افتتاحيات الصحف الأميركية تناولت قرارات ترمب التنفيذية

الإعلام الأوروبي بين خطر «داعش» وتأثير العولمة على المجتمع الدولي

افتتاحيات الصحف الأميركية تناولت قرارات ترمب التنفيذية
TT

افتتاحيات الصحف الأميركية تناولت قرارات ترمب التنفيذية

افتتاحيات الصحف الأميركية تناولت قرارات ترمب التنفيذية

خلال الأسبوع الماضي، اهتم الإعلام الأميركي بالأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس الجديد دونالد ترمب. تعددت الأوامر، من بداية إلغاء «أوباما كير» (قانون التأمين الصحي لكل الأميركيين)، إلى منع مؤقت لمواطني 7 دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، إلى مصير قرابة مليون طالب من الأجانب غير القانونيين كان الرئيس السابق باراك أوباما سمح لهم بالبقاء. وتابعت التغطية افتتاحيات صحف رئيسية، خصوصًا بالنسبة لموضوع الأجانب.
لم تؤيد افتتاحية صحيفة رئيسية أوامر ترمب عن الأجانب. لكن، أيدتها صحيفة «واشنطن تايمز» (اليمينية) بطريقة غير مباشرة. كتبت: «يجب أن نركز جهودنا على أن نفعل ما يفيد وطننا. سيظل موضوع الهجرة، القانونية أو غير القانونية، قضية دون نهاية. هذا هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الذين يعيشون في المكان الذي يريد كل الناس أن يأتوا إليه».
وكتبت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» عن الأمر الجمهوري بمنع اللاجئين. وقالت: «صارت مشكلتنا هي إرضاء الخوف. وها هو الرئيس ترمب يهين القيم الأميركية، ويجعلنا نخاف من لاجئين وكأنهم جنود غزاة». وكتبت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» عن المسلمين. وقالت: «منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة قرار جبان وخطر. صار واجبًا على المسؤولين في إدارة ترمب وأعضاء الكونغرس، الذين يعرفون أفضل، ألا يبقوا صامتين».
وكتبت افتتاحية صحيفة «بوسطن غلوب» عن ملاذات الأجانب في مدن معينة (مثل واشنطن، وسان فرانسيسكو، وبوسطن نفسها). وقالت: «يجب ألا تستسلم الشرطة المحلية، هنا وهناك، للرئيس ترمب. يجب أن تكون للشرطة المحلية حرية التصرف القانوني في تحديد الكيفية التي تساعد بها الحكومة الفيدرالية». وأضافت أن ديفيد والش، عمدة بوسطن، «تعهد بحماية الأجانب في المدينة، وحماية الملاذات فيها، رغم أن هذا التحدي يمكن أن يمنع وصول ملايين من الدولارات الفيدرالية إلى بوسطن».
أما في القارة العجوز، فتنوعت الموضوعات التي اهتمت بها الصحف الأوروبية بين تصريحات وقرارات ترمب إلى مدى الخطر الذي يمكن أن يشكله تنظيم داعش على الولايات المتحدة الأميركية، هذا إلى جانب ملفات أخرى مثل تأثير العولمة والانتخابات الفرنسية وإقامة مناطق آمنة في سوريا. ونبدأ من العاصمة البريطانية لندن، نشرت صحيفة «الغارديان» مقالاً كتبه معتقل سابق في غوانتانامو، يتحدث فيه عن التعذيب، وكيف أنه لا يؤتي ثماره، عكس ما لمح إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في تصريحاته الأخيرة.
ونشرت صحيفة «ديلي تلغراف» مقالاً يتحدث فيه الكاتب عن خطر تنظيم داعش على الولايات المتحدة، حسب رأيه، بعد التفجيرات والهجمات التي نفذها عناصره في أوروبا. ويقول جيمس جاي كارافانو إن الإدارة الأميركية الجديدة ستعلن في مجال مكافحة الإرهاب عن سياسات جديدة تغلق باب استقبال اللاجئين وتشدد الرقابة، وتوقف منح تأشيرات الدخول للمواطنين من بعض دول الشرق الأوسط. ويضيف أن هذه السياسات بدأت تتعرض للانتقاد وتوصف بأنها عنصرية ومعادية للأجانب. ويذكر أن آلاف المقاتلين الأجانب من كل دول العالم دخلوا سوريا والعراق في الستة أعوام الماضية.
وبما أن تنظيم داعش يتراجع الآن، فإن كثيرًا منهم سينتشرون في دول أخرى للقيام بتفجيرات وهجمات، من بينها الولايات المتحدة. ويرى أن إدارة ترمب تسعى لاستباق التهديدات من خلال هذه الإجراءات لمواجهة خطر المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، ونشرت صحيفة «فايننشيال تايمز» مقالاً عن العولمة وتأثيرها على المجتمعات والاقتصاد الدولي.
وننتقل إلى باريس والصحافة الفرنسية وكيف سيتعامل العالم مع السياسة الحمائية التي أطلقها دونالد ترمب؟ سؤال طرحته صحف فرنسية عدة. «رفع الضرائب الجمركية يعطي إشارات تضخمية» كتبت «لوبينيون» التي ألمحت إلى إمكانية «لجوء الصين إلى حرب تجارية متلازمة مع حرب تبادلات العملات الصعبة».
«لوفيغارو» تساءلت عن حيثيات تعهد ترمب بإقامة مناطق آمنة في سوريا. «هل ينوي الرئيس الأميركي الاتكال على مساعدة الروس؟»، كتبت «لور ماندفيل» و«ما الذي سوف يعطيه بالمقابل؟ هل سيتنازل عن مبادئ أساسية تتعلق بحماية الحلفاء الأوروبيين وبسيادة أوكرانيا لقاء اتفاق مع بوتين؟»، تساءلت «لوفيغارو» التي خلصت إلى أن الأمر قد «يرسم مشهد العالم الذي ينتظرنا».
فيما نشرت «ليبراسيون» تحقيقًا ميدانيًا من الموصل عن صعوبة العودة إلى الحياة الطبيعية في المدينة بعد إخراج تنظيم داعش منها وفي «لاكروا» نقرأ تحقيقًا عن اللاجئين السوريين في لبنان. وأمس موعد انتخاب مرشح الاشتراكيين لخوض معركة الرئاسة لخّصه رسم كاريكاتوري في «لوموند» على أنه خيار بين وردة شعار الحزب ذابلة تمثل مانويل فالس وأخرى خضراء لم يحن قطافها لتمثيل بونوا أمون. وختامًا نبهت «لي زيكو» إلى صعود نجم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان وإلى تأثير ارتباك المشهد الانتخابي على كلفة الدين الفرنسي.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.