كان نشاط سوق العقارات في العاصمة الروسية خلال نهاية عام 2016 ومطلع عام 2017 شبيهًا إلى حد بعيد بنشاط سوق النفط العالمية، فمن جانب واصلت أسعار العقارات تراجعها، نظرًا لارتفاع العرض مقابل عجز الطلب عن استيعاب كل العروض، ومن جانب آخر كانت شركات البناء العقاري تزيد من إنتاجها (العقارات التي تشيدها)، خلال التنافس فيما بينها على السوق، وهذا عوضًا عن حرصهم على تقليص الإنتاج لدفع السوق نحو الاستقرار وربما زيادة الطلب مقابل العرض.
بهذه العبارات يرسم خبراء مؤسسة «إيرن» الروسية للدراسات والنشاط العقاري، حال السوق في منطقة مدينة موسكو نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، ويتوقعون أن ينتهي الأمر بالنسبة لسوق العقارات تمامًا مثلما انتهى في سوق النفط، حيث ستضطر شركات البناء للبحث عن صيغة توافقية وتقليص الإنتاج لضبط السوق، التي يرجح أن تشهد خلال الأشهر الأولى من عام 2017 تراجعًا على سعر المتر المربع.
وتشير دارسات حول سوق العقارات الروسية، وتحديدًا سوق الشقق السكنية وفق المعايير العامة، دون الشقق والعقارات الفاخرة، إلى أنه بحال تراجع حجم البناء في السوق خلال هذه المرحلة، فإن سعر المتر المربع السكني في منطقة موسكو، قد يسجل على المدى المتوسط تراجعًا إضافيًا بنحو 10 في المائة، ومن ثم سيبدأ الطلب بالصعود تدريجيًا إلى أن يصبح أكبر من العرض.
وبناء عليه، يحذر الخبراء في السوق العقارية الروسية شركات البناء من أنه بحال واصلت إنتاجها، «وانتشرت كثير من الأبنية الجديدة، مثل انتشار الفطر بعد المطر»، فإن سعر المتر المربع سيواصل تراجعه على مدار عدة سنوات قادمة، وقد يخسر المتر المربع من 30 إلى 40 في المائة من سعره بالروبل الروسي.
وكان مؤشر سوق العقارات الروسية قد سجل استقرارًا خلال الأسبوع الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) 2017، دون أن يحقق أي ارتفاع، وبقي متوسط السعر عند مؤشر وسطي 168 ألف روبل (نحو 2.8 ألف دولار) للمتر المربع. بينما سجل مؤشر السعر بالدولار الأميركي ارتفاعًا طفيفًا، لكن ذلك يعود إلى استعادة الروبل الروسي بعض عافيته أمام الدولار.
* ضغوط السوق
وما زال المستوى المرتفع للعرض، ومصدره بالدرجة الأولى العقارات الجديدة، يشكل عامل ضغط سلبيًا على السوق الثانوية، ويفرض على اللاعبين إعادة النظر في توقعاتهم للأسعار. وقد أدى هذا إلى تراجع أسعار الشقق السكنية في السوق الثانوية لمنطقة موسكو إلى مستويات قريبة من أسعار الشقق قيد البناء، وأدنى من ذلك في بعض الحالات.
وكانت أسعار العقارات السكنية بالروبل الروسي قد شهدت العام الماضي تراجعًا بطيئًا، لكنه مستمر. وإذا كانت السوق قد شهدت انتعاشًا في النصف الأول من العام، فإن الوضع تغير بحلول الخريف الذي حمل معه مستجدات خيبت آمال اللاعبين في السوق. ويعود التراجع البطيء على الأسعار مطلع العام الماضي إلى خشية المشترين من إلغاء القروض العقارية الميسرة، فضلاً عن المخاوف من استمرار تراجع قيمة الروبل.
