباً كبيراً بموضوع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، تصريحات تنسف المواقف السابقة للقيادات الفلسطينية التي كان تؤكد تمسكها بالسلاح لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي، واعتباره حاجة لتأمين العودة إلى فلسطين. وبالتالي، فإن تصريحات عباس تؤسس لسحب هذا السلاح وما قد يعنيه ذلك من تمهيد لتذويب اللاجئين في المجتمع اللبناني».
في هذا المجال، تبدو حركة «فتح» متجاوبة مع «أي صيغة جديدة قد تتفق عليها الحكومة اللبنانية بموضوع السلاح الفلسطيني، وتؤمّن السيادة اللبنانية، وتحافظ على حق العودة ووجود المخيم، على أن يترافق ذلك مع تأمين الحاجات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية للاجئين». وفي المقابل، تعرب حركة «حماس» عن تشدد في موضوع الصيغ الجديدة الجاري التداول فيها، مؤكدة تمسكها «بما اتفق عليه الأفرقاء اللبنانيون على طاولة الحوار في عام 2006، لجهة سحب السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها».
ويعتبر رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة، أن للسلطات اللبنانية «مسؤولية كبيرة في موضوع ما يجري في عين الحلوة»، ويضيف «الاتفاق الذي عقد منذ 11 سنة لم توضع حتى الساعة المراسيم التطبيقية له باعتبار أن هناك قوى لبنانية ترفض تطبيق هذه التفاهمات الوطنية السابقة». وشدد منيمنة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «قد آن أوان فتح هذا الملف من جديد، واتخاذ قرار بسحب السلاح من داخل المخيمات وخارجها وضمان عودتها إلى كنف الدولة». وأردف «هذا الأمر ممكن ومتاح من خلال حوار فلسطيني – لبناني جدي وصريح، وبخاصة أن ما يحصل في عين الحلوة بات عبارة عن انعكاس واضح للصراعات الإقليمية والدولية المحتدمة».

«داعش» في المخيم
على صعيد آخر، تحدثت جهات أمنية لبنانية في الفترة الأخيرة عن «تمدد تنظيم داعش داخل عين الحلوة». واعتقلت مخابرات الجيش اللبناني في سبتمبر (أيلول) الماضي من وصفته بـ«أمير التنظيم» في المخيم الفلسطيني عماد ياسين، عبر عملية أمنية نوعية وخاطفة حدت من نشاط «داعش» في لبنان، وساهمت، حسب الجهات، في انتزاع الكثير من المعلومات من الموقوف. وكان الحديث الجدي عن وجود لـ«داعش» في المخيم بدأ في عام 2015 من خلال تصريحات متتالية لوزير الداخلية نهاد المشنوق، تلت التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف منطقة جبل محسن العلوية، بمدينة طرابلس، خلال يناير (كانون الثاني) من العام نفسه. ولقد تحدث المشنوق عن «مربع موت» جديد للتنظيم الإرهابي المتطرف يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية ومخيم عين الحلوة وسجن رومية (شرقي بيروت) إلى العراق والرقة.
في المقابل، لم يعلن «داعش»، حتى الساعة، أي وجود رسمي له في لبنان أو في مخيم عين الحلوة. وهو يعتمد، كما يبدو، على تنظيمات ومجموعات متطرفة بعيدة عن الضوء كجماعة «الشباب المسلم» التي تضم أعضاء من تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف الذي خاض في عام 2007 مواجهات دامية مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد (شمال لبنان). إلا أنه وفق مصادر فلسطينية قيادية في مخيم عين الحلوة، فإن العناصر التي تنتمي فعليا إلى «داعش» أو قامت بمبايعته لا تتعدى أصابع اليدين. وهي تلفت إلى أن العدد الأكبر هو من المتعاطفين مع التنظيم. وللعلم، ترددت معلومات أخيرا عن توجه عدد من هؤلاء إلى الرقة للمشاركة في القتال هناك، فيما عاد بعضهم بعد تلقي خبرات قتالية في المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا.
422 ألف لاجئ و12 مخيماً
> وفقاً لإحصاءات «الأونروا» (هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) في عام 2009، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين إلى 4.766.670 لاجئاً، يعيش 422.188 منهم في لبنان 222.776 لاجئاً داخل المخيمات و199.412 لاجئاً خارج المخيمات.
ويمثل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ما نسبته 9 في المائة من مجموع اللاجئين المسجلين لدى «الأونروا»، ونحو 12 في المائة من مجموع سكان لبنان.
ويقول ناشطون فلسطينيون، إن هذه الأرقام «غير دقيقة؛ لأنها تعتمد على معلومات يتقدم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقونها، وهناك لاجئون فلسطينيون في منطقة عمليات (الأونروا) غير مسجلين لديها، فضلاً عن وجود لاجئين من فاقدي الأوراق الثبوتية يعيشون في المخيمات والتجمعات».وكانت «الأونروا» تشرف على 16 مخيماً رسمياً، دمر منها ثلاثة أثناء سنوات الحرب الأهلية في لبنان، وتحديداً بين عامي 1974 و1976، وهي مخيم النبطية بجنوب لبنان، ومخيما تل الزعتر (الدكوانة) وجسر الباشا في بيروت. وهناك مخيم رابع هو مخيم غورو ببعلبك (شمال شرقي لبنان) جرى إجلاء أهله عنه ونقلهم إلى مخيم الرشيدية في قضاء صور (جنوب لبنان) إبان ستينات القرن الماضي. وفي الوقت الراهن، يقيم أكثر من نصف اللاجئين في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً بها من قبل «الأونروا»، هي: الرشيدية وبرج الشمالي والبص (في قضاء صور) وعين الحلوة والمية ومية (ضواحي صيدا)، وبرج البراجنة وشاتيلا ومار آلياس وضبية (بيروت وضواحيها)، ويفل (الجليل) (قرب بعلبك بشرق لبنان)، والبداوي ونهر البارد (شمال لبنان).



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.