عالم الموضة مقلوب رأسا على عقب هذا الموسم، ما بين تغييرات شملت رؤساء تنفيذيين لبيوت أزياء كبيرة مثل «رالف لوران» و«تيفاني آند كو»، وبين تنقلات مصممين، كان آخرهم ريكاردو تيشي مصمم دار «جيفنشي»، الذي تقول الإشاعات إنه سيلتحق بـ«فيرساتشي» ما إن تمر المدة المشترطة في عقده.
غني عن القول إن أغلب هذه التغييرات تعود جذورها إلى الأزمة الاقتصادية. فبسببها تم استحداث استراتيجيات جديدة تستهدف التصدي لها، وإن كان اللافت هذا الموسم أنها لم تعد وحدها المؤثرة على صناعة الموضة بعد أن دخل الجانب السياسي ليهز ركنا آخر من أركانها. فالموضة لم تُخف منذ البداية رفضها آراء دونالد ترمب ومواقفه العنصرية التفريقية بدعمها لهيلاري كلينتون، وبعد فوزه أعلنت رفضها التعاون مع زوجته ميلانيا، كما جرت العادة سابقا مع كل سيدات البيت الأبيض، ولا تزال هذه الثورة تغلي وتتفاعل. فالأمر لم يقف عند ميلانيا وشمل ابنته إيفانكا أيضا، حيث أوقفت محلات «نوردستروم» بيع منتجاتها، إثر حملة حركتها جماعة من النشطاء تحمل اسم «#GrabYourWallet»، تبرير «نرودستروم» لاتخاذها هذا القرار يعود إلى أن منتجاتها لم تعد تحقق الربح، ولم يعد هناك إقبال عليها، بينما فسره البعض الآخر بمحاولة من المحلات النأي بنفسها عن كل ما يمكن أن يؤثر على سُمعتها ومبيعاتها. وحتى إذا لم يكن السبب الحقيقي هو أن تنأى المحلات بنفسها عن اسم إيفانكا، فإن الحقيقة التي لا يُنكرها أحد أنها بهذا القرار كسبت قلوب الزبائن. فقد نشطت وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على التسوق من «نوردستروم»، لتُظهر تضامنها مع القرار الشجاع، لا سيما أن الكل يعرف أنها، أي المحلات، لن تسلم من تغريدات الأب الغاضب، وبالفعل سجلت ارتفاعا في المبيعات بنسبة 4 في المائة في الأسبوع نفسه.
ورغم هذه التفاعلات فإن الكل يعرف أن إيفانكا ترمب ليست هي المحرك الأساسي لهذه الثورة، فوالدها هو الذي يؤرقهم، نظرا لتأثيره السلبي على مصير كثير منهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة ينحدرون من أصول غير أميركية.
المصمم ثاكون صرح لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد ولدت ونشأت في تايلاند، وعندما انتقلت إلى أميركا، كنت في أقصى حالات السعادة لقناعتي بأنها المكان المثالي الذي تُمارس فيه الحياة بحرية تامة، ليس فقط في أسلوب العيش بل أيضا في التفكير، وهذا ما عزز قدراتي على الإبداع طوال هذا الوقت».
الياباني شوجي، الذي انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 1973، عبر عن الرأي نفسه معلقا: «أنا مهاجر و50 في المائة من العاملين معي مهاجرون مثلي، كما أن فلسفتي كانت ولا تزال هي أن أخاطب كل الأسواق بلغة الاحترام بغض النظر عن الثقافة والمعتقدات واللون».
ترجمة تاداشي شوجي لكل هذا تجسد في عرض كان مقاربة بين الثورة الشبابية التي شهدتها الستينات والسبعينات من القرن الماضي وبين الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية في المطارات وواشنطن وغيرها حاليا بسبب قرارات ترمب.
بيد أن المشكلة بالنسبة لصناع الموضة لم تعد تقتصر على منع المهاجرين من سبع دول إسلامية عن دخول الولايات المتحدة الأميركية، بل تشمل سياسة رفع الضرائب على الواردات الأجنبية التي تشكل تهديدا لا يقل خطرا عليهم.
ففي حال تم تطبيق هذه السياسة، سترتفع أسعار المنتجات المترفة بالقدر نفسه الذي سترتفع به أسعار الموضة السريعة التي يتم تصنيع أغلبها خارج الولايات المتحدة الأميركية. وحتى إذا كان الهدف منها مثاليا يستهدف تشجيع الصناعة المحلية فإن الفكرة غير قابلة للتطبيق في الوقت الحالي، نظرا لعدم توافر بنية تحتية وأسس تجعل العملية قابلة للتطبيق من دون تكاليف باهظة على كل المستويات.
لهذا ليس غريبا أن تطفو هذه الثورة على السطح، وتظهر بأشكال مختلفة. في عرض «غورانغ بابال» تم التعبير عنها من خلال «تيشيرتات» تقول إن المستقبل للمرأة تحسرا على عدم فوز هيلاري كلينتون ربما. أما عمران أميد، مؤسس موقع «بيزنيس أوف فاشن»، فأطلق مبادرة تضامنية عبر موقعه، طالبا كل عشاق الموضة وصناعها بإظهار رفضهم السياسة التفريقية التي يدعو لها ترمب بارتداء منديل «باندانا» باللون الأبيض طوال أسابيع الموضة. وجاء في البيان الذي وزعه على صناع الموضة والعاملين فيها: «ارتدوا باندانا باللون الأبيض لتعبروا للعالم بأنكم تؤمنون ومتمسكون بالعلاقات الإنسانية التي تربط بين البشر، أينما كانوا وأيا كانت معتقداتهم وميولهم وجنسياتهم». ناشد أيضا المصورين التقاط صور كل من يرتديه في الشارع حتى تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ «#TiedTogether» فتصبح المبادرة عالمية. وبالفعل انطلقت شرارة هذه المبادرة في نيويورك، ولن نستغرب انتقالها إلى لندن وميلانو وباريس وغيرها من عواصم العالم.
خلال أسبوع نيويورك الذي سينتهي اليوم، أرسل كل من ثاكون و«تومي هيلفيغر» والمصمم الياباني الأصل، تاداشي شوجي، العارضات بهذه المناديل ملفوفة حول معاصمهن، بينما أرسلت دار «كالفين كلاين» بطاقات الدعوة ملفوفة فيه.
فلأول مرة في تاريخ أسبوع نيويورك تطرح ثقافة ترمب الشعبوية والتفريقية أسئلة كثيرة لا تحتاج إلى مجرد أجوبة بقدر ما تتطلب مبادرات فعلية، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاحتفال بالتنوع والاختلاف من أهم العناصر التي ترتكز عليها عروض الأزياء، سواء كانت هذه الاختلافات في الميول والأهواء أو المعتقدات والثقافات.
ماركة «لابيرلا» الإيطالية، التي تشارك في الأسبوع النيويوركي لأول مرة، لم تستعمل المنديل الأبيض، ومع ذلك لم يخل عرضها من رسالة واضحة تتمحور حول حرية المرأة واستقلاليتها التي تهددها سياسات دونالد ترمب. افتتحت العرض ناعومي كامبل، البالغة من العمر 46 عاما، وأنهته كيندل جينر البالغة من العمر 21 عاما فقط، وكأن مصممتها جوليا هارت تريد أن تقول إن أول شيء يجب التخلص منه هو الهوس بعمر المرأة، وكونها تُركن جانبا بعد بلوغها منتصف العمر. لم تكن الرسالة سياسية حسب قول جوليا هارت: «بقدر ما هي رسالة عن المرأة التي أريدها أن تشعر بالثقة والقوة والأهم من هذا أن تشعر بأنها مسيطرة على مصيرها». وبالفعل تجسدت هذه القوة في فساتين أنثوية تنسدل بشفافية حينا ومطرزة حينا آخر. كما ظهرت في تايورات ببنطلونات ضيقة تعانق الجسم وجاكيتات بأكتاف قوية، وكأنها تتحدى النظرة المتعارف عليها للمرأة المستقلة التي كانت إلى عقد مضى تخاف إظهار أنوثتها حتى لا يساء فهمها أو لا تؤخذ بجدية. فالمرأة الآن في وضع يسمح لها بفرض نفسها بالشكل الذي تراه مناسبا لها ولحياتها، ولا بأس أن يأتي مظهرها مفعما بالأنوثة ما دام يمنحها الراحة والقوة. وهذا جانب عبرت عنه المرأة في 21 من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في مسيرتها المليونية لواشنطن ولخصته جوليا هارت بقولها إنها وضعت نصب أعينها أن «تقدم كل ما تريده هذه المرأة التي ترفض عن التنازل عن أي حق من حقوقها». وبينما عبر البعض عن رفضهم سياسات وقرارات ترمب علانية فإن البعض الآخر أعرب عن إحباطه من الوضع الجديد بالانسحاب أو الاكتفاء بمعرض مصغر مثل «راغ آند بون» التي قال رئيسها التنفيذي ماركوس واينرايت إن «إقامة عرض كبير بعد نتائج الانتخابات الأميركية ليس مناسبا». من هذا المنطلق اكتفت الدار بتشكيلة عادت فيها إلى أرشيفها، لتأخذ منه أهم ما قدمته عبر 15 عاما من تاريخها، الأمر الذي يفسر تركيزها على قطع مفصلة من الجينز وعلى سترات رياضية وغيرها. أما فيرا وانغ و«بروانزا شولر» و«رودارت» فقد اختاروا الهجرة إلى باريس هربا من الإصابة بالإحباط.