وضمن هذا المشهد، تراجع الطلب في الخريف إلى أدنى مستوياته، وعوضًا عن الارتفاع التقليدي خريفًا على الأسعار، دخلت السوق مرحلة تراجع، حيث حاول أصحاب شركات البناء الحد منه عبر تقديم حسومات غير مسبوقة على الأسعار، بلغت 20 إلى 25 في المائة مع نهاية العام، علمًا أن الحسومات في هذه الفترة من السنة، خلال السنوات السابقة، لم تتجاوز حدود 10 في المائة.
ويمكن القول إن السوق كانت خلال عام 2016 لصالح المشترين بشكل عام، إذ أصبحوا متطلبين أكثر خلال انتقائهم للعقارات، فضلاً عن ذلك أصبح بإمكانهم الاختيار من بين عدد كبير من الاحتمالات المتوفرة، دون أن يضطروا لاتخاذ القرار على عجل، إذ لا خشية من ذهاب العرض على العقار المحدد بسرعة من قائمة العرض في السوق، وأصبح فترات «معارض» الشقق، أو الفترة التي يمكن للراغبين خلالها التعرف على العقار، طويلة جدًا.
* تضاعف «فترات العرض»
وحسب معطيات وكالة «إنكوم» العقارية فإن متوسط فترة العرض على الشقق في السوق الثانوية بلغ حتى 76 يومًا، أي أكثر بمرتين عن فترة العرض خلال السنوات السابقة. وفي عام 2016 كان بيع الشقق في السوق الثانوية يتطلب 120 إلى 150 يومًا، علمًا أن أطول فترة عرض قياسية مسجلة لم تزد عن 100 يوم. ومع ذلك فإن ما بين 20 إلى 25 في المائة فقط من العقارات المعروضة في السوق يتم بيعها، وفق ما يؤكد لاعبون في سوق العقارات.
ويؤكد خبراء في سوق العقارات أن الوضع لن يشهد تغيرات جدية سريعة مطلع عام 2017، وسجل الطلب خلال فترة أعياد رأس السنة تراجعًا بنحو 10 في المائة، مقارنة بالطلب خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويتوقع أن يستمر التنافس على المشترين في السوق الثانوية بين العقارات حديثة العهد، أو التي شيدت مؤخرًا. وعليه يُرجح أن تشهد الأسعار في السوق الثانوية هبوطًا جديدًا، إلى أن تطرأ تغيرات جذرية تضبط العلاقة بين العرض والطلب.
سوق الإيجار أيضًا تأثر
ولم يكن الوضع أفضل بالنسبة لعقود واتفاقيات الاستئجار في سوق العقارات الروسية، خلال الفترة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2016 ولغاية يناير 2017، إذ سجلت هي الأخرى تراجعًا ملحوظًا.
وبرز هذا التراجع بصورة خاصة في العاصمة الروسية موسكو، التي تشكل فيها هذه الفترة من العام انتعاشًا ملموسًا لسوق إيجار الشقق وغيرها من العقارات التي تستخدم للاحتفالات. حيث جرت العادة لدى كثير من العائلات الموسكوفية، على السفر إلى دولة ما خلال فترة الأعياد، وعرض شققها للاستئجار في سوق العقارات، لأعداد كبيرة من المواطنين القادمين من المدن الروسية الأخرى لقضاء فترة الأعياد في عاصمة البلاد. وتتراوح هذه الفترة ما بين 15 يومًا، وتصل حتى شهرين (مطلع ديسمبر وحتى نهاية يناير من العام الجديد).
إلى جانب ذلك، فإن الشقق السكنية المخصصة المعروضة في سوق الإيجار، لاستقبال السياح وزوار العاصمة، تشكل مجالاً مهمًا في سوق العقارات في موسكو، يشهد هو الآخر نشاطًا كبيرًا في فترة الأعياد.
ويقول العاملون في شركة «إنكوم» العقارية إن نسبة الإقبال على عقود الإيجار خلال فترة أعياد رأس السنة، كانت في موسكو هذا العام أقل بكثير من السنوات السابقة، بما في ذلك أقل من نسبة الإقبال حتى خلال الأزمة الاقتصادية العامين الماضيين.
وتشكل عقود الإيجار خلال الفترة من نهاية ديسمبر وحتى النصف الأول من يناير، 10 إلى 15 في المائة من إجمالي عقود الإيجار طيلة العام، حسب ما تؤكد أوكسانا بولياكوفا من وكالة «إنكوم»، لافتة إلى أن حجم العقود في نهاية العام الماضي تراجع نحو 4.5 في المائة، بينما تراجع حتى 6 في المائة مطلع عام 2017.
وتحيل بولياكوفا هذا التراجع إلى استقرار سوق الهجرة الداخلية، موضحة أن 85 في المائة من عقود الإيجار يتم توقيعها عادة مع الوافدين من المدن والأقاليم الروسية الأخرى، بحثًا عن عمل.
* القطاع الريفي
هبوط الأسعار كان ملحوظًا أيضًا في سوق العقارات الخاصة بالمنازل الريفية في منطقة موسكو. إذ تنتشر عادة وسط أبناء المدن الروسية الكبرى أن يكون لكل أسرة منزل ريفي، يتم استخدامه في الربيع والصيف للاستجمام.
وحسب معطيات وكالة «مييل - العقارات الريفية»، فإن متوسط سعر المنازل الريفية وفق المعايير العامة تراجع حتى 2.1 مليون روبل (نحو 35 ألف دولار)، بينما كان يزيد عادة خلال العامين الماضيين عن 3.2 مليون روبل (أكثر من 53 ألف دولار). إلا أن هذا التراجع اقتصر على سوق المنازل الريفية الموسمية، المشيدة وفق المعايير العامة المحددة المتعارف عليها (مساحة البناء ومساحة الأرض حوله).
أما المنازل خارج مدينة موسكو التي تصلح للسكن على مدار السنة، فعلى العكس، سجلت ارتفاعًا من 13 وحتى 17 في المائة، حسب وكالة «مييل - العقارات الريفية». كما سجلت ارتفاعًا بقدر 29 في المائة في أسعار الأراضي في ريف موسكو التي تتوفر فيها كل الخدمات، من ماء وكهرباء وغاز وصرف صحي، والمرخص بناء سكن عليها.
وتتوقع الوكالات العقارية العاملة في هذا المجال أن يستمر الوضع على حاله بالنسبة للعقارات الريفية الصالحة للسكن، مع ترجيحات بأن يستعيد سوق العقارات الريفية للاستخدامات الموسمية عافيته تدريجيًا خلال العام الحالي، ويربطون هذه التغيرات المتوقعة باستقرار سعر صرف الروبل، الذي سينعكس بصورة إيجابية على غالبية مؤشرات سوق العقارات الريفية، لا سيما وأنها لا تعاني من ظاهرة ارتفاع العرض مقابل الطلب، كما هي حال سوق العقارات السكنية في منطقة موسكو.
* السوق التجارية تنتعش
أما سوق العقارات التجارية، أي المكاتب ومباني الشركات، فقد كانت نسبة العقود المبرمة مع مؤسسات وشركات حكومية هي الأكبر عام 2016، وبلغت 37 في المائة من إجمالي العقود المكتبية.
وللمقارنة، لم تزد حصة العقود الحكومية في هذا المجال عن 20 في المائة عام 2011، و10 في المائة عام 2014، و13 في المائة عام 2015.
وبشكل عام، شهد العام الماضي زيادة الاستثمارات في سوق العقارات التجارية والمكاتب بنحو 37 في المائة، مقارنة بالاستثمارات في السوق ذاتها عام 2015. ونظرًا لاستقرار نسبي على الطلب في هذا المجال، لا يتوقع المحللون في السوق أي تغيرات جدية على مؤشرات سوق العقارات التجارية والمكاتب عام 2017.
سوق العقارات الروسية بحاجة إلى اتفاق «تقليص إنتاج»
غالبية مؤشراتها تواصل الهبوط بسبب زيادة العرض وتراجع الطلب
سوق العقارات الروسية بحاجة إلى اتفاق «تقليص إنتاج»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة