استشعارًا لأهمية الأمر، في ظل الظروف التي تعيشها الجالية المسلمة، في أعقاب تفجيرات باريس وبروكسل، نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة الذي يتخذ من بروكسل مقرا له، دورة تكوين للمعلمين في مدارس اللغة العربية والتربية الإسلامية، الموجودة في داخل المساجد والمنظمات الإسلامية، وشارك فيها أعداد من المعلمين والمتخصصين من عدة دول أوروبية، ومنها بلجيكا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا وإيطاليا، وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من اعتقال أعداد من الشبان صغار السن في بلجيكا وألمانيا، ودول أخرى، على خلفية التورط في أنشطة ذات صلة بالإرهاب والتطرف، ومنذ ذلك الوقت بدا الحديث عن دور المساجد والمدارس الإسلامية في حماية الصغار من الوقوع في براثن التشدد.
ولكن جهات أخرى، حاولت الربط بين نشر تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية في المساجد والمنظمات الإسلامية وبين نشر الفكر المتشدد، ولهذا السبب نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة هذه الدورة، حسبما قال خالد حجي المدير العام للمجلس في تصريحات لـ«الشرق الأوسط».
وأضاف أن «تنظيم هذه الدورة يأتي في إطار الحرص والاهتمام بالقضايا التي تواجه المسلمين في السياق الأوروبي، ومنها هذه القضية التي هي شائكة وبالغة الأهمية، لأن تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية أصبح محل شك وتساؤل، من طرف جهات مختلفة، وتدعي أن تدريس الدين الإسلامي واللغة العربية يفضي إلى التطرف، ولكن المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة سعى إلى ترشيد تدريس اللغة العربية وربطه إيجابيًا بتدريس مبادئ الدين الإسلامي، ويمهد الأجيال إلى التعايش والتحلي بأخلاق الوسطية في مجتمع مطبوع بالتسامح والتعددية، ولهذا نظمنا هذه الدورة واستدعينا أعدادًا من المتخصصين ومن دول مختلفة، وساعدنا حضورهم في الاطلاع على تجارب مختلفة.
كلمات المتحدثين تناولت التحديات التي تتعلق بالمناهج وطرق التدريس، وأيضًا الشروط التي يجب أن تتوفر في المعلم حتى يُعلِّم التلاميذ المنهج الديني الصحيح، ونشر مفاهيم الاعتدال والتسامح، والتحذير من الظواهر السلبية التي تهدد الفرد والمجتمع، وفي مقدمتها الفكر المتشدد، وعلى هامش الدورة وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قالت فاطمة قايطي عضو المجلس ومعلمة سابقة في إحدى المؤسسات الإسلامية في بلجيكا إن «مدرس اللغة العربية هو الذي يقوم بتدريس التربية الإسلامية، ويعتمد ذلك على المناهج التي تضعها المؤسسات والمراكز الإسلامية المختلفة».
وحول ما إذا كان المعلم قد جرى تأهيله للعب هذا الدور، قالت قايطي: «حسب تجربتي كنتُ من البداية أحاول أن أبث في نفسية الأطفال روح التسامح والتعايش والقبول بالآخر، لأن ديننا ينصحنا بذلك، واللغة العربية هي الأداة التي توصلنا بها إلى معرفة هذا الدين وإيضاحه لكل الناس»، وحول امتناع أعداد من التلاميذ، ابتداء من سن الرابعة عشرة عن المواظبة على دروس اللغة العربية والتربية الإسلامية، قالت قايطي إن هذه السن تمثل مرحلة حرجة ولو نظرنا إلى المترددين على مدارس اللغة العربية والتربية الإسلامية، نجد أن الأغلبية في سن السادسة إلى العاشرة، ثم يكون هناك أعداد أقل في المرحلة السنية ما بين العاشرة والرابعة عشرة، ولكن عند الوصول إلى مرحلة المراهقة، التي يريد فيها الشاب أن يعبر عن ميوله ورغباته وينصرف إلى هوايات أخرى، ويرى أن حضوره إلى هذه الدروس يكبح هذه الرغبة لأن أقرانه يمارسونها بحرية».
وتقول حوريه ودان وهي معلمة في إحدى المدارس بألمانيا، وشاركت في الدورة: «لقد استفدتُ كثيرًا واطلعت على تجارب متنوعة من دول أخرى وهذا يغني المعرفة، وبالتالي يمكن تحسين الأداء في المستقبل»، وحول دور المعلم في تربية الصغار على الفهم الصحيح للدين والبعد عن التطرف، قالت: «دور المعلم مهم جدًا ولكن لا ننسى دور الأسرة في المنزل لأن التنشئة الدينية الأولى تتم في البيت، ثم بعد ذلك في المسجد أو الجمعية الإسلامية فيتعلم الطفل مبادئ الدين، ويساعده ذلك على تكوين شخصية سوية وتثبت هويته الإسلامية»، وأضافت أن المعلم يجب أن يكون مؤهلاً، وربما توجد أعداد تنقصهم الكفاءة والتكوين، وهذا دور المنظمات مثل المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة لتكوين هؤلاء المعلمين وتطوير كفاءتهم.
المشاركون اتفقوا جميعًا على أهمية تأهيل المعلم لأداء دوره الذي لا يقل عن دور الإمام في المسجد أو الأب في المنزل في إطار مساهمة جماعية لمواجهة خطر التشدد. وجاء هذا التحرك عقب إعلان السلطات البلجيكية اعتقال عدد من المراهقين الذين تأثروا بالفكر المتشدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولمواجهة هذا التحدي كان الحرص على تأهيل المعلمين لضمان تقديم المعلومات لصغار السن من أشخاص مؤهلين. ودورة التكوين جاءت في إطار نهج يحرص المجلس على الالتزام به لنشر الوسطية والاعتدال، حسبما ذكر المسؤولون في المجلس غير الحكومي، الذي ينظم أنشطة في عواصم ومدن أوروبية مختلفة في هذا الإطار.
ويعني المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة بالشؤون الدينية والفكرية للمسلمين المقيمين بأوروبا. ويسعى إلى تثبيت مرجعية دينية تعزز سبل الحوار والتواصل بين مختلف الديانات والثقافات داخل المجتمعات الأوروبية.
دورات تأهيلية لمعلمي المدارس الإسلامية في أوروبا
لمواجهة التشكيك والربط بينها وبين التطرف

دورات تأهيلية لمعلمي المدارس الإسلامية في أوروبا

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة