الجنوب السوري ومصالح الأردن الأمنية

تخطى «الوسادة الأمنية»... واحتمالات الانخراط المباشر تتصاعد لمحاصرة «داعش»

الجنوب السوري ومصالح الأردن الأمنية
TT

الجنوب السوري ومصالح الأردن الأمنية

الجنوب السوري ومصالح الأردن الأمنية

عكس الانخراط العسكري الأردني المباشر في الأزمة السورية، عبر ضربات «موجعة» وجهها سلاح الجو إلى تنظيم داعش الإرهابي المتطرف داخل الأراضي السوري الأسبوع الماضي، تحولاً استراتيجيًا بالمنظومة الأمنية الأردنية تجاه سوريا؛ وذلك بالنظر إلى توسع نشاط «داعش» نحو الجنوب بشكل غير مسبوق، إثر الضربات التي يتلقاها في الموصل العراقية وشرق ووسط وشمال سوريا؛ مما يشكل تهديدًا مباشرا للأردن.
ولقد فرضت هذه المعطيات استجابة جديدة للأزمة، ورسمت ملامح استراتيجية جديدة، تبدأ من تشجيع إنشاء «منطقة آمنة» كانت طرحتها الإدارة الأميركية الجديدة في جنوب سوريا. بيد أن هذه الخطوة لا تحظى بمعارضة روسية، كونها ستكون تطويرًا لاتفاق شفهي بين عمّان وموسكو على التهدئة في المنطقة الجنوبية بدأ مع المرحلة الأولى من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا. وسيمهد إنشاء هذه «المنطقة» لضرب «داعش» الذي بات يتخذ من مخيم الركبان الحدودي «مكانًا للاستراحة والتجنيد والتخطيط للعمليات»، وهو ما يحتم على الأردن زيادة نشاطه العسكري المباشر في بادية الشام، ومن غير المستبعد أن تكون عملياته مباشرة.

لم تعد استراتيجية «الوسادة الأمنية» التي اتبعها الأردن، طوال السنوات الماضية لدرء خطر الإرهاب عن حدوده، كافية.
لقد اعتمدت عمّان، طوال السنوات الماضية سياسة دعم الفصائل السورية الموالية لها، لإبعاد تنظيم داعش الإرهابي المتطرف عن حدود الأردن الشمالية، ولتطويق لهيب الحرب داخل الأراضي السورية، ومنع تمدده. إلا أن التطورات في سوريا، بموازاة التغييرات الدولية والخطط الموضوعة على سكة الحل السياسي للأزمة، بدّلت معالم المشهد، وفرضت مخاطر جديدة، ليس أقلها تمدد «داعش» جنوبًا، هربًا من عصف الشمال.
إذ ذاك، تدخل الجيش الأردني بشكل مباشر، خلال الأسبوع الماضي، على خط ضرب مواقع التنظيم المتطرف. وكانت تلك هي من المرات النادرة التي انخرط فيها على هذا النحو منذ بدء الحرب السورية. وجاء في بيان للجيش الأردني، أن طائرات من سلاح الجو الملكي شنت غارات على أهداف مختلفة لـ«داعش» في الجنوب السوري، منها موقع عسكري كان قد سيطر عليه التنظيم ويعود سابقا لجيش النظام السوري. وأكد البيان، أن مقاتلات سلاح الجو الملكي دمرت مستودعات للذخيرة ومستودع لتعديل وتفخيخ الآليات وثكنات لأفراد من «داعش» باستخدام طائرات «درون» من دون طيار، وقنابل موجهة ذكية، وأسفرت العملية عن قتل وجرح الكثير من عناصر التنظيم، إضافة إلى تدمير عدد من الآليات.
ربط خبراء هذه العملية بالحديث عن «المنطقة الآمنة» التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أخيرًا، على أن تشمل المنطقة الجنوبية بوصفها اختبارًا للتدخل الأردني لحمايتها. غير أن المؤشرات الميدانية التي تزامنت مع العملية، تثبت أنها جاءت استباقًا غير مرتبط بها. ويقول الباحث السياسي الأردني محمد أبو رمان لـ«الشرق الأوسط»، خلال حوار معه إن «المنطقة الآمنة» لا تزال فكرة في طورها الأولي، ولم تنضج بعد، وهذا رغم أنها «مقترح أميركي يحظى بقبول مبدئي من قبل الروس». ولفت أبو رمان مضيفا: «لا تزال الفكرة في طور الاختمار، ومرتبطة بمحادثات آستانة التي تعتمد على تثبيت اتفاق وقف النار القائم، ثم هدنة عسكرية وصولاً إلى إنشاء مناطق آمنة في الشمال والجنوب».

«منطقة آمنة» على طريق الحل
تصوّر الأردن لـ«المنطقة الآمنة» التي تشمل مناطق الجنوب السوري، ستكون مخصصة لمنطقة (محافظة) درعا، بحسب أبو رمان الذي يشير إلى أنها «ستكون بالتفاهم بين الأردن والشركاء البريطانيين والأميركيين من جهة، والروس والنظام السوري من جهة ثانية، كون الروس سيكونون ضمانة النظام بتحييد المنطقة عن العمليات العسكرية»، وإلى أن إقرار هذه المنطقة «سيتيح التفرغ لقتال (داعش) والحركات الإرهابية القريبة منه، شرط أن تكون المناطق الآمنة محكومة لضمانات دولية لعدم الاعتداء عليها». ويضيف «ينظر الأردن إلى المنطقة الآمنة على أنها مفتاح مهم للحل في سوريا، ومرحلة من المراحل المقبلة قبل التوصل إلى حل سياسي نهائي. ويأمل أن تكون منطقة لتعزيز التبادل التجاري والتنمية الاقتصادية؛ كونه يمكن أن تتم الاستفادة من سهل حوران زراعيًا». ثم يوضح أن خطة التنمية في المنطقة «تنطلق من كون الأردن ينظر إلى أن المنطقة الجنوبية ستكون أقرب إلى مسؤوليته».
والواقع أن إقرار «منطقة آمنة» محتملة في جنوب سوريا، سيكون تثبيتًا وتطويرًا لاتفاق شفهي سابق بين موسكو وعمّان حيّد الجنوب السوري عن العمليات العسكرية الروسية إلى حد كبير، وذلك في مقابل تقليص غرفة «الموك» Military Operations Center (MOC) في الأردن دعمها العسكري للفصائل العسكرية في الجنوب؛ ما ساهم في تخفيض حدة المعارك، وبسط هدوء نسبي على المنطقة، خرقها نظام بشار الأسد بعمليات عسكرية محدودة.
ومن شأن إقرار «المنطقة الآمنة» توفير ضمانات حقيقية يفتقر إليها الاتفاق الشفهي السابق، ويتحول الروس إلى طرف ضامن للمنطقة بهدف تعزيز العمليات لضرب «داعش». وبموجب الاتفاق السابق، فرض هدوء على جبهتي محافظتي درعا والقنيطرة بعد أقل من شهر على تدخل روسيا العسكري في سوريا يوم 30 سبتمبر (أيلول) 2015، إلا أن النظام خرقها بعدما منحه تدخل العامل الروسي «فرصة لالتقاط الأنفاس» في المنطقة.

انخراط عسكري مباشر
في مقابل هذا الهدوء، تنامت المخاوف من نشاط «داعش» المتجدد على الحدود الأردنية في جنوب وشرق ووسط سوريا. فقد باتت بادية الشام، مصدر التهديد الأول للأردن، بعد انتكاسات التنظيم في الشمال والرقة وفي مدينة الموصل العراقية؛ ما دفعه إلى تحويل جهوده باتجاه شرق سوريا في دير الزور وريفها، ووسط سوريا قرب تدمر، والبادية المتصلة بريف دمشق الشرقي عبر القلمون الشرقي، وصولاً إلى ريف محافظة السويداء الشرقي المحاذي للحدود الأردنية الشمالية.

«هم» مخيم الركبان
يقول أبو رمان، إن تمدّد التنظيم شرقي محافظة السويداء، وشن عمليات باتجاه مخيم الركبان الحدودي مع الأردن، مثّل الضربة الأخطر بالنسبة للأردن، كاشفًا عن «معلومات أمنية أردنية تؤكد أن مخيم الركبان أصبح مصدر تهديد حقيقيا؛ كونه صار بمثابة نقطة استراحة لـ(داعش)، حيث يستفيد التنظيم منه في ظل معلومات عن جزء كبير من سكان المخيم، هم من عوائل مقاتلي (داعش)».
ويضيف «عليه، يأخذ أعضاء التنظيم استراحتهم في المخيم، ويأخدونه فرصة لتجنيد المقاتلين، ويستعدون فيه لعملياتهم الإرهابية في المنطقة».
وعلى ضوء اعتماد الأردن على مقاتلين سوريين متحالفين معه، في جنوب وشرق البلاد، يحاول التنظيم في المقابل التخلص من تنظيمي «أسود الشرقية» و«جيش العشائر» اللذين يقاتلان التنظيم في سوريا. ويُضاف التنظيمان، إلى قائمة عمّان لحلفائها في جنوب سوريا.
وللعلم، في وقت سابق، بعد أشهر قليلة على بدء الحرب السورية، واستخدام النظام السلاح ضد معارضيه، فتح الأردن أبوابه ملجأً للمدنيين، بينما سهّل وصول الدعم للمقاتلين المعارضين المعتدلين عبر غرفة «الموك». واستطاعت المعارضة السيطرة على أكثر من 70 في المائة من مساحة محافظة درعا، اتصلت بمناطق سيطرة المعارضة في القنيطرة، وبالغوطة الغربية لدمشق، بدعم من غرفة «الموك».
وحاليًا، يقاتل تنظيما «أسود الشرقية» و«جيش العشائر» على خط مقارعة «داعش» في شرق وجنوب شرقي سوريا المحاذي للحدود الأردنية. ويقول أبو رمان، إن القائمة «سيُضاف إليها فصيل آخر، هو قوات عشائر السويداء التي برز اسمها في الأيام القليلة الماضية، لقتال (داعش) في ريف السويداء الشرقي»، وهؤلاء من «المقاتلين العشائريين الذين يعزز الأردن علاقاته معهم»، ورغم حجم الأخطار بالنسبة للأردن، لا يوحي بأن الاعتماد على هؤلاء المقاتلين الموالين سينجح من إبعاد الخطر نهائيًا.
وعليه، لا يستبعد أبو رمان أن يزيد الأردن نشاطه العسكري المباشر في بادية الشام، بعد العملية التي نفذها الأسبوع الماضي لضرب «داعش»: «وقد يشمل أيضًا عمليات اشتباك مباشر مع (داعش)؛ كون استراتيجية (الوسادة الأمنية) القائمة على دعم الحلفاء من الجيش السوري الحر في داخل سوريا والاعتماد عليهم، لم تعد كافية».

