تتخوف قوى المعارضة السورية، عشية المفاوضات المرتقبة في آستانة وجنيف، من «مخطط دولي» تم تفويض موسكو بإعداده وتنفيذه، يقضي بـ«تسعير» الصراع المحتدم بين الفصائل المسلحة في الشمال السوري، سعيًا لتفكيكها، وإنهاء وجودها، أو على الأقل إضعافها إلى حد لا تستطيع بعده التصدي لأي حل سياسي للأزمة تتفق عليه الدول المعنية بالملف السوري، يخدم مصالحها، ويتوافق مع عملية تقاسم النفوذ التي تسعى إليها منذ فترة من الزمن.
وبعدما كانت المواجهة تتركز، في الآونة الأخيرة، بين «هيئة تحرير الشام» التي تقودها «جبهة النصرة» وفصائل في «الجيش الحر»، من بينها «جيش المجاهدين» وحركة «أحرار الشام»، انتقلت في الساعات الـ48 الماضية لـ«اقتتال شرس» بين «جند الأقصى»، المتهم بمبايعة تنظيم داعش، و«هيئة تحرير الشام»، خلّف خلال 24 ساعة ما يزيد على 70 قتيلاً في صفوف التنظيمين.
وقال مصدر قيادي في الجيش الحر، موجود في الشمال السوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المواجهات شرسة للغاية بين الطرفين اللذين يقاتلان عقائديًا، وتتركز في الريف الشمالي لحماه المتصل بريف إدلب الجنوبي»، كاشفًا عن مفاوضات تتم حاليًا لتسليم عناصر «جند الأقصى» سلاحهم الثقيل، والانتقال بسلاحهم الخفيف إلى مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي، لكنه شدد على أن ذلك لن يكون ممكنًا إلا إذا فتح النظام السوري ثغرة على الطريق الفاصل بين منطقة المعارضة ومنطقة «داعش» الذي يسيطر عليه، والمعروف بطريق حلب – حماة، في منطقة أثريا - خناصر.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل «69 مقاتلاً على الأقل، في قصف واشتباكات وتفجيرات وإعدامات بين فصيل (جند الأقصى) و(هيئة تحرير الشام)، التي تضم كلاً من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) وحركة (نور الدين زنكي)». واندلعت الاشتباكات إثر توتر ناجم عن «حرب نفوذ» في المناطق الواقعة تحت سيطرة الطرفين في محافظة إدلب وريف حماه الشمالي في وسط سوريا، وسرعان ما تطور الأمر ليشمل إعدامات وتفجيرات انتحارية، وبعربات مفخخة، من جانب «جند الأقصى». وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن ما يجري عبارة عن «تصفية حسابات بين أمراء حرب».
وكان فصيل «جند الأقصى» الذي تتهمه فصائل عدة بالارتباط بتنظيم داعش، قد انضم إلى جبهة «فتح الشام» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلا أن الأمر لم يستمر كثيرًا، بعد إعلان الجبهة الشهر الماضي فصله من صفوفها. وتأتي هذه المواجهات بعد معارك غير مسبوقة الشهر الماضي بين حركة «أحرار الشام» وفصائل متحالفة معها من جهة، وجبهة «فتح الشام» من جهة ثانية، بعدما كان الطرفان متحالفين. وعلى خلفية ذلك، أعلنت فصائل عدة آنذاك، بينها «صقور الشام» و«جيش المجاهدين»، الانضمام إلى حركة «أحرار الشام»، فيما اختارت فصائل أخرى، بينها جبهة «فتح الشام»، وحركة «نور الدين زنكي»، أن تحل نفسها، وتندمج تحت اسم «هيئة تحرير الشام».
وعبّر القيادي في «الحر»، الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، عن تخوف قيادة «الجيش الحر» من «مخطط استخباراتي دولي بدأ تنفيذه منذ تهجير أهالي حلب، يقضي بإلباس ما تبقى من فصائل مقاتلة بالصبغة السوداء، بعد حصرها بـ(القاعدة) و(داعش)، تمهيدًا لإصدار قرار أممي يسمح للتحالف الدولي بضرب مناطق المعارضة، بحجة مواجهة الإرهاب». وكشف القيادي عن «تسليم العشرات من عناصر (الحر) أسلحتهم في الآونة الأخيرة، على خلفية الاقتتال الحاصل بين الفصائل في الشمال، وتوجههم إلى تركيا، مما يجعل المخاوف من نجاح المخطط المذكور في مكانها تمامًا».
وتتلاقى هذه المخاوف مع قراءة ماريو أبو زيد، الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي، للتطورات الأخيرة في الشمال السوري، الذي تحدث في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن مؤشرات تفيد بـ«تفويض دولي لموسكو بمحاولة إنهاء المعارضة، من خلال المساهمة بزيادة الانقسامات الداخلية بين الفصائل، وهو ما تجلى بالسياسة التي اتبعتها موسكو بالتعاطي مع الفصائل خلال مؤتمر آستانة، حيث أصرت على عدم تشكيل وفد موحد، وترك الحرية لكل الفصائل الراغبة بالتمثيل في الوفد المفاوض، بهدف الإسهام بمزيد من الشرخ والتجزئة». ولم يستبعد أبو زيد أن يلحظ المخطط المذكور «السعي لإضعاف حركة (أحرار الشام)، بعد التفاف كثير من الفصائل حولها، بهدف تفكيك كل القوى العسكرية، مما سيسهل عملية تمرير حل سياسي يخدم النظام، فلا يكون للمعارضة قدرة على التصدي له».
ووفق المعلومات، تعتبر حركة «أحرار الشام» حاليًا الفصيل الأكبر في الشمال السوري، حيث تضم في صفوفها هناك 14 ألف مقاتل من مجمل 30 ألفًا يقاتلون في أنحاء سوريا، مقابل 10 آلاف مقاتل لجبهة «تحرير الشام»، شمالاً. إلا أن انشقاق قيادات كبيرة عن الحركة، كأبي جابر الشيخ وأبي صالح طحان وآخرين، وانضمامهم إلى الهيئة، ساهم في «ترهل» كيان «أحرار الشام»، وتشظيها داخليًا.
المعارضة السورية تتخوف من مخطط لـ«تسعير» صراع الفصائل وإنهاء وجودها
قيادي في «الحر»: العشرات من عناصرنا سلموا أسلحتهم وغادروا إلى تركيا
المعارضة السورية تتخوف من مخطط لـ«تسعير» صراع الفصائل وإنهاء وجودها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة