تعتمد الجمعيات الخيرية في السعودية بشكل كبير على دعم الأفراد الميسورين أو الشركات التي تهتم بتقديم الدعم الخيري، إلا أن ذلك يضعها أمام قوائم مالية متذبذبة عاما بعد عام، ويربك الكثير من برامجها وأنشطتها الأهلية سواء المتعلقة بتقديم الدعم المالي للأسر المحتاجة أو إقامة الندوات وعقد برامج تدريب وتأهيل الأسر، ما دفع بالكثير منها في الفترة الأخيرة لتبني أفكار وآليات جديدة تسمح لها بالبقاء وتأدية عملها بصورة أفضل.
يقول غانم العنزي الباحث في الشأن الاجتماعي إن الجمعيات الخيرية الحالية تحاول الابتعاد عن البيروقراطية في إدارة أعمالها والتحول إلى مؤسسات خيرية حديثة اللوائح والقوانين والتنظيم، كما تطمح للتحول إلى جمعيات جاذبة لرجال الأعمال والشركات.
ويرى الغانم في بحثه الذي حمل عنوان «خارطة القدرات الداخلية للجمعيات الخيرية» واقع العمل في الجمعيات الخيرية وكشف عنه أخيرا، أن الساحة تشهد تطورا كبيرا في العمل الخيري في الجمعيات الخيرية المحلية والإقليمية والدولية، سواء كان في شكل إنشاء جمعيات خيرية جديدة أو افتتاح فروع لتلك الجمعيات.
جاء ذلك خلال جلسات وأعمال المنتدى الأول للتكامل في العمل التنموي والخيري «وتعاونوا» أول من أمس، الذي دشنه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة الأربعاء الماضي، وشهد تفاعلا كبيرا بين مسؤولي 52 جمعية خيرية في منطقة المدينة المنورة والشركات ذات المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع والمؤسسات الخيرية، ورجال الأعمال الداعمين للعمل الخيري.
وطرح الباحثون المشاركون في فعاليات المنتدى الذي يُنظمه مجلس التنسيق بين الجمعيات الخيرية بمنطقة المدينة «تنسيق»، بحوثا ودراسات متنوعة، تناولت في محورها الرئيس موضوع وشؤون العمل الخيري بالمملكة.
من جهته تحدث الباحث ياسر نصيف عن استقطاب وإدارة الكوادر القيادية في الجمعيات الخيرية والصعوبات التي تواجهها الجمعيات الخيرية في اجتذاب الكفاءات القيادية التي تأخذ بيد الجمعية لتحقيق أهدافها، مبينا أن الجمعيات تعاني من أجل المحافظة على أفضل الكوادر القيادية للحيلولة دون تسربها.
كما تناول الباحث إبراهيم بن محمد التركي المنهجية الملائمة لتصميم وترويج المنتجات الخيرية الجاذبة لإدارات المسؤولية الاجتماعية في كبرى الشركات، وقال «إن أي منتج للمسؤولية الاجتماعية تحاول أي جهة استشارية أو تنسيقية تسويقه لإدارات المسؤولية الاجتماعية للشركات من أجل إقناعهم بتبنيه، ومن الأفضل أن يأخذ باعتباره موضوع استدامة الأعمال لتلك الشركات».
وفي ورقة بحثية بعنوان «تسويق المنتجات الخيرية الجاذبة» طرح الباحث الدكتور عبد الله بن سالم باهمام، تفاصيل موضوع تسويق المنتجات الخيرية أكد من خلالها على أن الكثير من الناس يُخطئ في ظن أن التسويق الخيري هو جمع تبرعات، بينما الحقيقة أن جمع التبرعات هو عملية واحدة من مجموعة عمليات وهي عملية واحدة من المزيج التسويقي، مُقدما خلال بحثه شرحا وافيا عن كيفية صناعة منتج جاذب.
في حين تناول الدكتور كمال شعبان عبد العال خلال جلسات المنتدى الحديث عن المسؤولية الاجتماعية وتعزيز الاستدامة وقال «إن العمل الخيري التقليدي لا يحقق الاستدامة فهو بمثابة العطاء المتقطع وغير الدائم، وإن عدم تحقيق الاستدامة في المسؤولية الاجتماعية يعني وجود توجه تقليدي أو غير صحيح»، مؤكدا أن الأصل في المسؤولية الاجتماعية هو تحقق الاستدامة.
