غياب الممثل ـ المخرج في السينما العربية رغم انتعاشه عالميًا

فقدان طموح أم تقصير؟

محمد خان وخيري بشارة - وورن بيتي
محمد خان وخيري بشارة - وورن بيتي
TT

غياب الممثل ـ المخرج في السينما العربية رغم انتعاشه عالميًا

محمد خان وخيري بشارة - وورن بيتي
محمد خان وخيري بشارة - وورن بيتي

تبادل المخرجان؛ خيري بشارة، والراحل، محمد خان، التمثيل، كلاً في أفلام الآخر. الأدوار لم تكن كبيرة بل أحيانًا ما كانت أقرب إلى ظهور كضيف شرف وفي أحيان أخرى ضمن أدوار محددة وصغيرة. ما دفعهما إلى ذلك صداقة كل منهما للآخر، وتبادل الظهور وطرافته.
كذلك ظهر المخرج توفيق صالح في أحد أفلام يوسف شاهين وأدت المخرجة اللبنانية أدوارًا في أعمال سواها، فظهرت مثلاً كبطلة في فيلم «رصاصة طائشة»، وكإحدى ممثلات الفيلم المغربي «روك القصبة» (لاعبة دور إحدى بنات عمر الشريف). كما ظهر العراقي قاسم حول كأحد ممثلي فيلمه الأخير «بغداد، خارج بغداد»، وقام التونسي نوري بوزيد بالظهور في آخر عمل له كمخرج وهو «الفيلم الأخير».
والبحث في التاريخ سيؤدي لاكتشاف بضع حالات لمخرجين عرب قاموا بالتمثيل في أفلامهم أو أفلام سواهم، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى الكشف عن قائمة موازية من الممثلين الذين تحوّلوا كليًا إلى مخرجين.
هناك حسين صدقي ويوسف وهبي كونهما جاءا من التمثيل أساسًا، لكنهما مثَّلا في معظم ما قاما بإخراجه وتوقفا عن ذلك في أول فرصة متاحة. بكلمات أخرى، لم يُظهرا رغبة عارمة في احتواء الإخراج كحالة منفصلة أو كمستقبل يتفرغان له.

تمثيل فقط

ذلك يدفع للتساؤل حول ما يمكن أن يكون السبب الذي يحد من رغبة الممثلين، ولدينا منهم مئات في الماضي والحاضر، في التحوّل (جديًا) إلى الإخراج. بالمراجعة، يرصد المرء اكتفاء المعظم الكاسح من الممثلين المعروفين بالعمل أمام الكاميرا وترك مهمّة الإخراج لسواهم على نحو مَن يؤكد للآخر، هذا عملي وذلك عملك، ولا خلط بين الاثنين.
لكن، إذا ما كانت السينما الغربية هي النموذج التي احتذت به السينمات العربية، وتحقيق الأفلام على منوالها وبمستوياتها كان دائمًا حلم المبدعين العرب، فإن تلك السينما، في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة أساسًا، عرفت كثيرًا من الممثلين الذين مارسوا الإخراج في أفلام ظهروا في بعضها واكتفوا بالإخراج في بعضها الآخر.
الاكتفاء بالإخراج يعني شيئًا واحدًا، وهو أن هذا الممثل المنتقل إلى الإخراج يريد أن يبرهن لمجتمعه السينمائي ووراءه الجمهور الكبير على قناعتين: الأولى أنه يستطيع أن يخرج بنجاح، والثانية أنه إنسان طموح ولديه موهبة أكيدة في هذا المجال.
فهل شكا أحمد زكي أو صلاح ذو الفقار أو فريد شوقي أو محمود ياسين أو هند رستم أو مريم فخر الدين، وسواهم كثيرون، من افتقارهم إلى الطموح أو هم اعتبروا أن الاكتفاء بعملهم الأول والأساسي هو كل ما يصبون إليه؟
الغالب أن الطموح كان موجودًا. لكنه اقتصر على طموح التمثيل وحده. أو التمثيل والإنتاج مثلاً على أساس أن الإنتاج يمنح الممثل قوّة مضاعفة، ليطوّع الفيلم على النحو الذي يريده، ولكي يحقق عبره مزيدًا من الدخل إذا ما نجح.
لا عيب في ذلك باستثناء أنه يرسم قطيعة مباشرة، وإن كانت غير ظاهرة سابقًا، بين ممثلي السينما العربية وأترابهم في السينمات الغربية.
روبير أوسين في فرنسا وديفيد أتنبورغ في بريطانيا وروبرتو بينيني في إيطاليا أمّوا الإخراج جديًا بعد سنوات التمثيل بصرف النظر عن النتائج الفنية أو التجارية (تتفاوت عمومًا بين جيد وممتاز). لكن إذا ما كانت هذه التجارب تبدو محدودة (وهي ليست كذلك إذا ما رصدنا كل الممثلين الأوروبيين الذين تحوّلوا إلى الإخراج واستمروا فيه)، فإن تلك الأميركية أكثر وضوحًا لمن يريد المقارنة.
في الماضي، كما في الحاضر، لا تتوقف النماذج عن التأكيد على أن الرابط بين التمثيل والإخراج كان ضروريًا في خلد كثير من الممثلين والممثلات في هوليوود من أيام السينما الصامتة وحتى اليوم.
فالكوميديان بستر كيتون وتشارلي شابلن في العقدين الأولين من القرن العشرين طمحا، وعن صواب، لضم الإخراج إلى ملكياتهما الفنية، وأفضل ما قاما بتمثيله كان من إخراجهما أيضًا. وإذا ما تجاوزنا تجارب أورسون ولز في هذا الصدد (لمجرد أنه ظاهرة قائمة بحد ذاتها)، فإن الوضع ما زال على حاله منذ الستينات والسبعينات وحتى اليوم.
وورن بيتي كمثال أول، بدأ ممثلاً في عام 1961 بفيلم «روعة على الحشائش» ((Splendor on the Grass واستمر في هذا الدرب وحده حتى سنة 1987 عندما اشترك مع الكاتب بَك هنري بتحقيق فيلم عنوانه «السماء تستطيع الانتظار». بعده أم بيتي درب الإخراج منفردًا من دون أن ينقطع عن التمثيل في أفلام سواه، فحقق «حمر» (1981) و«دك ترايسي» (1990) ثم «بولوورث» (1998) وحاليًا «القوانين لا تطبق» (2017). ومن البداية، عرف كيف يفرض أعمالاً جيدة تحمل علامات المخرج الجيد في كل جوانبها. هذا تبدّى بوضوح في «حمر» و«دك ترايسي» و«بولوورث» لكن «القوانين لا تطبق» يعاني شيئًا من بعد المسافة عما سبق من أعماله في هذا المجال.

