حكم مخفف لجندي إسرائيلي قتل جريحاً فلسطينياً

السلطة تصف القرار بالمهزلة... والخارجية تضيفه إلى ملفات «القتل بدم بارد»

فلسطينية تطأ بقدميها ملصقًا للجندي القاتل خلال مظاهرة (أ.ف.ب)
فلسطينية تطأ بقدميها ملصقًا للجندي القاتل خلال مظاهرة (أ.ف.ب)
TT

حكم مخفف لجندي إسرائيلي قتل جريحاً فلسطينياً

فلسطينية تطأ بقدميها ملصقًا للجندي القاتل خلال مظاهرة (أ.ف.ب)
فلسطينية تطأ بقدميها ملصقًا للجندي القاتل خلال مظاهرة (أ.ف.ب)

على الرغم من الإدانة الصارخة له بأنه قاتل عن سبق إصرار وتعمد، فإن المحكمة العسكرية في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب أصدرت، أمس، حكما مخففا بالسجن 18 شهرا، على الجندي إليئور أزاريا. ووافقت على تأجيل تنفيذ الحكم لمدة 12 يوما، حتى يستوعب القرار. وفي الحال، بدأ قادة معسكر اليمين الإسرائيلي، بمن في ذلك وزراء ونواب، حملة لإصدار عفو عنه حتى لا يمضي يوما واحدا في السجن. فيما وصفت وزارة الخارجية الفلسطينية قرار الحكم بالمهزلة، وقالت إنه يؤدي إلى «تشجيع جنود الاحتلال على قتل الفلسطينيين».
وكانت جلسة النطق بالحكم قد عقدت في ظل مظاهرة صاخبة لنشطاء اليمين، ارتفعت فيها شعارات: «الموت للإرهابيين»، و: «دولة مخجلة لأبنائها». كما كانت القاضية، مايا هيلر، رئيسة هيئة القضاة العسكريين، قد تعرضت لتهديدات بالقتل، ما حدا بالمخابرات إلى أن تضع لها حراسة دائمة.
المعروف أن الجندي أزاريا كان قد حضر إلى مفترق طرق قرب الخليل مع قوة عسكرية، فاصطدم بالجريح الفلسطيني، عبد الفتاح شريف، الذي كان ملقى على الأرض وهو ينزف، بانتظار السماح لسيارة إسعاف بنقله إلى مستشفى خاضع للجيش الإسرائيلي بغية معالجته، ومن ثم اعتقاله لمحاكمته. فصاح أزاريا بأنه «لا يجوز أن يبقى إرهابي حيًا»، واقترب منه وأطلق عليه الرصاص وأرداه قتيلا. وقد تم توثيق الجريمة بشريط فيديو من منظمة إسرائيلية تكافح لأجل احترام حقوق الإنسان الفلسطيني في المناطق المحتلة.
ومنذ اعتقال أزاريا، واليمين الإسرائيلي يشن حملة لإطلاق سراحه ومنع محاكمته، ويهاجم قادة الجيش الذين تنكروا لفعلته. وقد حاول عدد من كبار المسؤولين ممارسة الضغوط على قادة الجيش لإطلاق سراحه، مؤكدين أن «جنودا وضباطا مثيرين تصرفوا على هذا النحو في الماضي ولكنهم لم يقدموا للمحاكمة»، واتهموا المنظمة الإسرائيلية التي بثت الشريط بالخيانة. وقد نجحت الضغوط في جعل النيابة العسكرية تطلب حكما مخففا من 3 - 5 سنوات سجنا فعليا للجندي أزاريا. لكن القضاة، ومع أنهم أدانوه بشدة على تصرفه غير الأخلاقي وجريمته النكراء، قالوا إنهم يأخذون «بالاعتبار معاناة والديه، حيث إن الوضع الصحي لوالده سيئ، ووالدته فقدت كثيرا من وزنها، وهو نفسه جندي متميز ومتفوق، وهذه أول عملية قتالية يخوضها»، لذلك قرروا الاكتفاء بسجنه 18 شهرا، مع العلم بأن الحد الأعلى من الحكم حسب القانون يصل إلى 20 سنة.
لكن محامي الدفاع عن الجندي القاتل رفضوا الحكم وأعلنوا أنهم سيستأنفون. وزعم رئيس حزب المستوطنين «البيت اليهودي» والوزير المتطرف نفتالي بينيت، في أعقاب صدور الحكم، أن «أمن مواطني إسرائيل يستوجب إصدار عفو عن أزاريا». وأعطى بذلك الإشارة إلى قادة اليمين لممارسة الضغوط على قيادة الجيش لكي تعفو عنه. فطالب وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف ومن المعارضة (المعسكر الصهيوني «وييش عتيد») بالعفو.
بالمقابل، قالت النائبة حنين زعبي، من «القائمة المشتركة»، إن «المجرم ليس أزاريا وحده، المجرم هو نظام سياسي وثقافة لا يريان بقتل الفلسطيني أي مشكلة، بل هو مخالفة بسيطة وفق النظام القانوني، وبطولة بحكم المجتمع». وأضافت: «عشرات عمليات القتل المشابهة ارتكبت بالخفاء والعلن. وحصار غزة هو عملية قتل بطيئة، لا تثير أي جدال ولا أي قلق عند الإسرائيلي، فما بالنا بالمحاسبة. وما جرى في محاكمة أزاريا، هو أخطر من السكوت عن القتل، والحكم 18 شهرًا هو (تسعيرة)، ترافقها حملات تضامن وتبجيل، وبمشاركة وزراء ومسؤولين للدفاع عن المجرمين. لكن من يحمل مشروع نضال لا ينتظر من المحاكم العسكرية للمحتل ردا ولا حلاً ولا نصيرًا، بل يتوجه بنفسه للمحاكم الدولية ويطالب بمحاكمة القتلة وبمقاطعة ومعاقبة النظام الذي يُشرع قتل الإنسان وهدم كيانه ووجوده».
من جانبها، قالت حنان عشرواي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إن «التشويه الجلي والواضح للعدالة والنظام القضائي الإسرائيلي، يخضع لعنصرية وتطرف الاحتلال ونظامه المبني على الأبرتهايد الذي تمثله حكومة التطرف الإسرائيلية ومستوطنوها». وهاجمت عشرواي النظام القضائي الإسرائيلي، وقالت إنه «ينهار عندما يتعلق الأمر بالإرهاب والإجرام الإسرائيلي تجاه الضحايا الفلسطينيين». وأضافت: «هذه الجرائم التي ترتكب باستمرار، من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين، هي نتيجة مباشرة لاستفحال ثقافة الكراهية والعنف والعنصرية، القائمة على رفض الآخر ووجوده على الأرض. فإسرائيل على مدار تاريخها، لا تقيم اعتبارا لقيمة حياة وحقوق وحريات الشعب الفلسطيني بكامله».
ووصفت وزارة الخارجية الفلسطينية قرار الحكم بالمهزلة، وقالت إنه يؤدي إلى «تشجيع جنود الاحتلال على قتل الفلسطينيين». وأضافت في بيان أصدرته: «الحكم على الجندي القاتل بالحبس الفعلي لمدة 18 شهرًا، شكل فاضح من أشكال التمييز العنصري البغيض، الذي تمارسه سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة، علمًا بأن العقوبة التي يفرضها القانون الإسرائيلي في مثل هذه الجرائم، تصل إلى أكثر من 20 عاما».
ورأت الوزارة في قرار الحكم استهتارا واضحا بالدم الفلسطيني، وتشجيعا لجنود الاحتلال وعصابات المستوطنين الإرهابية، على التمادي في ارتكاب جرائم القتل بحق الفلسطينيين، ودليلا جديدا على تورط منظومة «القضاء» في إسرائيل في التغطية على تلك الجرائم.
وشددت على أنها تتابع «باهتمام كبير ملف (استشهاد) الشريف وعشرات شهداء الإعدامات الميدانية، مع الجهات الدولية كافة، وتطالب المنظمات الحقوقية والإنسانية المختصة بضرورة فضح مسرحية المحاكمات الشكلية الإسرائيلية، وصولا إلى مساءلة قاتل الشهيد الشريف والمسؤولين عنه، ومحاسبتهم أمام المحاكم الوطنية في الدول والمحاكم الدولية المختصة».
كما عدّ رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع أن قرار المحكمة الإسرائيلية تشجيع على ارتكاب الجريمة المنظمة وجرائم الحرب والإعدامات الميدانية التعسفية بحق الفلسطينيين. وقال إن هذه المحاكم العسكرية «محاكم عنصرية بامتياز، وتعبير عن انحدار إسرائيل إلى دولة أبرتهايد في المنطقة، من خلال عدم التزامها بالمعايير الإنسانية، ولا بإجراءات المحاكم العادلة».
من جهته، قال رئيس «نادي الأسير الفلسطيني»، قدورة فارس، إن قرار المحكمة العسكرية الإسرائيلية، «يُمثل تواطؤا من أجهزة دولة الاحتلال، السياسية والقضائية والأمنية، وهو تصريح لغيره من الجنود بالقيام بهذا النوع من الجرائم؛ على الرغم من عدم فردانيتها؛ فهي تتكرر، إلا أن ما أثار هذه القضية، ليس (نزاهة) دولة الاحتلال، وإنما الفضل يعود للمواطن عماد أبو شمسية الذي وثقها».
وبينما كانت عائلة الشريف في الخليل تراقب تفاصيل المحكمة، لم يفاجأ أفرادها بالنتيجة. وقال والده يسري الشريف: «حكم مسخرة، لو حدث العكس؛ لأرسل أي فلسطيني للسجن مدى الحياة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.