نبذة تاريخية عن الأسبوع
> نظمته أول مرة إليانور لامبرت في عام 1943، وحمل حينها اسم أسبوع الصحافة، لأنها أطلقته في الفترة التي شهدت نهضة «هوت كوتير» في باريس، مع بزوغ نجم كل من «كريستيان ديور» و«هيبار جيفنشي»، وضعت نصب أعينها أن ترتقي بالموضة الأميركية إلى المستوى نفسه.
> في الدورة الأولى للأسبوع دعت 53 مصمما إلى فندق البلازا لعرض تشكيلاتهم أمام باقة من وسائل الإعلام. كان مهما بالنسبة لها أن تمنح محرري الأزياء الأهمية نفسها والوقت الذي تمنحه للمشترين وأصحاب المحلات، أي قبل ستة أشهر من طرحها في الأسواق. مع الوقت أصبحت هذه العروض فردية ومستقلة.
> في عام 1993 تحولت رئاسة منظمة الموضة الأميركية للتصميم لفيرن ماليس. في عهدها شهد الأسبوع نقلة مهمة، خصوصا أنها هي المسؤولة عن جعل «براينت بارك» مقرا رسميا له لـ20 عاما. في هذه الفترة أصبح النجوم جزءا لا يتجزأ من ثقافته يمنحونه كثيرا من البريق. لكن مع ظهور ثقافة «ستريت ستايل» أو موضة الشارع التي شجع عليها مجموعة من المصورين والمجلات، تغيرت الصورة تماما، حيث أصبح بإمكان أي واحد يرتدي زيا غريبا أو أنيقا أن يتحول إلى نجم لثوان أو دقائق على «السناب شات» أو «الإنستغرام» أو «بيرسكوب».
* تراجع في عدد المشاركين هذا الموسم
* انطلق أسبوع نيويورك الأسبوع الماضي في أجواء باردة جديدة ليس مردها العواصف الثلجية فحسب، بل أيضا غياب عدد من المصممين عن برنامجه الرسمي. «تومي هيلفيغر» مثلا اختار لوس أنجليس مكانا لعرض الدار قبل انطلاق الأسبوع في نيويورك بيوم، وكأنه كان يعرف أن العواصف الثلجية ستزيد من برودته.
فقد نقل 50 عارضة في طائرته الخاصة، مصرحا بأنه كان بحاجة إلى تنظيم عرض غير عادي، أو «مدمر»، حسب وصفه، في شاطئ فينيس، بحضور ليدي غاغا وفيرغي التي غنت فيه.
شمس لوس أنجليس أغرت أيضا توم فورد وربيكا مينكوف ورايتشل زو، الذين فضلوها على نيويورك.
هذا التراجع في الأهمية الذي يشهده أسبوع ظل لـ24 عاما واحدا من أبرز الأسابيع العالمية، يثير كثيرا من التساؤل والمخاوف.
ستيفن كولب، الرئيس التنفيذي لمنظمة مصممي الموضة الأميركية، وهي الجهة المسؤولة عن البرنامج الرسمي، اعترف بأن الأسبوع يمر بفترة تجريبية، وبأن كثيرا من القواعد التقليدية تم تغييرها لمواكبة إيقاع الحياة السريع.
ورغم أنه قال مكابرا إن تقلص عدد المشاركين مؤقت ومجرد صدفة، وإن كل مصمم هجره تم تعويضه بآخر، فإن لغة الأرقام تؤكد العكس. فهناك 142 عرضا في البرنامج الرسمي هذا الموسم مقابل 153 مشاركا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وفيما كان اليوم الأخير يشهد مشاركة أسماء كبيرة مثل «رالف لورين» و«كالفن كلاين» و«مارك جايكوبس»، اقتصر هذه المرة على مارك جايكوبس وحده بعد أن غير كل من «رالف لورين» و«كالفن كلاين» توقيت عرضيهما حتى يضمنا حضورا أكبر. فالمتعارف عليه أن وسائل الإعلام والمشترين يغادرون نيويورك اليوم باتجاه أوروبا لحضور افتتاح أسبوع لندن. فهذا الأخير اكتسب أهمية أكبر في السنوات الأخيرة.
بيلا حديد في عرض «تومي هيلفيغر» بالمنديل الأبيض الملفوف على معصمها ويرمز للتضامن والتآخي - من عرض «مونكلير غرونوبل» - من عرض «مونكلير غرونوبل» - في عرض «كريتشرز أوف كومفورت» رسائل سياسية واجتماعية - في عرض «برابال غورانغ» رسالة قوية بأن المستقبل للمرأة - المنديل الأبيض الذي نادى موقع «BOF» بارتدائه تأكيدًا على التآخي والتضامن الإنساني قبل بدء عرض تاداشي شوجي