تشهد جنيف اليوم سلسلة اجتماعات تمهيدية تحضيرا لانطلاق المحادثات الخاصة بالحرب في سوريا غدا رسميا في مقر الأمم المتحدة، كما في المرات الثلاث السابقة. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية وأخرى أممية في جنيف، أن ممثلي بلدان ما يسمى «مجموعة الدعم لسوريا» الذين سيواكبون المفاوضات المقررة من الناحية المبدئية لتدوم أسبوعين، سيجتمعون فيما بينهم قبل أن يعقدوا لقاء جماعيا مع المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا. كذلك ستعقد اللجنتان التابعتان للأمم المتحدة المولجتان وقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية، اجتماعين استثنائيين اليوم، بينما اجتماعاتها «التقليدية» تجرى دوما يوم الخميس. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن تقديم الاجتماعين غرضه «تحضير أفضل أرضية» من أجل انطلاقة «سليمة» لهذه المفاوضات.
بيد أن مسائل إجرائية وأخرى خاصة بطبيعة العمل ما زالت تحتاج إلى توضيح. وأكد مدير مكتب ستيفان دي ميستورا أن المبعوث الأممي «جاهز» للاجتماع بـ«الوفود» السورية التي تمثل النظام والمعارضة التي بكرت في الوصول إلى ضفاف بحيرة ليمان. لكن لم يتم الكشف عن اجتماعات محددة لا مع هذا الطرف ولا ذاك.
وبحسب المعلومات التي توافرت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الفرق الرئيسي بين هذه الجولة (الرابعة) وما سبقها، أن دي ميستورا يأمل أن تكون «وجها لوجه» وليس بالواسطة، ما لا يعني بتاتا التخلي عن الخيار الآخر من أجل تطويق التوترات التي لا بد أن تنشأ بالنظر للتجارب السابقة وللوضع الميداني الحالي حيث وقف النار المبرم نهاية العام 2016 أصبح إلى حد كبير أثرا بعد عين.
وجاء تصريح مايكل كونتت، مدير مكتب دي ميستورا في المؤتمر الصحافي نصف الأسبوعي والذي شدد فيه على أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يدعو إلى «مفاوضات بشأن عملية انتقال سياسي» سيبقى الأساس للجولة الرابعة من أجل «طمأنة المعارضة» والأطراف التي تدعمها من بين مجموعة «النواة الصلبة» التي عقدت آخر اجتماع لها في مدينة بون الألمانية الأسبوع الماضي. لكن المسؤول الأممي عاد ليفصل المواضيع الأساسية الثلاث التي ستدور المفاوضات عليها عمليا وهي كالتالي: إنشاء حكم ذي مصداقية ولا يقوم على الطائفية والعمل على صياغة مسودة لدستور جديد وإجراء الانتخابات ولكن من غير الإشارة إلى ما إذا كان المقصود انتخابات تشريعية أم رئاسية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الروس يدفعون لمفاوضات مباشرة تيمنا بما حصل في «آستانة» في جولتها الأولى والتي تعتبرها موسكو نموذجا للاجتماعات «المنتجة». كذلك، فإن دي ميستورا يريد فتح الملفات الثلاث دفعة واحدة خلال أسبوعي المفاوضات، بعكس ما كانت تتمناه المعارضة التي أرادت أن يتم التركيز في مرحلة أولى على إنجاز البند الأول تحت عنوان عملية الانتقال السياسي على أن يتم بعدها التطرق لمعالجة البندين اللاحقين. لكن المبعوث الأممي وبضغط روسي، واستنادا إلى ما يخوله إياه القرار الدولي رقم 2254 قرر فتح الورش الثلاث بالتوازي. وما تتخوف منه أوساط وفد الهيئة العليا للمفاوضات هو أن «يسحق» ملف تعديل الدستور الملف الأول، خصوصا أن الطرف الروسي يقول ويؤكد ويحاول إقناع من لم يقتنع بعد أن إحراز تقدم على طريق صياغة مسودة الدستور الجديد «يمكن أن يكون الطريق الأقصر لتحريك الخطوط المتجمدة والخروج من الوضع القائم» بين المعارضة والنظام، فضلا عن «الإسراع في تحقيق الانتقال السياسي» أي على طريقة الفهم الروسي وهو ما ترفضه المعارضة.