حوض اليرموك
إلى جانب الخطر المترتب على تمدد «داعش» في الجنوب الشرقي لسوريا، تمثل منطقة «حوض اليرموك» بؤرة خطر ثانية. وهي المنطقة التي يتمدد فيها تنظيم «جيش خالد بن الوليد» الموالي لـ«داعش»، وينتشر على خط حدودي مع هضبة الجولان المحتل من قبل إسرائيل، وتبعد كلم واحدا عن الحدود الأردنية في شمال غربي البلاد.
إلا أن معالجتها تخضع لتعقيدات أخرى تتمثل في وجود إسرائيل في المنطقة، فضلاً عن وجود مدنيين أيضا، خلافًا للمنطقة الشرقية، وهي منطقة صحراوية، يسهل ملاحقة «داعش» فيها وقتالهم.
لكن المنطقة نفسها، يوجد فيها حلفاء للأردن يحاصرون «لواء شهداء اليرموك» الموالي لتنظيم داعش في جنوب سوريا. وعلى مدى خمس سنوات، بنى الأردن علاقات جيدة مع فصائل الجبهة الجنوبية، وتعتبر تلك الفصائل المعتدلة التي تنتمي إلى «الجيش السوري الحر»، مقربة من عمان، وقد تلقت دعمًا من الأردن عبر غرفة «الموك» لمواجهة تنظيم «شهداء اليرموك» الموالي لـ«داعش» في ريفي درعا الغربي والقنيطرة. ويُشار إلى أن «جيش خالد بن الوليد»، أعلن عنه في مايو (أيار) الماضي، إثر اندماج للتشكيلات الموجودة ضمن حوض اليرموك، التي يشكل «لواء شهداء اليرموك» عمادها. ونص الاندماج مع «حركة المثنى» آنذاك على إعادة هيكلة التشكيلات الموجودة ضمن حوض اليرموك تحت مسمى «جيش خالد بن الوليد».
ويقول أبو رمان «تمثل المنطقة خطرًا من الدرجة الثانية بالنظر إلى أن فصائل (الجيش السوري الحر) تحاصر التنظيم فيها، حيث تشارك فصائل الجبهة الجنوبية و(أحرار الشام) في حصار التنظيم المتشدد، ويدعم الأردن القوات المعتدلة التي تقاتل المتشددين وتحاصرهم».
ويشرح أن الموقع الجغرافي للمنطقة المحاذية لهضبة الجولان، حيث تتواجد إسرائيل «قد يكون عاملاً مهمًا وحاسما في المواجهة مع التنظيم»، في إشارة إلى احتمال انخراط إسرائيل بشكل مباشر فيه، من غير أن يستبعد إمكانية أن يكون للأردن أيضًا دور فيه»، لافتًا إلى أن وجود المدنيين في المنطقة «قد يعيق العمل العسكري الواسع، خلافًا للمعركة في البادية، منعًا لوقوع إصابات وضحايا في صفوف المدنيين».
ويذكر أن «داعش» كان قد تحرك جنوبًا، بعد سلسلة انتكاسات تعرض لها في الشمال والشرق، محاولا زيادة رقعة سيطرته في ريف درعا الغربي. وبدأت المعارك حين شنت الكتائب المبايعة لـ«داعش» هجومًا موسعًا تركز في محاور محيط منطقة العلان وسد سحم الجولان ومحور تسيل – عين ذكر بالريف الغربي لدرعا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».