نماذج أخرى

نظيره الأنجح في هذا المجال كان كلينت إيستوود الذي بدأ في منتصف الخمسينات بأدوار إذا ما رمشت عينك غفلتها من صغرها، ثم أمّ التمثيل في ثلاثية سيرجيو ليوني المعروفة «حفنة من الدولارات» و«لأجل حفنة أكثر من الدولارات» و«الطيب والشرير والبشع» قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة نجمًا في منتصف الستينات.
هناك التحق بأعمال مخرجين كلاسيكيين مؤسسين أمثال دونالد سيغل وجون ستيرجز لبعض الوقت لكن عيناه كانتا مرتكزتين على كرسي الإخراج. في عام 1971 أخرج أول أفلامه «اعزف لي ميستي»، وكان ذلك بداية طريق ناجح ومتصاعد كمخرج حتى بات الآن معروفًا أكثر كمخرج منه كممثل. عمليًا هو مخرج السنوات العشرين السابقة وممثل ما قبلها.
من الفترة ذاتها، وفي طريق مشابه في أكثر من وضع، انتقل وودي ألن من التمثيل الكوميدي لآخرين إلى التمثيل في أفلام يقوم بإخراجها هو (كما فعل إيستوود مطلع الأمر) لكن عندما تأكد أنه لم يعد يصلح للعب دور العاشق أو الحبيب استبدل بشخصيته ممثلين أصغر سنًا، واكتفى بناصية الإخراج وأنجز أيضًا نجاحًا متواليًا حتى اليوم.
جودي فوستر هي من نتاج السبعينات كذلك. تعرّفنا عليها في السادسة عشرة من عمرها تؤدي دور فتاة دون تلك السن اضطرت للعمل «عاهرة»، وذلك في فيلم مارتن سكورسيزي «تاكسي درايفر». بعد ذلك باتت ممثلة مشهورة، و(بالنسبة للكثيرين) نجمة قبل أن تضع الإخراج نصب عينيها، وحتى الآن أخرجت أربعة أفلام آخرها «وحش المال» في العام الماضي.
والعروض الحالية من الأفلام تشهد باستمرار هذا المد ونجاحه.
لدينا بن أفلك وفيلمه الجديد «عش ليلاً» (رابع أعماله مخرجًا) ودنزل واشنطن الذي يعود للإخراج بفيلم «حواجز»، ومل غيبسون الذي يعود بدوره إلى الإخراج بفيلم «هاكسو ريدج». ويقوم جورج كلوني بوضع اللمسات الأخيرة على فيلمه الجديد مخرجًا (السادس له منذ سنة 2002 عندما حقق «اعترافات عقل خطير») وعنوانه «سبيربيكان» تمهيدًا لفيلم سابع بات السيناريو جاهزًا له بعنوان «هجمة قراصنة الكومبيوترز» Hack Attack)).
كل ذلك يعيدنا إلى حقيقة أن الممثلين العرب، في الإجمال، لم يؤمنوا بأن شغل المخرجين هو خطوة تكميلية لشغل الممثلين. لجانب أن البعض افتقر إلى الطموح، فإن السائد أيضًا هو اعتبار أن الشهرة التي تتحقق عبر التمثيل (بصرف النظر عن مستواه) أسرع وأفضل من تلك التي تتحقق عبر الإخراج.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.