وبات واضحا أن الفهم الروسي للانتقال السياسي شبيه بفهم النظام له، أي تشكيل حكومة جديدة مع إعطاء وجوه معارضة مقبولة بعض الحقائب. لذا، فإن وفد الهيئة العليا والهيئة نفسها أعادا التأكيد أكثر من مرة في الأيام الأخيرة على أنه لا دور للأسد في العملية السياسية لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها. وهذه النقطة بالذات من أهم مفاصل الخلاف بين الهيئة ومنصة القاهرة وأيضا موسكو وحميميم. كذلك يمكن أن تكون موضع تجاذب بين المعارضة والأطراف التي تدعمها غربيًا وتركيًا، بالنظر للتحولات التي عرفتها مواقف هذه الأطراف عقب تغير الصورة الميدانية وأولوية محاربة الإرهاب (داعش وجبهة فتح الشام على ما عداهما).
* الالتفاف على عقدتين
تبقى مسألتان عالقتان يسعى المبعوث الأممي لحلحلة عقدهما، وأولاها البت في موضوع تمثيل المعارضة والأخرى الحضور الكردي على طاولة المفاوضات. وفيما خص المسألة الأولى، فقد ابتدع دي ميستورا وفريقه «مفهوما» جديدا. ووفق ما قالت لنا مصادر غربية تتابع عن قرب ما يحصل من تطورات في جنيف، فإن المبعوث الدولي، في تطرقه لمن يمثل منصتي موسكو والقاهرة، فإنه يتحدث عن «مشاركين» بينما ترك صفة وفد المعارضة للهيئة العليا للمفاوضات التي شكلت مبدئيا وفدا من 22 شخصا ولكن سينقص عديده بعد انسحاب ممثلي منصة القاهرة وموسكو منه. وترجح المصادر الغربية، إلا إذا حصل تغيير إضافي في الساعات الـ24 المقبلة، أن يرسو الخيار على هذه الصيغة التي تعد «حلا وسطا» قد يرضي المعارضات والأطراف الأخرى إلا إذا قرر السفير بشار الجعفري، رئيس الوفد الحكومي، أن يعود إلى استخدام نغمة «لا صفة تمثيلية» للمعارضة أو وصف أعضائها بـ«الإرهابيين» كما فعل الرئيس الأسد والجعفري أيضا. الأول في حديث لمجموعة إعلامية فرنسية والآخر بعد اجتماع آستانة الثاني. كذلك لا شيء يضمن أن يسير وفد النظام في البحث الجدي في موضوع عملية الانتقال السياسي الذي رفض الخوض فيه في الجولات الماضية. لذا، ستكون كافة الأنظار موجهة نحو الطرف الروسي لتفحص ما سيقوم به حقيقة على طاولة المفاوضات لوضع حد لهذه الحرب التي ستدخل الشهر المقبل عامها السابع.
يبقى موضوع الأكراد. والثابت حتى الآن أنه لا الحزب الديمقراطي الكردي، ولا ما يتبعه من «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات حماية الشعب»، ستكون على طاولة المفاوضات. وبحسب مصدر في المعارضة السورية، فإن الأكراد ممثلون في وفد الهيئة العليا.
وأمس، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد رمضان أن «وفد المعارضة سيركز على اقتراح تشكيل هيئة حكم انتقالي»، مشيرا إلى أنه يحمل معه «خطة متكاملة في هذا الاتجاه سوف يتم طرحها وهي تتضمن الآليات التنفيذية التي تستند إلى القرارات الدولية»..