كما استعرض الدكتور محمد بن ناصر بن محمود، مؤشرات الأداء وأهميتها ودورها في تطوير استراتيجية العمل الخيري، مؤكدا على ضرورة إعداد مؤشرات أداء للعمل الخيري والاجتماعي، وأهمية وجود جهة مبادرة لتبني مؤشرات الأداء من بداية الحصول على المعلومات، إضافة إلى نشر المعلومات المتعلقة بأداء الجمعيات الخيرية والجهات المستفيدة، لتقوم بواجبها نحو التحسين والتطوير مع الاستمرار في عملية المتابعة على الأداء، وتحديث البيانات الخاصة بمؤشرات الأداء، وصولا بالعمل الخيري للمعايير العالمية.
هذا ويعد عدد الجمعيات الخيرية في المملكة محدودا مقارنة بحجم المملكة ومساحتها الشاسعة، حيث لم يتجاوز عدد الجمعيات الخيرية بالمملكة 500 جمعية، بينما في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 1.514.000 جمعية خيرية، وفي إسرائيل أكثر من 40.000 جمعية، والعالم العربي بأكمله من شرقه لغربه لا يتجاوز عدد الجمعيات فيه بضعة آلاف.
يقول الدكتور سليمان العريني كاتب وخبير في التخطيط الاستراتيجي إن إيرادات الجمعيات الخيرية في أميركا مثلا تبلغ أكثر من (800) مليار ريال سنويا، في حين يعمل في هذه الجمعيات أكثر من (11) ألف موظف وموظفة. وينظر إلى العمل التطوعي كقطاع ثالث، إلى جانب قطاعي العمل الحكومي والخاص.
ويرى العريني أن المملكة ومن خلال وزارة الشؤون الاجتماعية تبذل جهودا مشكورة في عملية تنظيم وإدارة الجمعيات الخيرية، إلا أن هذه الجهود التي تبذل دون مستوى الطموح.
ويضيف «على مستوى الإحصائيات لا توجد إحصائيات رسمية أو معلومات منشورة ومتاحة للمجتمع عن حجم المبالغ التي تملكها الجمعيات الخيرية، ولا عن حجم مصاريف التشغيل والإدارة لهذه الجمعيات، ولا عن حجم المبالغ المدفوعة للمستفيدين من خدمات الجمعيات الخيرية، ولا عن المسؤولين عن هذه الجمعيات. وبسبب غياب المعلومة، يتحدث بعضهم عن وجود تضخم في المصاريف الإدارية والتشغيلية، مثل الرواتب والمباني والإيجارات والأثاث، على حساب ما يجري تخصيصه للمستفيدين».
ومن هنا يعتقد العريني أنه وفي ظل عدم وجود معلومات تفصيلية عن حجم إيرادات ومصاريف الجمعيات الخيرية، وعدم وجود شفافية في عرض جميع المعلومات المالية والإدارية، فإن ذلك قد يدفع بالمتبرعين للإحجام، أو يحجم الراغبين في الدعم والعطاء.
ومن ناحية الدعم المالي والمعنوي يلاحظ أن الدعم المقدم من وزارة الشؤون الاجتماعية دعم محدود ويعتمد عمل بعض الجمعيات الخيرية وإدارتها على «العمل التطوعي» غير المؤسس، وهو الاعتماد على أشخاص يعملون بشكل جزئي، وأحيانا متقطع أو موسمي، وقد يتسلم هؤلاء المتعاونون مكافآت، للقيام ببعض الأعمال مثل تحصيل التبرعات، واستقبال المستفيدين، وغيرها.
الجمعيات الخيرية.. مساع لتجاوز البيروقراطية والاعتماد على الميسورين
بحثت في منتدى «وتعاونوا» المحافظة على الكوادر القيادية والحد من تسربها
الجمعيات الخيرية.. مساع لتجاوز البيروقراطية والاعتماد على الميسورين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة