وسط استمرار الجدل حول صحته... بوتفليقة يحتفل بعيد ميلاده الـ80

المعارضة تشكك في قدرة الرئيس على اتخاذ القرارات

عبد العزيز بوتفليقة
عبد العزيز بوتفليقة
TT

وسط استمرار الجدل حول صحته... بوتفليقة يحتفل بعيد ميلاده الـ80

عبد العزيز بوتفليقة
عبد العزيز بوتفليقة

يحتفل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الخميس بعيد ميلاده الثمانين، وسط عودة التساؤلات حول صحته وقدرته على تسيير البلاد بعد أشهر طويلة لم يظهر فيها في وسيلة إعلامية، أو في أي مناسبة علنية.
وأعاد إلغاء زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في فبراير (شباط) الماضي جدلا واضحا حول صحة الرئيس على بساط البحث.
وفي هذا الصدد قال أحمد عظيمي، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إن «الرئيس لم يخاطب شعبه منذ 2012. وبعد هذا، هل هناك جزائري واحد يصدق أن منصب الرئاسة ليس شاغرا؟».
وأشار المحلل إلى الخطاب الذي ألقاه بوتفليقة في مايو (أيار) 2012 داخل قاعة مكتظة بالشباب، وقال فيه إنه سيغادر السلطة عند نهاية ولايته الثالثة في 2014، إذ قال آنذاك «جيلي طاب جنانو»، وتعني باللهجة الجزائرية في بعض المناطق «جيلي أكل عليه الدهر وشرب»، وكررها مرات عدة. لكنه فاجأ الجميع بإعادة ترشحه لولاية رابعة، فاز بها دون أن يقوم بأي حملة انتخابية نتيجة المرض. وبعد فوزه بالانتخابات، لم يتمكن من قراءة خطاب القسم الرئاسي كاملا واكتفى ببعض الفقرات منه.
ومنذ ذلك الحين، أصبح ظهور بوتفليقة نادرا جدا، ويقتصر على بعض المناسبات الوطنية أو عند استقبال مسؤولين أجانب، وإن كان التلفزيون الحكومي يذكره يوميا في نشراته الرئيسية، من خلال الرسائل التي يتلقاها والكلمات المنسوبة إليه، والتي يتلوها مستشاره محمد علي بوغازي.
ويعاني بوتفليقة الذي ولد في الثاني من مارس (آذار) 1937. منذ نحو عشر سنوات من نكسات صحية متتالية، اضطرته للبقاء فترات طويلة في المستشفى. وقد أجرى عملية جراحية في 2005 بسبب «نزيف في المعدة» في مستشفى فال دوغراس العسكري بباريس، ثم تردد مرارا على مستشفيات فرنسية وسويسرية، وكان يتم الإعلان عن بعض هذه الزيارات القصيرة، فيما بقي بعضها الآخر سريا. وفي أبريل (نيسان) 2013 أصيب بجلطة دماغية أبعدته عن الجزائر 88 يوما، عاد بعدها إلى بلاده على كرسي متحرك غير قادر على المشي ويجد صعوبة في الكلام، ما دفع المعارضة إلى الدعوة إلى إعلان «شغور منصب الرئيس» والمطالبة بانتخابات مسبقة.
لكن الانتخابات جرت في موعدها في أبريل 2014، وجاء الرد على التشكيك بصحة الرئيس بقرارات حاسمة، شملت تغييرات كبيرة في قيادة الجيش والاستخبارات، وبينها إقالة الجنرال حسان، واسمه الحقيقي عبد القادر آيت واعرابي، المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب، وسجنه.
أما القرار الأبرز فكان في سبتمبر (أيلول) 2015 وذلك عندما تمت إحالة مدير الاستخبارات الفريق محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق، على التقاعد بعد 25 سنة أمضاها في منصبه، وإلحاق جهاز الاستخبارات برئاسة الجمهورية بدل وزارة الدفاع. وقد شككت المعارضة السياسية في أن يكون الرئيس هو الذي اتخذ هذه القرارات، لكن رئيس الوزراء عبد المالك سلال أكد في حينه أن «الحكومة تعمل تحت المراقبة المباشرة واليومية للرئيس».
وفي 20 من فبراير الماضي، ذكر القصر الرئاسي أن بوتفليقة أصيب بـ«التهاب حاد للشعب الهوائية» أدخله المستشفى، ولم يتمكن من استقبال أنجيلا ميركل. وبعد أسبوع واحد، أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم، أن الرئيس على «أحسن ما يرام ويتابع نشاطه بطريقة عادية».
ويرى رضوان بوجمعة، الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة الجزائر، أن «مرض بوتفليقة ليس مشكلا بحد ذاته، فهو جزء من نظام مريض أكثر منه، نظام يقاوم التغيير ومستعد لإبقاء بوتفليقة رئيسا مدى الحياة»، موضحا أن «النقاش الحقيقي ليس تغيير أو بقاء الرئيس... النقاش الحقيقي هو تغيير أو بقاء النظام».
وهنا يُطرح سؤال يفرض نفسه بإلحاح: إذا كان الرئيس مريضا ولا يستطيع اتخاذ القرارات، فكيف تسير الحكومة في ظل دستور يركز كل السلطات التنفيذية في يده؟
الجواب بحسب عظيمي، هو أن «هناك مجموعات تحتكر كل واحدة قطاعا في البلد، وكل منها مرتبط بأحد أقطاب السلطة».
وتردد كثيرا في الصحف الجزائرية الكلام عن صراع بين شقيق الرئيس ومستشاره السعيد بوتفليقة ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، حول التعيينات والإقالات من المناصب العليا. لكن المؤسسة العسكرية ردت على ذلك بالتأكيد أن هذه الأخبار «قصص من نسج الخيال»، كما جاء في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) لمجلة «الجيش» الشهرية.
وبالنسبة إلى رضوان بوجمعة فإن «الحل الوحيد يمكن أن يأتي من داخل النظام بفضل القوى الحية فيه، والتي حافظت على استمرارية الدولة وحياة الأمة واحدة وموحدة»، معددا بين هذه القوى «الجيش الذي حقق معجزة البقاء موحدا ومنضبطا في مناخ سياسي غامض ومتعفن».
وتتردد مثل هذه القناعات في الشارع، إذ يقول مراد، وهو متقاعد قارب السبعين من العمر، إن الجيش هو الذي يحكم البلاد، ويضيف مراد الذي يجد صعوبة في العيش بمنحة تقاعده وما زال مضطرا للعمل: «أنا أصبحت لا أصدق حتى الصور التي أشاهدها في التلفزيون للرئيس وهو يستقبل الضيوف. نحن نعرف أن الذي يحكم هم من يدورون حوله».
في المقابل، يرفض جمال (44 سنة)، وهو موظف بشركة حكومية، هذا الكلام، معتبرا أن «الرئيس قدم الكثير للجزائر وضحى من أجلها وقبل الترشح لولاية رابعة حتى يكمل إنجازاته»، معتبرا أنه ليس مهما إن «كان يمشي أو يتكلم، المهم أنه يعمل وعمله ظاهر للعيان».
ويرى عظيمي أن متوسط الأعمار في الحكومة من الأسباب التي تسهم في مشاكل البلد، ويقول بهذا الخصوص: «تسيرنا حكومة بمعدل عمر 60 سنة وغير كفوءة» في بلد 63 في المائة من سكانه تتراوح أعمارهم بين 15 و59 سنة، معتبرا أن غياب الحضور القوي للرئاسة ينعكس صراعات داخل الحكومة «إلى درجة أن وزراء يتخذون قرارات يلغيها وزراء آخرون... وقد أحصينا خلال السنة الماضية 16 قرارا تراجعت عنها الحكومة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.